رأى محرر الدفاع في صحيفة “التلغراف” البريطانية كون كوجلين، أن تنظيم داعش يمكن هزيمته لو أن الغرب دعم حلفاءه العرب في الشرق الأوسط.
واستهل مقالا نشرته الصحيفة على موقعها الإلكتروني بالقول إنه لو أن الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تعرضت لها باريس يمكن أن تتمخض عن شيء إيجابي، فهو يتمثل في إجبار قادة العالم على الإقرار بأن التهديد الذي يفرضه تنظيم داعش لم يعد في الإمكان غض الطرف عنه.

وأضاف كوجلين أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عندما وصف الهجمات بأنها “عمل حربي”، فهو إنما كان يعكس وجهة نظر الدواعش منذ إعلانهم عن قيام خلافتهم المزعومة على أنقاض شمال العراق وسوريا حيث أعلنوا عزمهم على “الكفاح الوجودي للقضاء على الكفار الغربيين”.

ونوه أن الغرب انتهج سياسة النأي بالنفس عن الانخراط في تدخل عسكري جديد يكون باهظ التكاليف، طالما كانت أنشطة الدواعش الدامية محصورة في الشرق الأوسط، على أن تتولى ميليشيات محلية موالية للغرب أمثال الأكراد وغيرهم من العناصر المسلحة المعتدلة مهمة التصدي للدواعش على الأرض، بينما يقتصر دور الائتلاف الدولي ذو القيادة الأمريكية على شن غارات جوية.

وتابع كوجلين أن هذه الاستراتيجية كان لها وجاهتها لو أن الدواعش بالفعل حصروا أنشطتهم على نطاق خلافتهم المزعومة، لكن هؤلاء منذ نشأتهم أعلنت قياداتهم بوضوح أن طموحهم يقبع بعيدا وراء شواطئ العرب .. إنهم يستهدفون نشر أفكارهم المتطرفة عبر أرجاء الكرة الأرضية، مع التركيز على أوروبا التي يطلقون عليها اسم “الروم” التي كانت قوة عظمى تغيب شمسها إبان بزوغ فجر الخلافة الإسلامية الحقيقية.

وعليه، فإن الآلاف من المسلحين الأجانب ممن هاجروا للالتحاق بصفوف داعش في السنوات الأخيرة لم يفعلوا ذلك للاكتفاء بالقتال في ساحة المعركة؛ إنما للخضوع لتدريب مكثف على أن يعودوا إلى أوطانهم ويخوضوا حربا مقدسة في شوارعها.. والآن بدأت تلك الاستراتيجية تؤتي ثمارها على نحو لم يعد معه في وسع القوى الكبرى أن تستمر في غض الطرف عن هؤلاء الدواعش.

ورأى كوجلين أن هذا التغير في النهج بدا واضحا في قمة العشرين بـتركيا عندما وضع كل من ديفيد كاميرون وباراك أوباما خلافاتهما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جانبا فيما يتعلق بتدخل الأخير في أوكرانيا مناقشين بدلا من ذلك فكرة القيام بجهد ملموس للقضاء على داعش .. حتى أن بوتين أصدر أوامره للجيش الروسي بدعم القوة البحرية الفرنسية المرسلة إلى سوريا.

واستدرك الكاتب قائلا “لكن مجرد قيام قادة العالم بالبدء مؤخرا في النقاش حول اتخاذ موقف موحد ضد داعش - لا يعني أنهم تمكنوا بالفعل من وضع استراتيجية متناغمة وفعالة لإنهاء الصراع”.

ولكن بالنظر إلى الأمر فإن العراقيل أمام صياغة خطة عمل حقيقية تبدو أكثر من العوامل المساعدة؛ من ذلك على سبيل المثال إصرار روسيا، جنبا إلى جنب مع حليفتها إيران، على بقاء نظام بشار الأسد قائما في دمشق على نحو يتعذر عليهما معه الاتفاق مع الحلفاء الغربيين الذين من بينهم من يرى التخلص من الأسد شرطا لا يمكن المساومة عليه للمشاركة في التحالف.

وأكد كوجلين أن أمثال تلك وغيرها من الكثير من المسائل التي تعترض طريق تشكيل ائتلاف فعّال مناهض لداعش - يمكن تخطيها لو أن قادة العالم استدعوا الإرادة السياسية اللازمة لتنحية خلافاتهم جانبا: على سبيل المثال، يمكن أن يتفق هؤلاء على ترْك الأسد في السلطة مؤقتا ريثما يتم التعامل مع الدواعش.

ورأى صاحب المقال أن “ثمة أمر آخر على نفس القدر من الأهمية وهو الحاجة إلى صياغة استراتيجية عسكرية مناسبة من جانب الدول الداعمة للقيام بجهد عسكري جديد مناوئ لداعش.. لقد انقضى اكثر من عام على غارات التحالف القاصفة لمواقع داعش، وثمة إقرار عام الآن على أن التنظيم الإرهابي لن ينهزم عبر الجو فقط”.

وحتى كاميرون، الذي لا يزال يأمل في الفوز بموافقة مجلس العموم على السماح لسلاح الجو الملكي البريطاني بمّد عمليات قصْفه من العراق إلى الجوار السوري - بالرغم من هذا فإن كاميرون بات يقرّ بمحدودية آثار الغارات الجوية.

وشدد كوجلين على “أهمية وجود قوات برية ذات مواصفات خاصة لطرد الدواعش من معاقل لهم أمثال الرقة في شمال سوريا.. وفي ظل ظهور شيء من الإقبال على وجود قوات برية غربية على الأرض، فسيكون ثمة احتياج للتنسيق مع ميليشيات موالية للغرب أمثال الأكراد وغيرها من جماعات المعارضة السورية المعتدلة”.

ونبه الكاتب على أهمية التفكير الجاد في مرحلة ما بعد هزيمة داعش، ورأى كوغلين أن الدرس الرئيسي من حرب العراق هو إيلاء التخطيط لما بعد الحرب نفس القدر من الأهمية المولاة للتخطيط للحرب نفسها.

واختتم كوجلين قائلا “فيما يتعلق بتشكيل ائتلاف مناهض لداعش، فإن حرب العراق الأولى يمكن أن تعتبر سابقة مفيدة؛ حيث ألقت الأمم خلافاتها جانبا لهزيمة صدام .. ربما تستطيع تلك الأمم الآن عمل الشيء نفسه لهزيمة داعش”.