أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن الغزو العراقي للكويت عام 1991 شكّل الضربة الأولى لوحدة الصف العربي، وكان بمثابة ثغرة لاختراق الأمن القومي العربي، موضحاً «أننا ندفع اليوم ثمن ما يعاني منه الوطن العربي من انقسام».

 

وشدد السيسي لدى لقائه وفدا إعلاميا كويتيا ضم رؤساء تحرير الصحف المحلية، على أهمية مساندة الدول العربية التي تمر بأزمات حتى تتمكن من استعادة أمنها واستقرارها، والحفاظ على كياناتها ومؤسساتها الوطنية لتعود مرة أخرى كعضو فاعل بالأسرة العربية. وأشار إلى أن الأمة العربية تستمد قوتها من ترابطها، وأن على الدول العربية أن تمتنع عن الإساءة لبعضها البعض، منوهاً إلى ما تعرضت له مصر عقب ثورة 30 يونيو من اساءات وافتراءات من جانب بعض الدول العربية والاقليمية ووسائلها الإعلامية، وأنها حرصت على التحلي بالمسؤولية وعدم الرد بالمثل لتفادي الخوض في تراشق إعلامي لم يكن سينتج عنه سوى مزيد من الانقسام، مؤكداً أن ما يربط الدول العربية من إسلام وعروبة ومحبة ليس مجرد أقوال، بل يجب ترجمته إلى أفعال.

 

ورحب الرئيس المصري في بداية اللقاء بالوفد الكويتي ووجه التهنئة للكويت بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لاستقلالها، والتي تتزامن مع العيد الخامس والعشرين لتحريرها خلال حرب الخليج الثانية، بالإضافة إلى الذكري العاشرة لتولي سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم. وأعرب عن أطيب تمنياته لسمو الأمير، بكل الرفعة والازدهار والاستقرار لدولة الكويت الشقيقة وشعبها الكريم، مؤكداً على ما يكنه الشعب المصري من مودة وتقدير كبيرين للشعب الكويتي الشقيق.

 

وشدد السيسي على العلاقات القوية والمتينة التي تربط بين مصر والكويت، مشيراً إلى أن مصر لن تتوانى عن الدفاع عن أشقائها في الخليج في حالة تعرضهم لتهديد مباشر. وأكد أن التاريخ سيظل شاهداً على أن مصر تحركت بسرعة عندما واجهت الدول الشقيقة خطراً مباشراً، مؤكداً على أن الجيش المصري هو جيش كل العرب، وأن عبارة «مسافة السكة» تعكس هذا المفهوم. كما أكد أن مصر لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى وأنها تحترم إرادة الشعوب، ولكنها قادرة على صد أي هجوم والرد على أي اعتداء أو تهديد مباشر سواء عليها أو على أشقائها، مستشهداً بموقف مصر إزاء الأحداث في ليبيا، حيث امتنعت مصر عن التدخل في الشأن الليبي أو استغلال الأوضاع الصعبة للشعب الليبي للمساس بمقدراته، وكانت المرة الوحيدة التي قامت فيها مصر بعمل عسكري حين قامت التنظيمات الإرهابية في ليبيا بذبح 21 مصرياً. كما أشار إلى أن مصر تتخذ الإجراءات اللازمة لضمان قدرتها على مواجهة التغيرات والتحديات القائمة بالمنطقة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، مشيراً إلى الخطوات التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية لتحديث وتطوير تسليحها ومعداتها. وفي ما يلي نص اللقاء:

 

● يوجد نحو 50 ألف طالب كويتي في مصر، فما الذي تقوم به الحكومة المصرية لحل مشاكل هؤلاء الطلاب؟

مصر ترحب بكل الطلاب العرب والأجانب، ولا يمكنها السماح بأي اساءات ممنهجة تجاه هؤلاء الطلاب، بل يلاقون كل المحبة والترحيب من جانب الشعب والحكومة المصرية كضيوف كرام، وقد تكون هناك بعض الأحداث الفردية التي يتم التصدي لها بكل حزم. كما أن مصر تستضيف عدداً كبيراً من المواطنين العرب يعيشون جنباً إلى جنب مع أشقائهم المصريين ويحصلون على نفس الخدمات المقدمة للمصريين.

 

● الاقتصاد المصري تتحسن مؤشراته، ولكن الاستثمارات الخليجية والأجنبية لم تتزايد بما يعكس أهمية مراجعة السياسات النقدية وتبني أفكار جديدة. بماذا تنصحون؟

عانت مصر على مدار السنوات القليلة الماضية من تداعيات حدوث ثورتين وما تبع ذلك من تباطؤ في عمل المؤسسات وتدهور حالة بعض المرافق الأساسية مثل الكهرباء والغاز. كما يواصل الإرهاب الغاشم ضرب مرافق الدولة، ولكن الجهود التي تمت خلال الفترة الماضية ساهمت في التغلب على مشكلة انقطاع الكهرباء وتوفير الغاز للمصانع حتى استعادت طاقتها الإنتاجية، كما تتخذ الحكومة التدابير التشريعية والإجرائية اللازمة للارتقاء بالخدمات والمرافق وتوفير الظروف الملائمة لجذب الاستثمارات.

 

مصر حريصة على توفير العديد من المزايا لجذب استثمارات اشقائنا العرب وحثهم على الاستفادة مما تقدمه المشروعات التي يتم تنفيذها في مصر من فرص واعدة.

 

● هل المنطقة مُقبلة على حروب؟

أرجو ألا تكون مقبلة على ذلك. إن الدول العربية عليها أن تقيّم الموقف والخيارات المتاحة، وعليها العمل على توحيد الصف العربي وتعزيز العمل المشترك.

 

● وماذا عن الأزمة السورية؟

الموقف المصري إزاء الأزمة السورية واضح ولم يتغير، ويتمثل في عدم التدخل في الشأن السوري واحترام إرادة الشعب السوري ومكافحة الإرهاب والعناصر المتطرفة، مع العمل على التوصل لحل سياسي للأزمة يحفظ وحدة وسلامة الأراضي السورية ويفسح المجال للبدء في جهود إعادة الإعمار، ويعكس هذا الموقف ثوابت السياسة المصرية الخارجية التي تحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلا في حالة وجود تهديد مباشر لأشقائها، ولعل مشاركة الكويت بقواتها على الجبهتين المصرية والسورية في حرب 1973، ومشاركة مصر بقواتها في حرب الخليج الثانية هي خير دليل على أن الدول لا يجب أن تتحرك لتقديم الدعم العسكري إلا في حالات الخطر المباشر. ولن تتردد مصر في إرسال قواتها إلى دول الخليج الشقيقة، ومن بينها دولة الكويت العزيزة، للدفاع عنها إذا ما تعرضت لأى تهديد مباشر.

 

وإذا حدث تهديد مباشر للكويت فسوف أرسل على الفور قوات مصرية لمشاركة الأشقاء الكويتيين في الدفاع عن وطنهم، ونفس الأمر ينطبق على بقية دول الخليج. إن الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين ليس شأناً قومياً فحسب، ولكنه شأنٌ ديني ووطني وأخلاقي كذلك، فديننا الحنيف لا يقبل ترويع المواطنين.

 

● خطاب البرلمان مثّل التزاماً بخارطة طريق لتحقيق تنمية اقتصادية، فهل توجد خارطة طريق لتنشيط السياحة، خاصةً بعدما قُمنا بزيارة شرم الشيخ واطلعنا على ما تتمتع به مصر من قدرات سياحية ضخمة؟ ولماذا لا تركز مصر على استقطاب السائحين العرب؟

 

إننا نرحب بكل السائحين العرب، خاصةً أن مصر تتميز عن غيرها من المقاصد السياحية الدولية بتقاربٍ ثقافي يربطها بغيرها من الدول العربية، وهو ما يوفر عنصر ارتياح للسائح العربي يشعره بأنه في بلده مقارنةً بالمقاصد السياحية الأخرى.

 

وليس بخافٍ على أحد الأهمية التي يُمثلها قطاع السياحة بالنسبة للاقتصاد المصري، حيث يعمل نحو 5 ملايين مواطن مصري في هذا القطاع الذي حقق عائداً يبلغ نحو 14 مليار دولار سنوياً قبل عام 2011. وتعمل الحكومة بالفعل على تنشيط السياحة، سواء كانت سياحة داخلية أو عربية أو أجنبية، وتحرص مصر على توفير كل السبل الممكنة لتعظيم الاستفادة من موقعها المتميز وما تزخر به من آثار، فضلاً عن مناخها المعتدل، ونرحب في هذا الإطار بكل السائحين العرب لقضاء إجازاتهم في بلدهم الثاني مصر، كما تبنت مصر حملات لتنشيط السياحة العربية إليها.

 

مصر وروسيا

بسؤال الرئيس السيسي عن توجه مصر نحو روسيا، قال إن مصر تربطها بروسيا علاقات قديمة وتاريخية، تتسم بالتميز في العديد من المجالات ومن بينها المجال العسكري. وتنتهج مصر بوجه عام سياسة خارجية متوازنة ومنفتحة على جميع دول العالم تقوم على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة، إذ ترتبط مصر بعلاقات استراتيجية ومستقرة مع الولايات المتحدة، كما ترتبط أيضاً بعلاقات طيبة مع الدول الأوروبية والآسيوية، ومن بينها الصين واليابان.

 

احتياجات الشعب المصري

أكد السيسي أن احتياجات الشعب المصري تتزايد في ضوء بلوغ عدد السكان ما يزيد على 90 مليوناً، منهم 65 مليوناً تحت سن الأربعين، ومن بينهم 30 مليوناً تحت سن 18. وفيما يتعلق باستثمارات الدول العربية قال إنه لا توجد افضال بين الأشقاء، وإنما كل الحب والتقدير والاحترام، وأن مصر لو كان لديها ما يكفي من الإمكانيات لما كانت ستتوانى عن تقديم كل الدعم لأشقائها العرب، ولكنها مرت خلال السنوات الماضية بتجربة قاسية نتج عنها الكثير من المشكلات، إلا أن المصريين أدركوا عقب ثورة 30 يونيو أهمية التفكّر والتدّبر وعدم الانجراف وراء الذين يستخدمون الدين لتحقيق مآربهم السياسية ومصالحهم الضيقة. إن إرادة الشعب المصري استطاعت أن تنقذ مصر من مساعي التيار الذي كان يحاول اختطافها وتغيير هويتها.

 

بشارة للمصريين في الكويت

بسؤاله عما يريد أن يحمل الوفد من بشارة للمصريين في الكويت، قال السيسي: أبشرهم بأن بلدهم سيكون بخير وسلام، وأننا نبذل أقصى ما في وسعنا لتطويره، وتتطلع مصر إلى مساهمة أبنائها في الخارج في دعم مسيرة التنمية والبناء.

 

الدم المصري في الكويت

أشاد رئيس تحرير وكالة الأنباء الكويتية «كونا» سعد علي أحمد محمد بمشاركة القوات المسلحة المصرية في حرب تحرير الكويت عام 1991، وبالدماء المصرية الطاهرة التي سالت على أرض الكويت. وذكر في كلمة أمام الرئيس السيسي أن الشعب الكويتي مؤمن بأن مصر ستبقى «سندنا وعزوتنا» ويثق في صدق مشاعر ومواقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما أن لديه إيماناً راسخاً بالدور القومي الفاعل للقوات المسلحة المصرية على الساحة الإقليمية.