في قضية متشعبة ومفتوحة على مزيد من المفاجآت، بات طبيب تخصيب بشري أميركي في ورطة حقيقية، وذلك بعد أن اضُطر أخيراً إلى الاعتراف أمام المحكمة بأنه خدع عشرات من النساء الراغبات في الحمل بأن قام بتخصيبهن مختبرياً بحيامنه (سائله المنوي) بعد أن أوهمهن بأنها من متبرعين آخرين!
ووفقاً للمعلومات التي تكشّفت حتى الآن، فإن حالات التخصيب والإنجاب غير القانونية التي نفذها الدكتور «دونالد كلاين» (77 عاما) حصلت قبل أن يتقاعد عن العمل في العام 1990، ما يعني أن أعمار أبنائه الذين أنجبهم بالتدليس أصبحت تتراوح الآن بين العشرينات والأربعينات، لكنهم لم يكتشفوا أنهم إخوة من أب واحد إلا بعد انكشاف أمره أخيراً، بل أن المرجح هو أن هناك عشرات آخرين لم يعلموا حتى الآن أنهم أبناؤه.
النقاب بدأ ينكشف تدريجياً عن فضائح الدكتور كلاين عندما شرعت امرأة أميركية شابة قبل نحو سنتين في البحث عن هوية والدها البيولوجي، وبعد أن خضعت إلى اختبار «بصمة وراثية» فوجئت باكتشاف أن لها 8 إخوة وأخوات آخرين يشتركون معها في الأب ذاته!
ولدى إجراء مزيد من البحث والتنقيب في قواعد بيانات البصمات الوراثية، اكتشفت تلك الشابة أن ذلك الأب المشترك هو الدكتور دونالد كلاين الذي كان قد أجرى عملية التخصيب المختبري لوالدتها في أوائل الثمانينات!
وسائل إعلام أميركية نقلت عن تلك المرأة الشابة، التي رفضت الإفصاح عن هويتها، قولها «ما فعله الدكتور كلاين كان أمراً غير أخلاقي فلقد كان يخبر مريضاته بشيء ثم يفعل شيئاً آخر».
وبينما تم اكتشاف 9 من أبناء كلاين حتى الآن، فإنه اعترف لدى مثوله أمام إحدى محاكم ولاية إنديانا أخيراً بأنه استخدم حيواناته المنوية خمسين مرة على الأقل لتخصيب نساء بها سراً من دون إبلاغهن بالحقيقة، لكنه أنكر أنه مذنب بتهمة تضليل وعرقلة مجرى العدالة.
وحسب وثائق تتعلق بالقضية المرشحة لمزيد من التشعبات الفضائحية خلال الفترة المقبلة، تقدم إلى المحكمة عدد ممن اتضح أنهم أبناء الدكتور كلاين مطالبين بحقوقهم القانونية وبمعرفة المزيد عن هوياتهم الحقيقية وعن ثروة والدهم البيولوجي الذي أنجبهم بالخديعة والغش.
وكانت إحدى من أنجبهن الدكتور كلاين، وتدعى كريستي كيليون، قد اتصلت به قبل إلقاء القبض عليه حيث أبلغته بأن والدتها أنجبتها من تلقيح اصطناعي أُجري في عيادته قبل نحو 30 سنة، وطالبته بأن يُفصح لها عن اسم وهوية والدها البيولوجي الحقيقي، فما كان منه إلا أن راح يراوغها ثم زعم أنه قد أعدم جميع سجلاته الطبية بعد تقاعده، وأنه من المستحيل معرفة اسم والدها المتبرع الذي تم تخصيب أمها بـ «حيامنه».
عند ذلك، لجأت كيليون إلى موقع انترنتي متخصص في الربط بين المولودين من «حيامن» متبرعين ولمّ شمل المتآخين منهم، حيث سرعان ما تناظرت بصمتها الوراثية مع ثمانية آخرين على الأقل من رواد الموقع.
وقالت كيليون إنها وإخوانها غير الأشقاء تواصلوا واكتشفوا لاحقاً أن جذورهم تعود إلى الدكتور كلاين عندما قارنوا بصماتهم الوراثية مع البصمة الوراثية الخاصة بابنه الشرعي «دو» وتأكدوا من أنه يشترك معهم في الأب البيولوجي ذاته.
ونقلت شبكة «سي إن إن» الإخبارية عن كيليون قولها إنها واخوانها الثمانية تواصلوا عبر موقع فيسبوك مع «دو» ابن الدكتور كلاين وأن الابن أخبرهم بأن والده كان قد أقر له بأنه قد سبق أن تبرع بعينات من «حيامنه» إلى مختبرات تخصيب عدة على مدار سنوات في الماضي.
كما نقلت الشبكة عن خبير قانوني قوله معلقا على هذه القضية «من الواضح أن الدكتور كلاين قد انتهك مجمل واجبه المهني المتمثل في أن يكون أميناً ومستقيماً»، مشيرا إلى أن هذا الأمر قد يفتح الطريق أمام إلزام المتهم بدفع نفقات تربية جميع الأطفال الذين أنجبهم عن طريق التدليس المهني.
يشار إلى أن القوانين الأميركية تبيح منذ العام 1973 التبرع بالحيوانات المنوية لأغراض التخصيب كما أن هناك عيادات متخصصة في التخصيب الاصطناعي بـ (حيامن) من متبرعين وفقاً لضوابط تنظيمية كثيرة من بينها عدم الإنجاب أكثر من 3 أطفال من سائل كل متبرع، وضرورة الاحتفاظ بسجلات طبية تثبت أنساب الأطفال الذين يولدون من خلال هذه الطريقة، وأن يوافق زوج المرأة المخصبة على تخصيبها بتلك الطريقة كي يصبح مسؤولاً عن الإنفاق على المولود وإلا فإنه لا يكون مُلزما قانوناً بذلك.
ولأن شر البلية ما يُضحك، فإن الدكتور كلاين دافع عن نفسه أمام المحكمة قائلاً إنه «ليس نادماً على ما فعل لأنه كان يشعر آنذاك بأنه يقدم مساعدة إلى مريضاته من منطلق أنه كان يَراهُن متلهفات جداً لإنجاب طفل»، لافتاً إلى أنه «كان يضطر إلى استخدام حيواناته المنوية لأنه لم يكن يتمكن آنذاك من الحصول على إمدادات من متبرعين جدد!!».
لكن ما من شك في أن ما قاله وما فعله الدكتور كلاين ليس سوى «عذر قبيح... وذنب أقبح» من طبيب سبعيني سيواجه عقوبات ثقيلة جداً في حال ثبوت إدانته.
وقد أعادت فضيحة الدكتور «دونالد كلاين» إلى الأذهان قصة عالم الأحياء البريطاني الراحل «بيرتولد وايزنر» الذي كان قد أثيرت حوله ضجة مدوية في صيف العام 2012 عندما كُشف النقاب عن أنه أنجب خلال الأربعينات والخمسينات نحو 600 طفل بالطريقة ذاتها من خلال عيادة تخصيب كان يملكها ويديرها آنذاك في لندن بالتعاون مع زوجته «ميري بارتون».