الضجيج يسيطر على جنبات المكان فيزيد الجو ارتباكا، والمتنازعون يتراصون على الكراسى الطولية المنتشرة يمينا ويسارا كالبنيان فى انتظار حسم قضاياهم.
وسط هذا المشهد أخذت "منى" التى تخطو أولى خطواتها فى عامها الثالث بعد العشرين، تتنقل بعباءتها السوداء التى تخفى وراءها جسدا نحيلا بين ساحات وأروقة محكمة الأسرة بزنانيرى، قابضة بيدها المرتعشة على تحاليل طبية وصورتى أشعة، الأولى خاصة بزوجها العاجز جنسيا- حسبما روت- والثانية لصديقه الذى استعان به ليكذب اتهامه بالعجز ويجمل صورته أمام العالمين.
بدت الزوجة العشرينية كالغارقة التى تبحث عن مخرج لأزمتها وإنهاء زيجتها التى لم تدم إلا لشهور قليلة، لتستقر فى النهاية أمام باب زجاجى مكتوب عليه"مكتب المساعدة القانونية".
تقول الزوجة العشرينية فى بداية روايتها لـ"صدى البلد": "حكايتى بدأت باتصال هاتفى تلقيته من أمى بعد مرور ما يقرب من شهرين على زفافى لإبن عمى تسألنى فيه عن حالى، وعما إذا كانت هناك بشائر تشكل جنين فى أحشائى، وأخذت تمطرنى بإرشادات لتسريع مسألة الإنجاب.
تعجبت - والكلام لا يزال للزوجة - مما نطقت به، فلم أمر يوما بما تقوله فى علاقتى مع زوجى، ولقاءاتنا لا تتعدى القبلات والأحضان والممارسة السطحية، وحتى فقدانى لعذريتى كان بعملية جراحية، وعندما أطلعتها على تفاصيل ما يدور بينى وبين زوجى فى الفراش، نصحتنى أن أعرضه على طبيب متخصص.
فى البداية حاولت أن أتجاهل حديثها، لكنه بات يطاردنى مع كل لقاء حميمى، ووجدت نفسى مع مرور الأيام استسلم لكلماتها المشككة فى رجولة زوجى، وأطلب منه أن نذهب لطبيب لنجرى بعض الفحوصات كى نطمئن على قدرتنا على الإنجاب لكنه تهرب وصار يماطل، فأجج بتهربه وخوفه نار الشك فى قلبى".
يزداد صوت الزوجة العشرينية وهناً وهى تواصل حديثها: "لكنى لم استسلم وحاصرته بحيرتى من تصرفاته، وهددته فى إحدى المرات أن أشكوه لأهله، حينها قبل أن يجرى الفحوصات الطبية، وذات يوم فوجئت به يلقى فى وجهى تحاليل وصورة أشعة تحمل اسمه، وتظهر أنه سليم ولا يعانى من أى مرض عضوى يمنعه من أداء واجباته الزوجية أو الإنجاب، واتهمنى بأنى ألقى بأذنى فى حجر والدتى وترك لى البيت، ولا أعلم لماذا لم أصدقه، ربما لأنى لم أعد أثق فى كلامه.
فقد كان دوما يوهمنى بأن لقاءاتنا الحميمية بهذه الصورة هى قمة الإثارة والكمال، مستغلا قلة خبرتى بحكم نشأتى فى عائلة محافظة تحاصر بناتها أينما ولين وتغلق عليهن منافذ المعرفة، ولأقطع أوصال شكى ذهبت برفقة والدتى إلى الطبيب الذى أجرى التحاليل والأشعة لزوجى، وتقصيت منه الأمر، لأتلقى أقسى صدمة فى حياتى، حيث اكتشفت أن تلك الأشعة لا تخص زوجى، وأن شخصا آخر هو من أجراها، وأن وصفه يتطابق مع ملامح صديق زوجى المقرب".
تتثاقل الكلمات على لسان الزوجة العشرينية وهى تنهى روايتها: "تسمرت فى مكانى، وأخذت التساؤلات تعصف بذهنى، أمن المعقول أن يصل خداعه وغشه لهذه الدرجة، لماذا لما يصارحنى منذ البداية بحقيقة عجزه، لماذا لم يعطنى حتى حق الإختيار، ألهذا الحد هو شخص لا يهتم إلا بحاله وبصورته أمام العالمين، وماذا عنى أنا ألم يفكر فى.
وبمجرد أن استجمعت شتات نفسى، هرعت إليه وواجهته بما حدث، فامتقع وجهه وثار، فأدركت أنه يحاول بثورته أن يدارى على رائحة الخوف والإرتباك التى كانت تفوح من ثغره، وتحديته أمام الجميع أن يجريها للمرة الثانية فى حضورى، فلم يجد مفرا سوى الخضوع للتحدى، ليبين الفحص والأشعة هذه المرة أنه عاجز جنسيا، وأن حالته ميئوس منها، ولم يكن من المفروض أن يتزوج.
فطلبت منه تطليقى بشكل ودي منعا للفضيحة، لكنه اشترط تنازلى عن كافة حقوقى المادية، فلجأت إلى محكمة الأسرة كى أخلص من ذلك المخادع، وأحصل على جميع مستحقاتى".