خضرة بعثت روحها في أكبر ميادين القاهرة، منذ إنشائه في عهد الخديوي إسماعيل الذي سعى أن تكون القاهرة باريس ثانية، وعلى غرار الشانزلزيه كان ميدان "الإسماعيلية" الذي تحول بعد ثورة 1919 لميدان "التحرير"، على مر عشرات السنوات تغيرت معالم الميدان، ولم يتبق منه سوى صور تخلد ملامحه الأولى.

سور، على مدار السنوات الماضية، أحاط بأحد مساحات الميدان الخضراء، جعل معالمها مبهمة للبعض، وتساءل آخرون عن السبب.. "جراج التحرير" تلك المساحة التي تغطت ملامحها بوشاح من الصاج، نسي الجميع شكله وظل مترسخا في الأذهان بتطويره الذي لا ينتهي.

لم يكن لجراج التحرير وجود عند إنشاء الميدان، بل كان مجرد حديقة خضراء تزينه، كمساحة الصينية التي تتوسط الميدان، ومع مرور السنوات تحول جزء من حلم الخديو إسماعيل في "الشانزلزيه" إلى "موقف"، ففي عهد السادات استوطنت الأتوبيسات تلك الحديقة بعد أن تحولت لموقف لها، خلفيته المتحف المصري الذي يخبأ في جعبته تحولات الميدان وحدائقه بهذه الصورة.

وربما وجدت وسائل النقل في تلك الرقعة راحة لها، فتحولت إلى "جراج" حتى يومنا هذا، تفصل قلب الميدان عن المتحف بعدة طرق تتخللها سيارات لا تهدأ على مدار اليوم، رقم لا بأس به من السنوات حتى انتزع "التطوير" البساط من تحت أقدام السيارات، ليطوق الجراج بذراعه لسنوات لا بأس بها.

رؤساء عزلوا وخلعوا وانتخبوا وحكموا، ومازال السور يطبق مكانه على جراج التحرير، ثورة احتضنت ملايين الأشخاص في ميدان التحرير، وما زال الجراج مغلقا تحت بند تطويره، اشتباكات ومشادات ومطاردات شهدتها المساحة المحيطة بالجراج، فهي جزأ لا يتجزأ منه، بل شهدت أسواره التي تحميه عن الجميع هتافات وشعارات سجلها الثائرون الذي كثيرا ما طافوا حوله فارين أو مختبئين أو محتمين به، لم تهدأ الدنيا بقلب الميدان من حوله، إصابات وأموات وأدخنة وطلقات، لم يطل الجراج منها سوى إزعاج سكونه، فربما لو كان متاحا لحملت أرضه أقدام مئات الآلاف كنسيج من الميدان.

انحصرت أخبار جراج التحرير مؤخرا عن قرب افتتاحه، فبعد الإعلان عن افتتاحه في يوليو الماضي، أجل محافظ القاهرة الدكتور جلال مصطفى سعيد، افتتاح "المشروع الضخم" كما وصفه، ليتزامن مع احتفالات أكتوبر، فعلى مساحة 20 ألف متر مربع سيتحول الجراج إلى "متعدد الطوابق"، يتسع لـ 1700 سيارة و24 أتوبيسا سياحيا، ينتظر الجميع ذلك الحدث بعد سنوات قد شب خلالها طفل صغير، ليجد الجراج يخرج للنور من جديد بعد إحاطته وتكبيله زمنا.