كعادته في نهاية كل شهر، طرق علاء باب حارس البناية التي يسكنها، ليدفع إيجار شقته الذي لا يتعدى 230 ديناراً. وبعد تسلمه وصل الدفع، أخطره أبو محمد (الحارس) أن الإيجار سيرتفع بدءاً من الشهر المقبل ليصبح 330 بدلاً من 230 ديناراً.
وقع الخبر كالصاعقة على علاء الذي أكمل عامه الخامس في هذه الشقة. حاول الرجل مراراً الاتصال بالمالك، علّه يتمكن من إقناعه بخفض الزيادة إلى 50 ديناراً فقط، ولكن محاولاته باءت بالفشل.
تبدو الخيارات محدودة للغاية أمام رب الأسرة المؤلفة من 4 أشخاص، في وقت لا يتجاوز راتبه 650 ديناراً فقط، ما يعني أنه ينبغي على علاء أن يدفع نصف راتبه تقريباً للإيجار، متسائلاً، ماذا بقي للفاتورة الشهرية، وقسط السيارة وغيرها من الاحتياجات الضرورية؟! مع الإشارة إلى أن أياً من أولاده لم يدخل المدرسة بعد!
علاء كمئات المستأجرين العالقين في منتصف الطريق، فلا هم قادرون على إيجاد شقة بديلة، ولا هم قادرون على الإيفاء بمتطلبات زيادة الأعوام الخمسة، والتي نص عليها القانون.
فالقانون ينص على رفع الإيجار بعد مضي خمس سنوات على توقيع العقد، ولكنه لم يحدد نسبة هذه الزيادة، وبالتالي فهي لا تخضع لأساسيات معينة.
خبراء عقاريون ومحامون رأوا في تصريحات لـ «الراي» أن زيادة القيمة الإيجارية أصبحت «بالمزاج»، إذ إن القانون لم يحدد ما نسبة الرفع على وجه الدقة، وتركها خاضعة لاجتهادات الملاك.
وفي ظل هذا الواقع، هناك خلافات كثيرة نتيجة «ضبابية» القانون بالنسبة للمستأجرين، ما يدفعهم للجوء إلى القضاء، لاسيما وأن الزيادات التي تفرض عليهم لا قبل لهم بها، في ظل ثبات دخولهم عند مستويات معينة، بينما باتت الإيجارات تلتهم بين 50 إلى 60 في المئة من رواتبهم.
يقول المحامي حسام التنيب، الذي يعكف حاليا على إعداد دراسة خاصة تهدف إلى تعديل وتحديد القيم الإيجارية «النارية»، إن الزيادات الحالية تحكمها معطيات السوق، مؤكداً أن لا معايير واضحة ومحددة تحكم هذه الزيادات.
ويرى التنيب أن «المستفيد من القانون الحالي هو التاجر، وليس المستأجر، ومن مصلحته أن يستمر هذا القانون الذي يتيح له ان يقوم برفع الإيجار بحسب ما يراه مناسباً»، مطالبا بضرورة تعديل القانون الحالي بشكل يضمن حقوق المالك والمستأجر في آن معاً.
وأشار التنيب إلى أن القانون الحالي للإيجارات صدر قبل نحو 40 عاما، معتبراً أنه لا يتماشى مع الظروف الحالية، وان أي طريقة لترقيعه أو إجراء تعديل عليه لا يصب في مصلحة السوق، لافتاً إلى أنه «يحتاج لنسف وإعادة صياغة من جديد».
من جانبه، قال عضو اتحاد المقاصة العقارية السابق عمر الهويدي، إن زيادة القيمة الإيجارية في الوقت الراهن لا تراعي نسبة التضخم الحاصل في الأسعار بالتزامن مع ضعف القدرة الشرائية وتدني الرواتب، لافتا في الوقت نفسه إلى أن نسبة الإشغال العقاري، تلعب دوراً كبيراً في الزيادات غير المنطقية، إذ إن أصحاب العقارات يستغلون الطلب الكبير بما يخدم مصالحهم دون مراعاة قدرات المستأجرين.
وطالب الهويدي بتعديل القانون الحالي، مشدداً «آن الأوان لتعديل القانون قبل ان تتفاقم المشاكل الناجمة عن الزيادات الحاصلة على القيم الإيجارية»، مشيرا إلى أن ظاهرة الارتفاعات الجنونية للقيم الإيجارية ستؤثر في نهاية المطاف بشكل سلبي على سوق العقارات الاستثمارية.
ولفت إلى أن الشريحة الأكبر من المستأجرين لا تتعدى رواتبهم حاجز الـ 600 دينار، وهم يدفعون أكثر من 50 في المئة منها لتغطية تكاليف السكن، مشيرا إلى أن المحاكم تعج بمئات القضايا المتعلقة برفض دفع الزيادات التي يفرضها الملاك على المستأجرين، موضحاً أن البت بالقضية الواحدة قد يستغرق عاماً كاملاً، على أن تنتهي بقرار من اثنين: إما إلزام المستأجر بدفع الزيادة التي فرضها صاحب العقار، وإما إخلاء الشقة خلال فترة زمنية تحدد عند النطق بالحكم.
ودعا الهويدي إلى ضرورة تحديد نسبة الزيادة الإيجارية بعد مرور خمس سنوات على توقيع العقد بشكل واضح وثابت وصريح، بما يتناسب مع مصالح ملاك العقارات من جهة، وقدرة المستأجرين من جهة ثانية، بما لا يخل بمصلحة الطرفين.
وفيما يشير خبراء إلى أن الزيادات في القيم الإيجارية تتراوح بين 70 و100 دينار للشقق المتوسطة، رصد تقرير صادر عن اتحاد العقاريين أخيراً، ارتفاعاً في متوسط الإيجار الشهري إلى 313.2 دينار خلال 2015، مقارنة بـ 264.2 دينار خلال العام 2013، بما زيادة تصل نسبته إلى أكثر من 18 في المئة خلال عامين فقط.