أكد أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب ورئيس الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع أن الأزمة المالية العالمية التي تضرب اقتصاديات العالم حاليا أكدت قوة الارتباط الكبير بين الاقتصاد والتشريع, لافتا إلي أن الأزمة المالية سببها الرئيسي غياب حكم القانون في إدارة العمليات المالية ونقصان الشفافية في تطبيقه أو ضعف أحكامه في بعض الدول. وأشار الدكتور سرور إلي أن الجمعية تنبهت مبكرا إلي حقيقة الأزمة المالية قبل أن تدق أجراس الخطر بحلولها, حيث عقدت ندوة علمية قبل وقوع الأزمة تناقش فيها آثار العولمة علي اقتصاديات الدول النامية, وتناولت فيها الأفكار التي طرحت تأثير اندماج الاقتصاديات الوطنية في الاقتصاد العالمي علي هذه الاقتصاديات في إطار العولمة.
جاء ذلك في كلمة د. سرور خلال فعاليات الجلسة الافتتاحية لاحتفالية مرور مائة عام علي إنشاء الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والذي يعقد برعاية الرئيس حسني مبارك علي مدي يومين تتخللهما العديد من الندوات وحلقات النقاش حول الاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع والأدوار التي تؤديها هذه القطاعات في تنمية المجتمع المصري, والتي شهدها عدد كبير من الوزراء والمحافظين والشخصيات العربية البارزة وعدد من وزراء العدل العرب وسفراء الدول العربية والأجنبية.
وقال: إن الجمعية المصرية للاقتصاد والسياسة والتشريع هي الجمعية المصرية غير الحكومية الوحيدة التي يعين رئيسها بناء علي قرار من رئيس الجمهورية.
وأشار الدكتور سرور إلي أن الجمعية اضطلعت منذ إنشائها في ابريل من عام1909 بدور رائد في مجالات الاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع إدراكا منها أن التنمية الاقتصادية المتكاملة لا يمكن لها أن تتم دون الربط بين القطاعات الثلاثة المذكورة. وقال سرور' إن الجمعية وهي تحتفل اليوم ببلوغها مائة عام من عمرها, فإنها تلقي نظرة إلي الماضي تسترجع فيها الطريق الذي قطع وأخري إلي الحاضر تستعرض فيه كافة تجاربها في إطار الاستعراض الدوري الشامل لما بذل من جهد ولما تحقق من انجازات في التنمية المحلية, كما انها تلقي نظرة أخيرة تستشرف فيها المستقبل'.
وأضاف أن الجمعية منذ إنشائها تعاقب علي رئاستها عدد كبير من الشخصيات البارزة التي أعطت ثقلا كبيرا للجمعية, مشيرا إلي اجتياز الجمعية لمائة عام من عمرها وسط أحداث دولية ومحلية تفاعلت معها الجمعية بالبحث العلمي الرصين الذي شخص أحوال المجتمع بدقة متناهية. ووقع د. سرور والمهندس علاء فهمي رئيس البريد المصري خلال الاحتفال علي أول طابع بريد تذكاري بمناسبة مرور المئوية الأولي لتأسيس الجمعية.
وأكد فتحي سرور أن الجمعية تضع لنفسها عددا من الأولويات ضمانا لاستمرارها كأحد المراكز العلمية المرموقة للبحوث والدراسات الاقتصادية والقانونية, في مقدمتها إنشاء لجنة تعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نظرا لأهميتها البالغة في الحياة المعيشية للمواطنين.
وأضاف أن تلك الأولويات تتضمن أيضا إنشاء لجنة للبحوث وتطوير التشريعات لدراسة التشريعات الحالية وتقديم التوصيات التي تري أنها تحقق مصلحة المواطن الاقتصادية والاجتماعية, وإنشاء مكتبة رقمية تتصل بمكتبة الإسكندرية ومكتبة الكونجرس وذلك لخدمة الباحثين من كافة بقاع الأرض والتواصل معهم, وإصدار مجلة جديدة وثائقية تتضمن التشريعات المصرية وإنشاء وحدة للبيانات الإحصائية تتولي تطوير البيانات, إلي جانب تشجيع شباب الباحثين من أعضاء الجمعية وتعميق معارفهم من خلال دورات تدريبية وورش عمل في مجالات عمل الجمعية.
من جانبه, أكد الدكتور محمود محي الدين وزير الاستثمار- في كلمته بالجلسة الافتتاحية- أن الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة هي الأشد سوءا والأعمق وهي مشابهة للأزمة المالية الكبري التي اندلعت في عام1929 التي أدت, مع سوء إدارة لها, إلي الكساد الكبير, وأكد أن هذه الأزمة الراهنة التي ما زال يعاني العالم من آثارها ستنتهي كسابقاتها من أزمات بعد حين, لكن سيتحمل تبعاتها ويشترك في دفع تكلفتها البريء منها مع المذنب والفقير مع الغني خاصة مع ما نراه من إجراءات للتعامل مع الأزمة قد تكون أكثر منها شرا.
وأشار محيي الدين إلي ما نراه من تزايد في الحمائية في سبل حركة التجارة أمام سلع وخدمات منتجة في الدول النامية وتعويق لحركة الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال بسبب عجز الموازنة للدولة الذي ازداد اتساعا في الاقتصادات المتقدمة بما يسبب مزاحمة للموارد التي يمكن توجيهها للدول النامية. وقال' إننا بصدد واقع عالمي جديد يتمثل في انخفاض معدلات النمو وتراجع مستوي الناتج وانخفاض حجم التجارة الدولية وارتفاع تكلفة رأس المال وارتفاع معدلات البطالة من جراء ذلك, مع احتمال ارتفاع معدلات التضخم العالمية في المستقبل إذا تم اللجوء لسبل تضخمية في تمويل عجز الموازنة في الدول المتقدمة',
مشيرا إلي أهمية الدور الذي تلعبه الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع في المستقبل في رصد هذه التغيرات وتأثيرها علي الاقتصاد المصري وسياساته واقتراح البدائل بشأنها.
وقال الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار' لقد ظهر جليا بعد نشوب الأزمة المالية والاقتصادية أن علم الاقتصاد قل نفعه وتراجع تأثيره لواحد من أمرين.. الأمر الأول عند خضوعه لأيديولوجيات مغلبة للمذاهب والعقائد السياسية وافتراضاتها علي منطق التحليل العلمي.. الأمر الثاني عند إفراط الاقتصاديين في استخدام النماذج الرياضية والقياسية والإغراق في التجريد وافتراضات لرشادة التوقعات ورشد سلوك المستهلك والمنتج والظن باكتمال آليات الأسواق'.
وأوضح أن هذه الأزمة المالية والاقتصادية من معجلات نتائج السباق الذي نشهده علي مدي ثلاثين سنة ماضية, وقال' من المتوقع في العام القادم2010, أن تصبح الصين في المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي سابقة اليابان لأول مرة وليصبح الاقتصاد الصيني معادلا لما يقترب من40% من حجم الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الياباني عند35% فقط من حجمه'.
وقال' بمعدلات النمو الراهنة في الصين سيحتل اقتصادها المرتبة الأولي علي مستوي العالم مع نهاية العقد الثاني من هذا القرن وربما قبل ذلك..وسيزداد الاقتصاد الهندي أيضا قوة وتطورا, فتجد في النهاية تحولا في ميزان القوة الاقتصادية من الغرب إلي الشرق بما يعود بنا إلي سيرة العالم السابقة علي عام1820 عندما كانت هناك هيمنة آسيوية قبل الصعود الغربي علي مدار القرنين السابقين'.
وأضاف' لقد حققت الدول الآسيوية ذات الاقتصادات البازغة تطورا بفضل الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي الكلي والانفتاح علي العالم الخارجي تصديرا وجذبا للاستثمار والمعارف, وكذلك علي آليات السوق المنظمة والمراقبة بفاعلية, والالتزام الصارم بتحقيق برنامج متكامل للتقدم والتحديث, وتبنيها لأفكار جديدة متطورة رفعت من تنافسياتها بفضل الاستثمار في البشر تعليما وتدريبا ورعاية لهم, والاستثمار في تطوير البنية الأساسية للتقدم, وقال' العبرة في التقدم ليست بمدي قدرة تبني لأفكار جديدة ومتطورة مناسبة للعصر فحسب, ولكن بمدي القدرة علي التخلص من الأفكار البالية التي تعوق حركة النهضة والتحديث وملاحقة متطلبات العصر'.