تعتمد الكويت والدول الأخرى الخليجية على الأيدي العاملة الوافدة من أجل تشغيل القطاعات الاقتصادية في البلاد. وبيّن تقرير صدر عن هيئة القوى العاملة في الكويت ان أعداد الأيدي العاملة الوافدة في الدولة بلغت منتصف أيلول (سبتمبر) الجاري ما يزيد قليلاً عن 1.5 مليون عامل وموظف موزعين بين القطاعين الخاص والعام، وأن حصة القطاع الخاص تبلغ 96 في المئة.
وتتوزع الأيدي العاملة الوافدة على القطاعات الاقتصادية على النحو التالي: النقل والتخزين والمواصلات (5.4 في المئة)، والصناعات التحويلية (9.7 في المئة)، والزراعة والصيد (5.1 في المئة)، والكهرباء والغاز والمياه (0.3 في المئة)، والتمويل والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال (42.2 في المئة)، والتشييد والبناء (13.3 في المئة)، ونشاطات أخرى (1.2 في المئة)، والخدمات الاجتماعية والشخصية (15.9 في المئة)، والمناجم والمحاجر (0.9 في المئة).
ويلاحَظ من التوزيع النسبي ان القطاعات الخدمية والتوزيع السلعي تستحوذ على أكثر من 70 في المئة من الأيدي العاملة الوافدة. أما القطاعات الأخرى مثل الزراعة والصيد التي لا تمثل نصيباً مهماً في الناتج المحلي الإجمالي فتوظف حوالى 80 ألف عامل. ويؤكد هذا التوزيع للأيدي العاملة الوافدة التشوه في الحياة الاقتصادية وطغيان قطاع الخدمات والقطاعات التابعة.
وتؤكد البيانات تدني المستويات التعليمية للأيدي العاملة وغياب المهارات المهنية بين الغالبية الطاغية من الأيدي العاملة الوافدة إذ تبين ان من العاملين الوافدين لدى القطاع الخاص ثمة 42.5 في المئة من دون مؤهلات و32.8 في المئة من ذوي المؤهلات الدنيا و18.3 في المئة من أصحاب المؤهلات المتوسطة و6.4 في المئة من أصحاب المؤهلات العليا. ولا بد لهذه الحقائق من ان تفرض على المسؤولين عن التشغيل في الكويت مراجعة أوضاع سوق العمل والبحث عن وسائل وآليات لإصلاحه.
ثم هل تستدعي المتطلبات الاقتصادية وجود هذه الأعداد الكبيرة من الأيدي العاملة الوافدة في وقت يمكن استخدام البدائل التقنية لتسيير أعمال مختلف القطاعات؟ كذلك يثير التوزيع القطاعي تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية لهذه الأيدي العاملة الوافدة إذ تتركز في قطاعات الخدمات الشخصية والتوزيع السلعي وخدمات مؤسسات الفنادق والمطاعم أو الزراعة والصيد.
هذه القطاعات توظف أيدي عاملة أكثر مقارنة بالقطاعات الحيوية والأساسية، فمثلاً، يوظف قطاع المناجم والمحاجر الذي يساهم بـ 49 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، أقل من واحد في المئة من الأيدي العاملة الوافدة في حين يوظف قطاع الزراعة والصيد الذي لا تزيد مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي عن 0.3 في المئة 5.1 في المئة من تلك الأيدي العاملة.
ان طبيعة الاقتصاد الريعية تجعل من هذا التوزيع للأيدي العاملة الوافدة مفهوماً إذ تتزايد المتطلبات الخدمية وتتزايد أعداد المؤسسات التي توظف الأيدي العاملة الوافدة غير المؤهلة والمتدنية المهارات. وثمة أيدٍ عاملة وافدة تقارب أعدادها 600 ألف شخص تعمل في القطاع العائلي أو المنزلي، وذلك يعني ان إجمالي الأيدي العاملة الوافدة في البلاد يصل إلى 2.1 مليون شخص. ويردد مسؤولون في الحكومة طروحاوت مثل أهمية ترشيد استقدام الأيدي العاملة، والتأكيد على أهمية رفع المستويات التعليمية والمهنية لهذه الأيدي العاملة.
والأهم إصلاح سوق العمل لرفع نسبة الأيدي العاملة الوطنية إلى مستويات أفضل فهي لا تمثل حالياً سوى 17 في المئة من إجمالي قوة العمل في الكويت. ومعلوم ان غالبية الكويتيين العاملين يعملون لدى الحكومة ومؤسسات القطاع العام. وتحاول الحكومة ان تحفز الكويتيين للعمل لدى القطاع الخاص، وأوجدت نظاماً لدعم الرواتب وأجور هذه الأيدي العاملة من خلال قانون يفرض ضريبة نسبتها 2.5 في المئة من صافي الأرباح السنوية على الشركات الكويتية المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية. وتعضد الحكومة هذه الحصيلة من أموال الخزينة العامة. ويستفيد أكثر من 50 ألف عامل كويتي في القطاع الخاص من برنامج دعم الأيدي العاملة، وتقوم الحكومة بدفع حوالى 35 مليون دينار (116 مليون دولار) شهرياً لهؤلاء العاملين.
لكن هذه البرامج ومحاولات إصلاح سوق العمل وأنظمتها تفتقر إلى العزيمة والجدية، فثمة العديد من المصالح والمتنفذين ممن يتصدون لأي عملية إصلاح، وفي البلاد كثير من الشركات الوهمية التي تجلب الأيدي العاملة الوافدة من دون مسوغات مشروعة وتتقاضى أتاوات منهم، في التفاف على القوانين المحلية والمعاهدات الدولية. ولذلك المطلوب تطبيق القوانين ووضع حد للتلاعب وحصر الاحتياجات الفعلية للمؤسسات ذات الجدوى الاقتصادية. ولا بد من رفع كفاءة الأعمال وتوظيف التقنيات الحديثة التي تخفض من احتياجات الأيدي العاملة، أو ترفع مستويات الأيدي العاملة المطلوبة تعليمياً أو مهنياً. أما تطوير مساهمة الأيدي العاملة الوطنية فيتطلب الارتقاء بالنظام التعليمي والاهتمام بالتعليم المهني.
هل يمكن ان نتوقع متغيرات على أرض الواقع خلال السنوات المقبلة بعدما تأكد عدم تحقيق أي من الأهداف المرصودة في خطط التنمية السابقة، وآخرها خطة التنمية 2010 - 2014؟ لا إمكانات لتحقيق أهداف التنمية البشرية ما لم تتخَذ قرارات حاسمة لإصلاح النظام التعليمي وتعديل النهج الاقتصادي بما يعزز التوجهات التنموية العصرية ويقلص الاقتصاد الريعي. هل يمكن ان يدفع انخفاض أسعار النفط وتراجع الإيرادات النفطية الحكومة ومجلس الأمة إلى تبني تشريعات تؤدي إلى تعديل السياسات المالية وسياسات التوظيف لدى الحكومة وإجراءات توظيف الأيدي العاملة الوافدة في القطاع الخاص؟ يتطلب تغيير الواقع تبني فلسفة اقتصادية مغايرة بما يعني فرض سياسات قد لا تكون شعبية في بداية الأمر لكنها لا بد من ان تكون مثمرة بعد حين.