لا يمكن للاقتصاد أن يغرّد بعيدًا عن السياسة فهما وجهان لعملة واحدة، وحيثما كان الاستقرار السياسي، على الصعيد الداخلي والدولي كان الانتعاش الاقتصادي، والعكس ما سقطت في براثنه المملكة العربية السعودية، التي أوقعت نفسها في طريق موحل، بدأته بالدخول في حرب اليمن، بل وتأبى إلا استكماله باجتياح بري في سوريا، مما بدأ ينعكس على الاقتصاد السعودي بالسلب حيث بدأت قواه تخور، وبخاصة بعد التراجع الشديد في أسعار النفط، وهو ما يتجلى في الطلب الذي تقدمت به مؤسسة النقد العربى السعودي إلى مجموعة من البنوك العالمية لإمدادها بقرض دولى كبير تبلغ قيمته الإجمالية نحو 10 مليارات دولار.
مرة منذ عقود تطلب السعودية اقتراض هذا المبلغ من بنوك عالمية، وذلك بعد العجز الكبير الذي سجلته الموازنة العامة للمملكة، حيث تحصل خزينة المملكة على 73% من مواردها من عائدات النفط، كما سجلت الرياض عجزا قياسيا فى موازنتها العامة بلغ نحو 100 مليار دولار العام الماضى.
وذكر موقع صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، في تقرير له، أن المملكة صدمت الأوساط الاقتصادية بهذا الطلب، والذى سيكون له مردود كبير على الاقتصاد العالمي، معللة الأمر برغبتها فى تخفيف الضغط على السيولة المحلية.
وتعكس تلك الدعوة، مدى الضغوط المتزايدة على المالية العامة فى أكبر بلد مصدر للنفط فى العالم فى أعقاب انهيار أسعار الخام العالمية، ورغم أن المملكة قررت تخفيض الانفاق العام غير أن الأزمة لم تنته، وأعربت عن استعدادها لأول مرة في التاريخ أن تأخذ دينا في السوق الدولية.
فخري الفقي، الخبير الاقتصادي، قال إنها ليست المرة الاولى التي تقترض فيها السعودية، فمنذ ما يزيد عن 6 شهور بعد انخفاض أسعار البترول تقترض المملكة بضمان سندات على الحكومة.
ولفت إلى أن الاحتياطي النقدي السعودي كان يقدر بـ750 مليار دولار في يونيو 2014، ومع انخفاض اسعار البترول اخذت المملكة من الاحتياطي ما يتجاوز 150 مليار دولار، واقترضت حتى الان نحو 30 مليار دولار.
وأضاف أن السعودية اتجهت للاقتراض حتى لا تضغط على الاحتياطي النقدي أكثر من ذلك، وضمانا لعدم انخفاض تصنيفها الائتماني، لأن ذلك هو الأخطر عليها.
وعن تأثير ذلك على المنح التي تقدمها المملكة لمصر، أوضح أن المنح المقدمة لمصر لن تتأثر، فحصلت مصر على نحو 6 مليارات دولار من  12  مليار دولار، وأعلنت سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي، أنها حصلت على تعهد بالحصول على باقي المنحة، مؤكدا أن المملكة مستمرة في دعمها لمصر، ومازال لدى السعودية 600 مليار دولار احتياطي يكفيهم سنوات.
وتوقع أن يتعافي الاقتصاد السعودي مع ارتفاع سعر برميل البترول، ولا يمكن أن يمثل الاقتراض أي خطورة على السعودية، كونها أكبر دولة مصدرة للبترول على مستوى العالم.
وقال تامر ممتاز، الخبير الاقتصادي، إن لجوء السعودية للاقتراض يعنى أنها في الفترة القادمة سيكون لديها زيادة في المصروفات عن الإيرادات، حيث إن دخولها في مشروعات جديدة تحتاج إلى التمويل، ألزمها بالبحث عن مصدر جديد للتمويل.
وأكد أن المملكة لديها القدرة على سداد هذه الأموال، لأنها دولة كبيرة واقتصادها قوي، ولديها الكثير من الموارد التي تدر عليها العملة الأجنبية من الحج والنفط.
وعن الأسباب التي دفعت السعودية للاقتراض، أوضح أن هناك سببين أساسيين يتمثلان في انخفاض سعر البترول، والصراع الدائر حاليا في اليمن، الذي يستنزف طاقة المملكة عسكريًا واقتصاديا.
وأضاف أن معونات السعودية لمصر تختلف عن معوناتها للدول الاخرى، حيث تتخذ المنح المقدمة لها شكل المنحة الاستراتيجية، لوجود مصر كقوة تحفظ توازن القوى في المنطقة، وان لم توجد مصر انتهت المنطقة الى غير عودة، لافتا إلى أنها ليست معونة لدولة ولكن لحفظ استقرار القوة الاقليمية التى تحفظ التوزان السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة.
وأكد أن لجوء السعودية للاقتراض لا يعني انهيار اقتصادها، ولكن هناك مشروعات مطلوبة، والمملكة لديها احتياطي كبير يمكنها من سد ما عليها، كما انها تملك من السياسات ما تحفظ بها قوتها.
وتابع أن الفترة القادمة سوف يسيطر الركود على العالم ككل، وليس فقط على المنطقة العربية، نتيجة للصراعات السياسية وانتفاء التعاون بين الدول العربية، كما أن انخفاض سعر البترول لن يضر السعودية فقط ولكن دول الخليج كافة.
وطالب بالتعاون بين الدول العربية لحفظ الاقتصاديات العربية من الركود والتقلص، متوقعا ألا ينخفض سعر برميل النفط عن ذلك الحد.