إنشغال طاقم أي سفينة بمعركة حامية للفوز بشرف قيادتها لا يجب أن يلهي الفرق المتصادمة عن التأكد من أن مخزون الغذاء داخل هذه السفينة كاف لكل الركاب حتي يصلوا بسلام إلي الشاطئ .
والحقيقة أن التحدث بصراحة حول أوضاعنا الإقتصادية لا يجد إهتماما أو إصغاء كافيا لأن الصخب والعراك يحجب أي صيحات تحذير أو إستغاثة.. ولعل رجال البنوك أكثر القابضين علي الجمر لأنهم يرون الصورة علي حقيقتها, وهم أكثر مؤسسات الدولة رغبة في إستعادة الهدوء والأمن والإنتاج.
الحوار مع حسن عبد المجيد العضو المنتدب لبنك الشركة المصرفية العربية الدولية يضع النقاط علي الحروف في كثير من الأمور ويدعو بصراحته المعهودة للإنتباه قبل فوات الأوان.
. أستاذ حسن.. كيف تري صورة النشاط الإقتصادي حاليا؟
.. الصورة ضبابية للغاية وذلك بسبب إستمرار حالة الفراغ الأمني, صحيح الشرطة عادت ولكن تحتاج إلي دعم من الشعب حتي تؤدي دورها. والدعم الشعبي يتمثل في إلتزام المواطن بتطبيق القانون علي نفسه. لن أتحدث عن البلطجة أو السرقة بالإكراه أو الإغتصاب ولكن سأتحدث عن شئ بسيط للغاية يؤكد أن روح ثورة يناير لم تصل بعد لكل المصريين, عاد شرطي المرور للشارع ولكن الناس لا تطيع إشارة المرور, ومن هنا فلابد من تطبيق القانون بقسوة وخاصة فيما يتعلق ببند الغرامات.. من يكسر إشارة المرور عامدا متعمدا عليه دفع غرامة2000 جنيه مثلا. هذه الغرامة لا تعني إحتكاكا مباشرا بين الأمن والمواطن ولكن تعني إحكام قبضة القانون علي جميع المواطنين. يجب أن يعرف الجميع أن من يكسر الإشارة مستقبلا ستكسر الغرامة ظهره فيما بعد. وهكذا يجب أن نعمل في كل الأمور.
. ماذا عن حال البنوك حاليا؟ هل هناك شهية للإدخار او الإستثمار؟
..الشهية للإدخار موجودة خاصة بعد حالة الإنفلات الأمني عقب25 يناير الناس تفضل وضع أموالها بالبنوك, وسيزداد هذا الإقبال بعد إلغاء البنك المركزي لقيد السحب علي الجنيه المصري والذي لم يكن يزيد عن50 ألف جنيه في المرة الواحدة, الآن من يرغب في سحب أي مبالغ أهلا وسهلا, هذا ساهم في زيادة واضحة في الإيداعات علي الشبابيك. ولكن بالنسبة للمستثمرين والإقراض لتمويل مشروعات أود أن أصارحك.. مفيش عروض للإقتراض لتمويل مشروعات جديدة, هذا ينطبق علي الحكومة والقطاع الخاص.. لا توجد مشروعات قومية, ولا توجد شهية لدي المستثمر للبدء في مشروع جديد. وعلي سبيل المثال يصل إجمالي الودائع لدينا8 مليارات جنيه والقروض لا تزيد عن4.5 مليار جنيه. وما نقوم به حاليا متابعة المشروعات القائمة.
. مواردنا من النقد الأجنبي. هل ستستمر في التراجع؟
.. مواردنا إنخفضت في مجال السياحة والتصدير وتحويلات المصريين وحتي قناة السويس, فقد إنخفض الاحتياطي من النقد الأجنبي بنحو6 مليارات دولار في شهري فبراير ومارس.. وإن كانت هناك بوادر إنتعاش في قطاع السياحة نرجو أن تستمر, إننا في حاجة إلي وقفة مع النفس ومراجعة الذات.
. هناك إتجاه لتخصيص بنك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة, ما رأيك؟
.. نمو محفظة إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة في البنوك التجارية بطئ للغاية بالرغم من الدعم الذي تحصل عليه من البنك المركزي وإعفاء التمويل المقدم لها من نسبة الإحتياطي الذي تودعه البنوك لدي البنك المركزي, وذلك لأن تكلفة متابعة هذا الإقراض عالية وأيضا المخاطر عالية. علي سبيل المثال لاتزيد محفظة إقراض هذه النوعية من المشروعات ببنك الشركة المصرفية عن250 مليون جنيه, ومن هنا فتخصيص بنك لهذا النشاط مطلوب بشدة.
. هل تأثر نشاط التجزئة المصرفية وتراجع حجمه أم العكس؟
.. البلطجة ليست بالضرورة سنجة ومطواة, ولكن البلطجة في الفكر والتوجه.. في مجال التجزئة لدينا القروض الشخصية, وقامت البنوك طواعية وتقديرا للظروف بشطب غرامات التأخير عن أصحاب هذه النوعية من القروض لشهور يناير وفبراير ومارس, فوجئنا أن الموظفين لا يدفعون الأقساط أو الفوائد بالرغم من أنهم قبضوا رواتبهم. وكل من لم يدفع لا يعرف أنه سيتم تلقائيا وضعه في القائمة السوداء بما يحرمه لسنوات مقبلة من الحصول علي أي تمويل من أي بنك تحت أي مسمي.. البلد لن ينصلح حالها إلا إذا تكاتفنا جميعا وقام كل منا بواجبه وأدي ما عليه من إلتزامات.
. ما هو تصورك لنتائج أعمال البنوك عام2011 ؟
.. الشغل يولد الأموال والأرباح, ونتيجة للتوقف المرحلي في الفترة الحالية أعتقد سيكون له تأثير سلبي علي نتائج أعمال البنوك بوجه عام خلال2011 بالمقارنة بنتائج.2010 ونحن لا نرغب في إستمرار ذلك, وأعتقد لو أن الناس بدأت الإنتظام في العمل والإنتاج يمكن أن نقلل الأثار السلبية أو حتي نمحيها.
. وفي تقديرك أين مشروعات الدولة؟
.. لا توجد مشروعات جاهزة حاليا للتمويل من الدولة, فليس هناك مشروعات يمكن تدبير قروض مسوقة لها في مجالات كبري مثل محطات الكهرباء أو الطرق أو الغاز والبترول أو بوجه عام في البنية الأساسية حتي نحرك السوق, فالتجارة لن تحرك الأسواق. ونظرا للظروف الحالية لابد من تغيير صيغ التمويل العادية, علينا أن نفكر في وسيلة جديدة للمشاركة بين البنوك والدولة.. هذا الفكر سيجعل الماكينة تدور مرة أخري وتطلع قماش.
. وماذا عن الإستثمار الأجنبي؟
.. حتي يأتي المستثمر الأجنبي لابد وأن تكون لدينا مشروعات جاهزة من الدولة, وحتي الآن لا توجد خطة إستثمارية واضحة المعالم من الحكومة بحيث نقوم كبنوك بالتسويق لها وجلب مستثمر أجنبي..
. ما رأيك في قضايا الفساد المثارة حاليا وتأثيرها علي شهية القطاع الخاص للإستثمار؟
.. لابد من محاسبة الفساد, ولكن لا يعني ذلك بالضرورة محاربة كل رجال الأعمال لإن النسبة الأكبر منهم شرفاء, والقاعدة الأكبر أصحاب مشروعات متوسطة الحجم. ومعاداة القطاع الخاص ليست في مصلحة البلد, ولابد وأن ندرك أن ظهور قلة غير شريفة من القطاع الخاص كان بسبب تشريعات وقوانين غير منضبطة تسببت في وجود هذه الحفنة من الفاسدين. ومن هنا نحن نطالب بتغيير منظومة الفكر لدي الدولة ولدي القائمين علي تطبيق القانون ولدي القطاع الخاص نفسه. وأعتقد أن ما حدث درس لن ينساه أحد, ولكن يجب أن نفرق بين من سرق ونهب وبين من قام بمخالفة إدارية. ففي حالة المخالفة لا يستوجب الأمر السجن ولكن يستوجب إزالة هذه المخالفة ورد الأموال للدولة.. هذا الفكر سيساهم في تشجيع القطاع الخاص الشريف علي الإستمرار والإنتاج. ولابد ونحن نتعامل مع رجال أعمال مخالفين أن نضع في الإعتبار وضع شركاتهم التي يعمل بها عشرات الألاف من أبناء مصر, فأين سيذهب هؤلاء لو تضررت الشركات ؟ إننا في هذه المرحلة كمن يسير علي الأشواك ويحاول جاهدا ألا يجرح قدميه.. مكافحة الفساد يجب أن تتم في إطار من القانون يفرق بين المخالفة والجريمة, وفي ذات الوقت بشكل يحمي الشركات القائمة ولا يعرضها للخراب.
. في رأيك ما هي الأنشطة التي ستحقق رواجا في المرحلة المقبلة؟
.. كل ما يتعلق بالغذاء سينتعش, مشاريع القطاع الزراعي, وتصنيع المنتجات الزراعية, وتصنيع الغذاء, والصوامع لخزين الحبوب, ولو وصلنا إلي إنتاج60% من إحتياجاتنا الغذائية هذا سيعد نجاحا كبيرا وسنكون في وضع أفضل بكثير.أيضا المشروعات كثيفة العمالة وخاصة في مجال البنية الأساسية.
. وماذا عن تأثير الأوضاع الحالية علي الأنشطة الأخري في مجال تصنيع السيارات والتطوير العقاري؟
.. لابد أن تطور صناعة تجميع السيارات في مصر نفسها, لابد من تصنيع سيارة محلية, الهند صنعت التوك توك ونحن نستورده وأصبح واقعا في الشوارع والمناطق العشوائية والريفية, لماذا لا نصنعه في مصر؟
أما عن النشاط العقاري فهناك مشكلة, لدينا حالة من الركود العقاري, والشركات والأفراد لن يتمكنوا من تخفيض الأسعار لأن هذه الأسعار تم وضعها بناء علي تكلفة مرتفعة, وبالتالي لن يتم تخفيض الأسعار, ولن يقبل الناس علي الطلب كما كان الوضع في السابق وهو ما يعني مشكلة مرتقبة في هذا القطاع. ولكن عموما لقد مر القطاع العقاري في مصر بأكثر من أزمة, ولا يجب أن ننسي أزمة الركود العقاري الكبير في منتصف التسعينيات وبداية الألفية والذي إستمر ربما حتي عام2004, أسعار العقارات وخاصة الفاخرة منها كان في متناول يد الجميع وبالتقسيط المريح, وأذكر أن ثمن الفيلا في القاهرة الجديدة ومدن جديدة في الشروق و6 أكتوبر ومارينا وغيرها كانت لا تزيد علي750 ألف جنيه, ويتم سدادها بأقساط لا تزيد علي150 ألف جنيه ويتسهيلات, وكانت الشركات تدلل علي الوحدات التي لديها ولا تجد مشترين, ثم حدثت طفرة جنونية في الأسعار وحتي قبل ثورة يناير نتيجة لإرتفاع تكلفة ترفيق الأراضي ومواد البناء, والزيادة الواضحة في الطلب بسبب نمو شريحة جديدة من الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة وزيادة الدخول بهذه الطبقة, الأن هذا القطاع عليه الصمود, وعلي الشركات أن تبدأ حوارا مجتمعيا يهدف إلي تمديد القساط وتقليل أعبائها علي المواطن, وبما يسمح بتأخير تسليم الوحدات حتي نعبر عنق الزجاجة.
الغريب في الموضوع أن الأحداث في منطقة الشرق الأوسط ساهمت في إنتعاش عقاري في أوربا وخاصة إنجلترا لنزوح عدد كبير من أغنياء هذه الدول إلي أوربا نتيجة القلق علي المستقبل.
. وكيف تري المستقبل؟
.. شئ طبيعي أن يحدث بعد أي ثورة مرحلة إنتقالية, ولحسن الحظ الوضع في مصر مستقر إلي حد كبير, ولا توجد لدينا تلك الأحداث الدامية الموجودة في دول أخري, وذلك بفضل القيادة الحكيمة من المجلس العسكري, والأداء الجيد للحكومة التي تواجه بأعباء كبيرة, وكان يمكن أن تنتهي حالة التباطوء الإقتصادي لو أن الشعب بكل طوائفه ساند الدولة بوقف الإحتجاجات ولو لفترة ستة شهور مثلا حتي تلتقط الحكومة الأنفاس وتتفرغ لعملية تنشيط الإقتصاد وإستعادة دوران عجلة الإنتاج. وأنا علي ثقة كبيرة بفهم ووعي المواطن المصري والشعب المصري, وأقول للجميع مصر أمانة غالية وهدية من الله لأهلها فلا تضيعوها.