القانون يصنع ثقافة رأيت الدهشة على وجه زميلى اليوم وهو يتحدث معى حول أمر كنا قد قمنا به فى عملنا، وهو إنه جاءتنا تعليمات بتنفيذ أمر معين ، وقد قمنا بهذا ونجحنا وألتزمت به المرضى رغم إنهم مرضى إدمان!! فتخيل من مخدرات كل يوم ، قبل دخولهم المستشفى ، وسلوك غير منضبط ، وعدوانية فى التصرفات ، وعدم التقيد باى قواعد سواء كانت دينية او إجتماعية او قانونية ، فكيف نجحنا ؟ وكيف ألتزمت المرضى ؟ والاجابة هى العنصر الاساسى فى مقالى الذى بين يدى القارئ الان ، إن وضع نظام مُعين او قاعدة مُعينة او قانون مُعين هو أمر سهل ولكن الاهم هو كيف يستمر وتُنفذ تلك القاعده او ذاك النظام ، وهو اولاً: بوضوح النظام او القاعدة والاصرار على تطبيقها وتنفيذها وإيمان القائمين على التنفيذ بأهمية التنفيذ وعدم السماح لاى خرق او إستثناء اثناء التنفيذ . لن أنسى أبداً ذلك اليوم الذى ظللت وغيرى نبحث داخل موقف السيارات عن موضع لنضع فيه السيارة وقد استمر الامر اكثر من نصف ساعه فى الوقت الذى كان هناك 7 أماكن مخصصه للمعوقين كانت خالية ولم يستطع أحد منا أن يفكر مجرد ان يفكر فى وضع سيارته فى تلك الاماكن وذلك لقوة تنفيذ القانون ، والذى خلق مع استمرار قوة تنفيذه خلق ثقافة مُجتمعية بمعنى انه اصبح الناس تحترم مواقف المعوقين ، ويحترمون حارة الطوارئ وغير ذلك من أمور لان استمرار تنفيذ القانون جعل الامر يتحول الى ثقافة مجتمعية يؤمن بها الجميع ومن ثم تحولت الى سلوك عام فى واقع حياتهم اليومية.
 
وربما هذان المثالين جعلونى أتذكر أفضل مثال على هذا وأوضح دليل على أن قوة تنفيذ القانون تستطيع أن تخلق وتصنع ثقافة يؤمن بها الناس وتصبح نهج لهم وهى سنغافورا ، إن تلك الدولة كانت من الدول الفقيرة غير النظيفه واقصد هنا بالفعل اللفظ الذى قلته الان ( غير نظيفه ) والدليل على هذا ما قاله لي كوان يو الأب المؤسس لسنغافورة وأول رئيس للوزراء بعد استقلالها وحصولها على الحكم الذاتي من بريطانيا في عام 1959 حين أنتقد وسخر بعض من المعلقين من هذه القوانين التي يصفونها بالغرابة. ورد لي كوان على هذه الضحكات الساخرة بقوله: "دعهم يضحكون،. لو لم نقم بهذه الجهود لأصبحت شوارعنا قذرة وشخصياتنا وقحة ، تخيلوا لهذه الدرجه كان الوضع مُتدنى ولذلك لم يكن امامه حين تولى الا أن يصدر قوانين صارمة لتجنب رمي القمامة من الشرفات والبصاق في الشارع والتخلص من "اللبانة" بعد مضغها. وحتى عدم شطف مقعد الحمام ، وقام على تنفيذها بمنتهى الحزم ودون إستثناء فهى تطبق على المواطن العادى والمسئول والوافد والسائح تطبق على الكل دون إستثناء ، لدرجة أن سينغافورة تُبلغ القادم الى ارضها وهو على متن الطائرة بضرورة إتباع القانون ، وحين تصل الى المطار ترى لافتات واحدة تلو الاخرى فى كل مكان ، فواحدة تحذرك من من البصق على الارض ، وأخرى تذكرك بأن اللبان ممنوع وهكذا ، لذلك قبل خروجك من المطار تستطيع أن تُكون صورة سريعة عن تلك البلد بأن القانون هو سيد الموقف فيها ، ولذلك تغير الوضع تماماً ، تحولت سنغافورة من جزيرة مليئة بالمستنقعات والبعوض الى ما عليها الان ، ، وولقد اصبحت شوارع سنغافورة لامعة وشديدة النظافة بسبب العقوبات المالية على من يبصق لعابه أو علكته وغير ذلك من أمور ،
ولهذا وصفت تلك القوانين بالغريبة ولكن كان لها تأثيرها السحرى على الحياة فى تلك الجزيرة الى أن اصبح هذا الامر اصيل فى العقلية السنغافوريا وفى ثقافتهم والامر بالطبع لم يتوقف على القوانين فحسب ولكن ايضا روج لي كوان مرارا لما أسماه بـ "القيم الآسيوية" وهي حملة أخلاقية وسلوكية ،والجميع يعرف اين وصلت سنغافورا اليوم . وما أريد أن اقوله : هو أننا اصبحنا فى حاجة مُلحة ليس للقانون فعندنا ترسانة من القوانين ، ولكن نحتاج الى تنفيذ تلك القوانين وتطبيقها على الجميع دون إستثناء ، لقد أصبح لدينا من القبح ما يزيد عن ما كان فى سنغافورا ونحتاج ان نصنع ما صنعته ليتحول هذا القبح الى الجمال ، فلقد اصبح كل شئ مُستباح ، القانون ، الاخلاق ، العادات ، التقاليد ، المُثل ، القيم ، كل شئ دون إستثناء ، والمُحزن أن هناك إعلام حقير وجاهل وسفيه يُشجع على هذا ولا يستنكره ، وبالتالى ليس أمامنا الان أن نحقق الاستقامه بالقانون حتى تصبح الاستقامة ثقافه يؤمن بها الجميع وتترجم الى سلوك على الارض ، رغم إن الاسلام لم يترك شئ الى ووضع له قاعدة ولكن ماذا نفعل إن أصبحنا نعيش فى بلاد - مسلمين بلا إسلام - والى أن نعود مرة أخرى الى مكارم الاخلاق وتعاليم الاسلام فليس أمامنا الا أن نطبق القانون كى تستقيم الامور حفظ الله مصر ...أرضاً وشعباً وجيشه بقلم / عادل عبدالستار .....ممرض بالطب النفسى....2016/5/12