لعلّ ثنائية الثواب والعقاب لتعدّ واحدة من أقدم ثيمات التربية وتقنياتها، وهي ذاتها التي يُطلَق عليها في أحيان ثنائية "العصا والجزرة".
ثمة قواعد لا بدّ أن تحتكمي إليها عند تنفيذ العقوبة على وجه التحديد؛ ذلك أن التفريط فيها يجعل الباب مفتوحاً على مصراعيه للسلوكيات التي قد تكون سيئة؛ حيث قال الأسلاف في المثل القديم "من أمِن العقوبة أساء الأدب"، لكن الإفراط فيها واستخدامها من دون حكمة وبتهوّر قد يُفضي لأضرار نفسية وجسدية بالغة.
فيما يلي بعض القواعد التي من شأنها الإجابة عن سؤالك: كيف أعاقب طفلي بالطريقة الصحيحة؟ ومتى يبدأ العقاب؟
- بداية، قد يكون صعباً عليكِ في العامين الأوّلين من عمر الطفل أن تبدأي بتنفيذ العقوبة. لذا، بوسعكِ الاكتفاء فقط بالعبوس أو عدم الردّ عليه حين يحاول مناداتكِ أو برفع نبرة الصوت قليلاً أثناء الحديث؛ ذلك أن مدارك الطفل في هذا العمر قاصرة عن استيعاب فكرة العقاب.
- حاولي أن تنظري مباشرة في عينيّ الطفل حين تتحدثين معه بنبرة قاسية؛ لأجل عقابه، ولعل الطريقة الأمثل لعقابه هي في إبعاده عنكِ والطلب منه الجلوس على مقعده الخاص لمدة من الوقت. كوني حاسمة ولا تنصاعي لضغوطاته المتمثلة بالبكاء أو الصراخ.
- قومي بالشرح والتوضيح: لاحقاً، بعد أن يمضي الطفل نحو أعوامه الثلاثة فما فوق، بوسعكِ الشروع بفكرة العقاب، لكن إياكِ والإقدام عليه من دون توضيح الخطأ الذي حصل والسبب الذي يدفعكِ للعقاب. لا تجعلي الأمر يتفاقم في ذهن طفلكِ، فيشعر كما لو أنه مُعاقَب على شيء لا يفهمه ولا يعلم ماهيّته بالضبط.
- تحلّي بالهدوء وتجنبي الصراخ: إياكِ والصوت المرتفع والصراخ الهستيري، مهما كانت درجة الخطأ. تحلّي بالهدوء بقدر المستطاع؛ أولاً لتقدمي له أنموذجاً عن كيفية معالجة المشاكل، وثانياً كي تكون الأمور واضحة في ذهنه: لقد ارتكبت خطاً وستعاقَب عليه، لكن هذا لا يعني أني أكرهك أو أرغب باضطهادك.
- إياكِ واستخدام الألفاظ النابية أو النعوت القاسية: من قبيل "مجنون" أو "عاهة" أو "غبي" أو "لا تفهم". من شأن كلمات كهذه أن تحطّم ثقة الطفل بنفسه وأن تعوّده على نمط خاطئ في التعاطي مع المشاكل، كما أنها ستشتّت انتباهه عن الخطأ الذي ارتكبه.
- إياكِ ومقارنته بأترابه: من شأن المقارنة تأجيج مشاعر الكراهية والغيرة لدى طفلكِ، كما أنها تربّي لديه عقدة أن الآخرين أفضل منه وأكثر كفاءة وذكاء وحسن تصرّف.
- لا تلجأي للعقاب منذ البداية: إياكِ واتخاذ العقاب خياراً أولياً. الجأي دوماً للتفاهم والإنذار ومن ثم إن وجدتِ هنالك إصراراً على الخطأ، فلا بدّ حينها من العقاب. تأكّدي أيضاً أن الخطأ الذي قام الطفل بارتكابه هو نتيجة معرفة متعمّدة وإصرار أم جهل. إن كان جهلاً، فالترتيب المنطقي يقتضي إفهامه السلوك القويم ومن ثم عقابه في مرات لاحقة إن أصرّ على الخطأ.
- إياكِ والضرب والإيذاء الجسدي: تعدّ هذه الوسيلة واحدة من أكثر الطرق إلحاقاً للضرر النفسي. لا تلجأي لقرص أذنه أو ضرب يديه وقدميه بالمسطرة أو هزّه من كتفه أو صفعه على وجهه. جميع هذه الوسائل لا تجدي نفعاً في التربية، بل تزيد الأمر تعقيداً.
- اختاري العقوبة بالتشاور معه: ليس هنالك أفضل من هكذا منهجية لإشراكه في الأمر وتحميله المسؤولية. خيّريه بين عقوبات عدة من بينها الحرمان من المصروف أو منعه من استقبال أصدقائه في البيت أو حرمانه من الذهاب إلى السينما. اختاري العقوبات التي تعلمين أنها تسبّب له ضيقاً لتعارضها مع متعته وميوله، وفي الوقت ذاته تضمنين أن تكون هذه العقوبات بعيدة عن الإهانة أو الإساءة.
- لاتعاقبيه أمام الآخرين: إياكِ ومعاقبة طفلكِ وتأنيبه أمام الآخرين، بل ثمة من يتحسّسون حتى من إخوتهم حين يصل الأمر للعقاب. لذا، اجعلي الأمر بينكِ وبينه فقط، ومن دون الحديث عن العقاب لاحقاً أمام صديقاتكِ أو العائلة الممتدة.
- لا تكرّري التأنيب: لن يكون جيداً أن تكرّري التأنيب مراراً، كما لو أن العقاب لم يحصل. إياكِ ومراجعة طفلكِ كل حين بالخطأ الذي ارتكبه. العقاب مرة واحدة وكذلك التأنيب. ثم إن الأمر سيصبح اعتيادياً إن أنتِ كرّرت الحديث حوله.