في اليوم العالمي للمرأة ومع اقتراب الاحتفال بعيد الأم تجدد الحديث عن مقترحات بتعديلات علي قانون الأحوال الشخصية.. متضمنة تقنين تعدد الزوجات وسن الزواج وتقاسم الثروة بعد الطلاق.. انطلاقاً من تحقيق العدل والمساواة لكل أفراد الأسرة والحفاظ علي حقوق الأفراد بما لا يخالف الشريعة الإسلامية والدستور ومواثيق حقوق الإنسان عامة والمرأة والطفل خاصة تعديلات مقترحة أثارت حفيظة الشارع المصري وتباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض، خاصة ما يتعلق منها بأحقية المرأة في نصف ثروة الزوج والمسكن بعد الطلاق الذي أصبح في مصر ظاهرة مخيفة إذ تبوأت القاهرة الصدارة بين مختلف العواصم في نسبة الطلاق بمعدل حالة كل 6 دقائق وأصبح لدينا 2&<643;5 مليون مطلقة وفقاً لبيانات مركز الوزراء ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، وكذلك مركز التعبئة العامة والإحصاء.. حول تلك المقترحات ومدي إمكانية تفعيلها كان هذا التحقيق.
رحلات وجولات مكوكية للسيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي بين دول العالم لجذب الاستثمارات لمصر وسياسات جديدة ومحاولات جادة للتنمية.. يري الخبراء والمتخصصون أنها لن تجدي مع تفاقم كارثة الانفجار السكاني وقرب بلوغ المصريين في الداخل والخارج 100 مليون نسمة.. وهو ما سيكون عائقاً أمام أي تنمية إذا علمنا أن النمو السكاني البالغ حالياً نسبته 2&<643;7% يقابله نمو اقتصادي لم يتعد نسبة الـ 4&<643;2%، بينما المرجو والمطلوب وفقاً للمعايير الدولية ألا يقل عن نسبة الـ 9% ولأن تعدد الزيجات وارتفاع معدلات الطلاق في مجملها مع زيادة معدلات الإنجاب يزيد من الانفجار السكاني مع بعض المفاهيم الشرعية الخاطئة.. يجعل تلك المقترحات بتعديلات ولو خلال الـ 10 سنوات القادمة جديرة بالنقاش!
ولأن الطلاق وتعدد الزوجات وسن الزواج.. ظواهر صارت مخيفة في مصر بعد ارتفاع معدلاتها بشكل لافت في السنوات الأخيرة، بالنسبة للطلاق التي بلغت نسبته 180 ألفاً و344 حالة عام 2014 مقابل 162 ألفاً و583 حالة خلال 2013 بزيادة 17 ألفاً و761 حالة بنسبة زيادة 10&<643;9%، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وأصبحت مصر الأولي عالمياً بمعدل فاق الـ 170 ألف حالة معظمها عن طريق قانون الخلع وذلك وفقاً للإحصاءات الدولية بالأمم المتحدة.
وبالنسبة لتعدد الزوجات في القانون المصري والمسموح به لمسلمي مصر علي أساس أن الشريعة الإسلامية تتيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة في حدود 4 زوجات، وبشرط العدل المستطاع بينهن، والقدرة علي القيام بواجبات هذا التعدد، وقد جرت محاولات عديدة لتقييد التعدد بالقضاء، منذ مقترحات عام 1926 بإضافة شرط موافقة القضاء عليه إلي قانون الأحوال الشخصية تأثراً بدعوة أطلقها الشيخ محمد عبده بإشراف الحكومة علي تعدد الزوجات وحتي لا يقوم عليه من ليس له استطاعة وقد رفضت تلك المقترحات من قبل رجال الفقه والدين حتي صدور القانون رقم 25 لسنة 1929 وخلوه من أي تقييد لتعدد الزوجات، ثم تجددت المناقشات وأسفرت عن إصدار القانون رقم 44 لسنة 1979 الخاص بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية الذي ألزم الزوج المسلم بتقديم إقرار موثق بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته اللاتي في عصمته مع قيام الموثق بإخطارهن بهذا الزواج.. كذلك اعتبار الزواج بأخري بغير رضا الأولي أو دون علمها إصراراً بها حتي إن لم تشترط عليه في عقد زواجهما عدم الزواج عليها، وأعطي الزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر خلال عام من تاريخ علمها بالزواج عليها.. إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستوريته في مايو 1985 وذلك لعيوب شكلية وإجرائية حتي صدور القانون 100 لسنة 1985 ليحل محله، الذي أضاف حق الزوجة في طلب الطلاق من زوجها الذي تزوج عليها خلال عام، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة مع تجدد حقها في طلب التطليق، ونفس الحكم للزوجة الجديدة التي لم تعلم بأن زوجها متزوج بسواها.. ظواهر مخيفة قد تتفاقم مع أزمات خريف العمر لمن هم فوق الخمسين من العمر، فنجد أياً من الزوجين، خاصة الزوج قد سئم من حياته الزوجية لسبب أو لآخر أو لطمعه في تجديد شبابه بالزواج من فتاة صغيرة يظل يلهث وراءها ويسعي للنيل منها علي حساب عشرة العمر وأم الأولاد رفيقة الكفاح والنجاح لتجد نفسها في الشارع بلا مأوي وهي من قضت شبابها من أجله ومن أجل أولادهما معاً.. فتصبح بين يوم وليلة بلا مأوي، وهي من تحملت الكثير من أجله، ولذلك كانت محاولات جمعيات المرأة وحقوق الإنسان ومنها المجلس القومي للمرأة ومؤسسة قضايا المرأة المصرية إعدادها لمقترحات بتعديلات علي قانون الأحوال الشخصية يتضمن تقنين تعدد الزوجات وسن الزواج وتقاسم الثروة بعد الطلاق تحقيقاً للعدل والمساواة والحقوق لكل أفراد الأسرة وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية والدستور ومواثيق حقوق الإنسان عامة والمرأة والطفل خاصة!
الشرط نور
نص المقترح بأن يتقدم الزوج الراغب في الزواج من أخري بطلب إلي المحكمة مرفقاً به إقرار مادي وصحي لإثبات أهليته أو استعداده للزواج من أخري، مع الاحتفاظ بحق الزوجة في معرفة القرار وحقها في طلب الطلاق وقتها إن رأت أنها لا ترغب في العيش مع «ضرة» علي أن يكون قرار الطلاق في نفس جلسة منح الزوج الإذن بالزواج من أخري دون الحاجة لرفع قضية طلاق للضرر من قبل الزوجة.. وبالنسبة لسن الزواج لا يجوز لأي من الطرفين إتمام الزواج لدون الـ 18 سنة من العمر والاستثناءات لحالات الضرورة، ولكن لسن الـ 16 عاماً ولا يقل عن ذلك، وبالنسبة للحضانة والرؤية فشدد المقترح علي ضرورة مراعاة مصلحة الطفل قبل أي اعتبار يكون لمن له الحق في الحضانة، كذلك طالب المقترح بتقاسم الثروة بعد الطلاق «تكافل زوجي» وهي المبالغ أو العقارات التي تتكون أثناء قيام العلاقة الزوجية نظير عمل الزوج أو الزوجة، علي أن يستثني من ذلك أي أموال أو عقارات تم تكوينها خارج إطار الزوجية كالميراث مع ضرورة تمتع كل من الزوج والزوجة بذمة مالية مستقلة!
قانون.. ولكن!
المقترحات بتعديلات كمشروع لقانون.. الذي أعدته جمعيات حقوق المرأة في مصر تسلمته وزارة العدل المصرية تمهيداً لطرحه علي البرلمان المصري، يتزايد الجدل حوله وردود الأفعال تجاهه متباينة، خاصة فيما يتعلق باقتسام ثروة الزوجين بينهما إذا حدث الطلاق، وبعد إعلان الدكتورة آمنة نصير أستاذة الشريعة، عضو مجلس النواب بعزمها تقديم اقتراح إلي البرلمان، ذلك المقترح لسن قانون بقضي باقتسام ثروة الزوجين لأنها نتاج جهد مشترك بينه وبين زوجته، ومن العدل أن تقتسمها معه إذا وقع الطلاق.. لنجد أيضاً آراء لنائبات أخريات في البرلمان يرون ضرورة تعديل القانون الحالي لامتلائه بثغرات كثيرة أجحفت حقوق المرأة التي كفلها الدين الإسلامي نفسه ذلك أيضاً وسط مطالبات بتطبيق القانون المغربي للأحوال الشخصية، وبالأخص المادة رقم 49 التي تنص علي اقتسام الزوجة لثروة زوجها عند وقوع الطلاق.
فلسفة المسئولية
وفي معرض ردها علي المشاكل التي تواجهها المرأة شددت نهاد أبوالقمصان، مدير المركز المصري لحقوق المرأة، علي نضال الزوجة في مصر بين المحاكم وفروع القضاء المختلفة حتي تحصل علي جزء من حقها الشرعي ولو كان نفقة أو حتي طلاقاً أجبرت عليه.. فهناك ضرورة وأهمية لأن تبني القوانين علي فلسفة المسئولية المشتركة بين الزوج والزوجة في الحضانة والرعاية والسكن، وتري أنه من العيب أن يظل الرجل للآن المتحكم في العدة والمتعة والطاعة في وقت تعمل فيه السيدة مثل الرجل بل وتشاركه كل شيء حتي في مصروف المنزل، وقد تدفع أكثر منه، إلي جانب ما تتحمله من أعباء أخري أهمها تربية أولادهما، ومن ثم فليس من المقبول استمرار الحديث علي الولاية المطلقة للأب، ولذلك هناك ضرورة لأن يكون الطلاق بأمر محكمة، وكذلك التعدد مما يستلزم أن يتناسب القانون الجديد مع شكل الحياة التي تعيشها المرأة الزوجة وكذلك الرجل الزوج، ولذلك من الضروري استحداث قوانين مبنية علي المحبة وتضمن للزوجة وللأم وللمطلقة حقوقها كاملة وبما لا يخالف الشريعة الإسلامية وليكن حق المطلقة المسنة بعد تربيتها لأولادها ولو لنسبة في ثروة طليقها بعد نهاية العشرة!.. فالمحاكم مليئة بالمسنات اللاتي أصبحن متسولات ومشردات بعد 30 و40 سنة زواج والحجة لم تعد حاضنة مقابل السماح للزوج بتعدد الزوجات بأموال وإمكانيات هي في الأساس كانت المرأة سبباً جوهرياً في تكوينها وثراء هذا الزوج الناكر لها ولما تحملته من صعوبات جعلته وأولاده في مراكز مرموقة وعليا مالياً وأدبياً.
حقوق مهدرة
من جانبها تري الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة والشريعة بجامعة الأزهر، عضو البرلمان عن قائمة في حب مصر، أن المرأة المصرية وبكل أسف لا تزال حقوقها مهضومة والمطلقات علي وجه الخصوص، مما يتطلب ضرورة أن يكون القانون الجديد المقترح للأحوال الشخصية منصفاً للمرأة ومتسقاً أيضاً مع المنهج الإسلامي، خاصة ما يتعلق بمقترح نصف ثروة الزوج للمطلقة وهو ما يحدث بالمملكة المغربية، وهي أيضاً دولة إسلامية تحتكم للشريعة الإسلامية.
ولذلك تقترح الدكتورة آمنة أن يكون هناك تدرج لاقتسام ثروة الزوج للمطلقة بنسب وفقاً لمدة الزواج القائمة بين الزوجين وقت الطلاق.. وليكن نسبة 10% لمن مكثت مع الزوج 10 سنوات، أو بنسبة 25% لمن مكثت مع زوجها 20 سنة، ومن تتعدي الـ 25 سنة تحصل علي نصف راتبه أو ثروته في حالة الطلاق.. وذلك انطلاقاً من ضرورة أن يكون قانون الأحوال الشخصية مشتقاً من العدل الإلهي لحق المرأة، خاصة مع تعرض أسر بالكامل لمحن شديدة بعد موت ضمير الزوج شريك العمر الذي أصبح لا يبالي إلا بنفسه ومتعته الشخصية، وهناك أيضاً من النساء من لا تستحي أن تتزوج رجلاً في سن والدها جاهزاً ولو علي حساب زوجته الأولي.. فنحن نريد العدالة لدور الرجل كرب بيت ولدور المرأة أو المطلقة أو الأم في حياة كريمة حال انهيار الأسرة، مما يستلزم أن تكون قضايا المرأة من أهم القضايا التي يوليها البرلمان اهتماماً، فالمرأة نصف المجتمع، فهي قضايا قد تكون وراء وجود 95% من الأطفال تحت الكباري وأطفال الشوارع مما يستلزم من مجلس النواب خطة حكيمة لتعديل هذه القوانين، خاصة أنها ستحل الكثير من المشكلات المتعلقة بالنفقة والمسكن وتوفر للمرأة حياة كريمة حتي بعد الطلاق.
ضد الشريعة
وعلي النقيض تماماً من رأي الدكتورة آمنة نصير، يري الدكتور أحمد كريمة، تلك التعديلات المقترحة، خاصة ما يتعلق بنصف ثروة الزوج للمطلقة مخالفة للدستور وللشريعة الإسلامية، ولذلك فعلي الدولة والمجتمع الخضوع للشريعة والدين وليس العكس.
أما هبة عبدالفتاح، محامية ومديرة تسويق، فتري في التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية تطبيق عملي للشكل الأمثل للمواطنة، فالزوجة تعمل وتشارك في نفقات الأسرة وفي تكوين مدخرات الأسرة من خلال مدخراتها طوال سنوات الزواج، ولذلك من حقها التمتع ولو بجزء من تلك المدخرات، إذا ما فوجئت بالطلاق، خاصة في خريف العمر والشيخوخة ودون سابق إنذار، أو حتي لسبب أو علة، مما يستلزم أن يضاف لتلك التعديلات ما يشبه بإقرار الذمة المالية لكل المقبلين علي الزواج ليتبين بسهولة ما يزيد على تلك الثروة الموثقة بكل أشكالها بأنه كان نتاج وثمرة جهد كلا الزوجين، ومن ثم تسهيل اقتسامه بالعدل الذي أمرنا به الله في كل تعاملاتنا.
وتري «هبة» ضرورة أن يتم تهيئة وعي المجتمع حول تلك التعديلات المقترحة قبل تطبيقها، ولو مرحلياً وليكن مبدئياً بشكل اختياري علي أن يعقب ذلك تعميم التطبيق وبشكل أوسع علي المجتمع، بحيث يكون القرار النهائي للزوجين، خاصة أنه لا صحة والله أعلم للمشككين في مخالفة هذا القانون للإسلام، لأن عقد الزواج مدني رضائي بطبيعته يعتمد علي الإيجاب والقبول ويسمح للطرفين بتضمينه أي شروط يتفق عليها ما دامت لا تحرم حلالاً أو تحلل حراماً، مما يستدعي الوفاء به لانتفاء شبهة مخالفة الشرع خاصة وتأكيداً لقول رسول الله: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً».
وأخيراً كما تقول المحامية ومديرة التسويق، القانون المقترح يكفل للمرأة حقوقها بعد الطلاق، خاصة لكل امرأة ليس لها أي مورد رزق يمكنها من خلاله أن تنفق علي نفسها وعلي أولادها، وبشكل عام نحن في حاجة ماسة وملحة لإجراءات وقوانين جديدة وجريئة قد تكون عائقاً أمام الزيادة السكانية الرهيبة، التي من أهم أسبابها تعدد الزوجات والإنجاب بكثرة.
عش العصفورة
وفي السياق ذاته تري الدكتورة هدي زكريا، أستاذ علم الاجتماع، ووفقاً لنتائج دراستها العلمية «التكلفة الاجتماعية للطلاق في مصر» أن المال تفوق علي قيمة الإنسان، خاصة في المجتمعات الحديثة، ومن ثم لم يعد هناك مكان لسماع كلمات مثل «نبدأ حياتنا من الصفر» و«عش العصفورة يكفينا» و«نبني بيتنا معاً» و«زوجي أغلي من المال»، وإنما بات الجميع الأهل والفتيات يبحثون عن الزوج الجاهز، ومن المنطلق المادي تحولت قداسة الزواج في مجتمعاتنا إلي مجرد عقد يتفق طرفاه علي الطلاق، وماذا سيحدث بعده بدلاً عن التوافق حول أسلوب الحياة والتفاهم، زاد من ذلك سقوط الطبقة الوسطي التي كان يقوم عليها المجتمع المصري قديماً منذ السبعينيات وما قبلها وكانت سبباً أساسياً في ارتفاع حالات الطلاق، التي أصبحت تهدد التماسك الاجتماعي، خاصة في ظل وجود أطفال وتستوجب مواجهة مجتمعية لأسباب تلك الظاهرة!
حقائق وأرقام
< التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية المصري رقم 25 لسنة 1920 تتضمن قيوداً علي تعدد الزوجات وإلزام الزوج بتوفير مسكن خاص للزوجة التي لم تنجب أو قام زوجها بتطليقها بإرادته المنفردة، في حالة إذا ما استمر الزواج لمدة تتجاوز الـ 15 عاماً فيما فوق.
< القانون رقم 25 لسنة 1920 تعرض لعدة تعديلات كان آخرها في عام 2000 بشأن الخلع ثم التعديلات الخاصة بإنشاء محكمة الأسرة.
< كل 6 دقائق تقع حالة طلاق في مصر بمعدل 2&<643;5 مليون عدد المطلقات طبقاً لبيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء.
< 2&<643;7% معدل النمو السكاني.
< 180 ألفاً و344 حالة طلاق وقعت عام 2014، مقابل 162 ألفاً و583 في 2013 بزيادة 10%.