fiogf49gjkf0d
اتفق المشاركون فى مؤتمر مصر الأول الذى بدأت فعالياته، السبت، بمركز القاهرة الدولى للمؤتمرات على أن الاقتصاد المصرى يمر حاليا بمرحلة حرجة ودقيقة فى ظل الأوضاع التى تشهدها البلاد عقب ثورة 25 يناير وحالات
الانفلات الأمنى وعدم الاستقرار مما يعطى انطباعات غير جيدة للمستثمرين المحليين والعرب والأجانب، إضافة إلى تأثير المطالب الفئوية على دوران عجلة الإنتاج .
واستعرضت الجلسة الثانية للمؤتمر ورقة بعنوان "مأزق الاقتصاد المصرى عشية ثورة 25 يناير وكيفية الخروج منه" أشارت إلى أن الاقتصاد والمجتمع المصرى تعرضا طوال 4 عقود ماضية إلى عملية استنزاف وتخريب ممنهجة ومنظمة كانت انعكاسا لعملية تأسيس منظمة لدولة الفساد أو ما أطلق عليه "مأسسة الفساد" بحيث أصبحت هناك قرارات جمهورية وقوانين ولوائح وقرارات لجمعيات عمومية لعدة أفراد فى كافة المؤسسات تراعى هذا الفساد وتعزز من سطوته.
ونوهت الورقة، التى أعدها عبد الخالق فاروق الخبير فى الشئون الاقتصادية والاستراتيجية وشارك فيها الباحث رضا عيسى، بأنها لا تعدو كونها مجرد محاولة أولية لتشخيص الوضع العام للاقتصاد المصرى فى اللحظة الراهنة؛ مع وضع الخطوط العريضة للخروج من هذا المأزق.
وفى تشخيص الوضع الاقتصادى، أشارت الورقة إلى تعدد المشكلات والقيود التى تواجه الاقتصاد فى اللحظة الراهنة، انطلاقا من ضرورة التمييز بين 3 محاور أساسية يرتكز عليها الأداء الاقتصادى للدولة الحديثة وهى مشكلات قطاعات الإنتاج السلعى أو العينى وفى الصدارة منها: الزراعة والصناعة والكهرباء والطاقة والتشييد، ثم مشكلات إدارة قطاعات الاقتصاد المالى، وأخيرا قطاعات التجارة والخدمات وآليات ضبط الأسواق والسيطرة على الأسعار ومعدلات التضخم.
وبالنسبة لمشكلات قطاعات الاقتصاد السلعى (الزراعة ، الصناعة ، التشييد ، الكهرباء ، التعدين والنفط والغاز) ذكرت الورقة أنها تعرضت طوال الأربعين عاما الماضية إلى تغيرات ضارة جعلت الدولة المصرية ككل تحت ضغوط القوى الخارجية وامتداداتها المحلية من طبقة رجال المال والأعمال .
وتعرض القطاع الزراعى طوال هذه الفترة لضربات قاصمة لم تتمثل فقط فى الإهمال المتعمد لتطوير هذا القطاع بل تمثلت فى انتهاج مجموعة من الإجراءات السلبية التى أدت فى النهاية إلى انخفاض متوسط اكتفاءنا الذاتى من جميع السلع الغذائية الحيوية لأقل من 45% .
فكما تقول بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فقد انخفض نصيب الفرد من المساحة المنزرعة من 53ر0 فدان فى بداية القرن العشرين لتصبح 12ر0 فدان فى نهاية نفس القرن.
وبيعت محالج القطن لكبار رجال المال والأعمال؛ كما جرى منح الأراضى فى المشروعات الزراعية الجديدة (توشكى، العوينات ، واحة باريس ، الصالحية ، ترعة السلام فى سيناء) لمستثمرين عرب ومصريين، أضروا بالمستقبل الزراعى لمصر وجعلوها عرضة لمخاطر متعددة .
وتحولت مصر إلى رهينة فى أيدى جماعات محدودة العدد من المستوردين الذين لم يتورعوا عن استيراد أسوأ أنواع الأقماح من أجل تعظيم مكاسبهم وأرباحهم (التى قدرت سنويا بأكثر من 500 مليون جنيه خلال السنوات الخمس الأخيرة وحدها).
كما انعكس ذلك سلبيا على زيادة العجز فى الميزان التجارى وتعاظم فاتورة وارداتنا من المواد الغذائية لتتجاوز 25 مليار دولار فى عام 2010، ومن جهة أخرى أدى العجز إلى إضاعة فرصة تاريخية نادرة لخلق مجتمعات عمرانية/زراعية جديدة عبر امتصاص مئات الآلاف من الشباب وأسرهم.
وفى مجال الصناعة، ذكرت الورقة أن برنامج الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة الذى بدأ عام 1992 لم يكن سوى التتويج المبكر لاتجاهات عدائية نمت منذ بداية انتهاج الدولة فى عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، لسياسة الانفتاح الاقتصادى.
وتضمنت تلك الاتجاهات المعادية للصناعة عدة مراحل، ففى المرحلة الأولى تركزت الدعوة الرسمية حول ضرورة منح القطاع الخاص فرصة الوجود والمشاركة على قدم وساق فى خطط التنمية مع القطاع العام، وبصرف النظر عن مضمون هذه الصناعة ، فقد جرى فتح خزائن البنوك والجهاز المصرفى الحكومى وغير الحكومى فزادت القروض الممنوحة له من 32 مليون جنيه عام 1970 (بما لم يكن يزيد على 7ر3% من إجمالى التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك كافة) إلى 798 مليون جنيه عام 1979 (بما أصبح يمثل 15% من إجمالى التسهيلات الائتمانية الممنوحة).
وفى المرحلة الثانية من الاتجاهات المعادية للصناعة جرى خنق مصرفى متعمد لشركات القطاع العام وما يسمى قطاع الأعمال العام الصناعى منها وغير الصناعى تحت زعم ضعف هياكلها التمويلية وتحقيقها لبعض الخسائر، تمهيدا لبيع هذه الشركات وتحقيق عمولات ومكاسب شخصية لكبار رجال الحكم والإدارة كما ذكرنا وقتئذ وكشفت صحته التحقيقات الجارية حاليا.
وفى المرحلة الثالثة مرحلة البيع والخصخصة، والتى شملت كل مقدرات الدولة والمجتمع المصرى من شركات صناعية وغير صناعية، ومن البنوك إلى شركات التأمين، إلى شركات التجارة ومنافذ التوزيع فى إطار أكبر عملية تفكيك لقدرات الدولة المصرية، بما يجعلها ضعيفة إزاء أى تحديات إقليمية تنشأ أو تهديدات إسرائيلية أو أمريكية لمصر ومصالحها.
أما فى مجال الكهرباء والطاقة، فقد ذكرت الورقة أن جماعات المافيا التى حكمت البلاد منذ عام 1991 تفتقت أذهانها عن ابتكار أساليب جديدة غير مسبوقة لدولة نامية تواجه تحديات كبرى مثل بلادنا مثل اعتماد نظام يسمى "بى او او تى" أى البناء والتملك والتشغيل ثم الإعادة، فامتد هذا النظام المحاط بالكثير من التساؤلات والشبهات وصيغت العقود بحيث تمثل إهدارا لموارد مالية حكومية وعبئا على المستهلكين، إضافة إلى إدخال وسيط وسمسار بين هيئة البترول الحكومية المصرية والمستوردين للنفط والغاز الطبيعى.
كما حدث - وفقا للورقة - فى شركة شرق المتوسط للغاز التى يملكها ظاهريا المدعو حسين سالم، وأهدر على الدولة المصرية حوالى 5 إلى 8 مليارات دولار سنويا منذ عام 2001 وما جرى قبلها فى مشروع "ميدور"، الذى تسبب فى خسارة للبنك الأهلى المصرى وهيئة البترول تزيد على مليار جنيه لصالح حسين سالم ومن ورائه ولشركة "ميرهاف" الإسرائيلية.
ومن جانبه، قال عبد الخالق فاروق:" أن رجل الأعمال الهارب حسين سالم، كان يدير شبكة غير شرعية لإدارة مشاريع أسرة مبارك وخاصة فى مجال النفط والغاز الطبيعي، وكان ذلك واضحاً فى اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل" .
أما فى قطاع التشييد والبناء، وبرغم حيوية هذا القطاع وحجم الاستثمارات الحكومية والخاصة الضخمة الموظفة فيه، فإنه تم تحميله بنسب عمولات ورشاوى هائلة أدت لإهدار موارد ضخمة على المجتمع المصرى كان من الممكن توظيفها فى مجالات تنموية أخرى.
وإذا كانت حكومات الرئيس السابق مبارك قد أنفقت فى إقامة البنية التحتية للمجتمع منذ عام 1982 حتى تاريخ تنحيه ما يربو قليلا على 400 مليار جنيه فى صورة طرق، كبارى، محطات مياه، محطات صرف صحى، محطات كهرباء ، مدارس، مستشفيات، بخلاف ما أنفقه القطاع الخاص والاستثمارى فى مجال التشييد والبناء المقدر بحوالى 100 مليار جنيه أخرى، فإن حجم العمولات والرشاوى التى أهدرت والتسرب الذى حدث يقارب 40 مليار جنيه (حوالى 10% من حجم الأعمال) ذهبت طوال هذه الفترة إلى جيوب وحسابات عدد محدود من كبار المقاولين ورجال الحكم والإدارة والمكاتب الاستشارية القريبين من الحكم.