يبدو رمضان في ثلثه الأخير واعداً باستمرار الحرص والتحوط الأمني، فيما بدا أن جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق التي حدثت في جمعة التاسع من الشهر لا تزال تلقي بظلال واضحة على الشارع العام. وبعدما أسفرت حركة وزارة الداخلية عن تفكيك سريع للخلية المنفذة، بقيت العين الأمنية ساهرةً على الليل الرمضاني، وفي ساعات النهار، راقب الأمنيون فصول حركة المشتبه بهم، لتتوالى أخبار المقبوض عليهم بالاعتراف، أو النفي.
وعلى الرغم من الاستحسان الشعبي لأداء وزارة الداخلية، الذي عبرت عنه الأوساط الاجتماعية في البلاد من مجالس وديوانيات، إلا أن سؤالاً على قاعدة المشروعية القانونية والسلم الاجتماعي تثيره الأوساط ذاتها، بعد إشراك قطاع من المتطوعين من خارج الجهات الرسمية لتفتيش وحماية المصلين.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فتحت الباب لمشاركة الأفراد «ليكون لهم إسهام في ضبط أمن المصلين والإبلاغ عن أي ظواهر غريبة يرونها في المسجد بالتنسيق مع الجهات الأمنية» كما قال وزير العدل وزير الأوقاف في أعقاب وقوع جريمة مسجد الإمام الصادق.
وعقب التصريح الحكومي بدت مشاركة المواطنين والمقيمين لحماية المساجد في ازدياد، ليأتي الحديث أخيراً بعد استمرار الحالة، عن الخوف من «انفلات أمني» يهدد السلم والوئام الاجتماعي، الذي أرادته الجهات الحكومية ابتداء، عندما شرعت في التعاون مع أفراد، عملاً بشعار «كل مواطن خفير» بحسب تصريح الوزير يعقوب الصانع.
وكالمستجير من النار بالرمضاء...هذه المرة، كان لسان حال البعض متسائلين حول استمرار هذه المشاركة لأعداد من الناس تطوعاً في تفتيش المقبلين على الصلاة في المساجد، وذلك رغم الترحيب بمبدأ «المشاركة»، وتقدير«الحماية الذاتية في إطار المجتمع المحلي» إلا أنه «لا يجوز في نظر الكثيرين إغفال احتمالات أخرى يثيرها منح أفراد بلا صفة أمنية صلاحية مباشرة الشأن الأمني».
المخاوف الأمنية المثارة اليوم نقلناها إلى مصادر في وزارة الداخلية، أكدت لنا أن «مخاطبة» الأطراف المدنية لإشراك المجتمع في حماية المساجد سبقت حادثة مسجد الإمام الصادق، «فهي ليست مرتبطة بها»، وتمت قبل بداية شهر رمضان من خلال مخاطبات مع المجتمعات المحلية، شملت طوائف وديانات عدة موجودة في الكويت، وأضافت أن ذلك كان تعميقاً لمبدأ التعاون والمشاركة الاجتماعية، ولكن الحادثة الأليمة التي أودت بحياة مواطنين ومقيمين وجرحت العشرات منهم عززت ذلك الاتجاه لدى وزارة الداخلية. وطمأنت المصادر الى أن الوزارة تشرف رسمياً على عمل المتطوعين وأن لا شيء يخرج عن نطاق المراقبة الرسمية.
لكن الخوف من خروج السلطات الممنوحة لوحدات شعبية عن نطاق سيطرة الدولة يبرزه حالٌ شعبي آخر يعتبر أن سلام المجتمع ومستقبله يقتضي بقاء القوة بيد القانون حصراً «كي لا تضيع القدرة على المحاسبة»، في حين يرى البعض بأن الجهد المدني يبقى عين المواطن خفيرةً على السلامة العامة، كما حدث في حادثة تفجير مسجد حي العنود في الدمام بالمملكة العربية السعودية، عندما حمى شباب من المتطوعين جموع المصلين.
بينما تراقب وزارة الداخلية كل شاردة حول المساجد، والحسينيات، ترد الفكرةُ بغلق كل باب للقلق الأمني والخلاف المجتمعي على بال المواطن، الراصد بدوره لكل ما قد يعكر الصفو الاجتماعي العام. ومن خلال عينه الخفيرةعلى القلب الواحد والصف الواحد في الكويت الواحدة، يطبق المواطن شعارات رفعتها جمعيات المجتمع المدني في مسيراتها التضامنية الأخيرة دعماً لوحدة المجتمع بعد الحادث الآثم.