شهر رمضان الفضيل ينفرد بنكهة خاصة تختلف عن نكهة سائر الشهور بسبب ما يحمله من نفحات الهية وعبق الروح الايمانية التي تضفي أجواء من المودة والرحمة والمحبة بين الناس. لاشك في أنها فرصة ذهبية يمنحها الله لنا في هذا الشهر المبارك لكي نستثمر عطاياه الربانية. فمن المفترض أن تتهيأ القلوب للتقرب إلى الله من خلال التحليق في آفاق القرآن، والتدبر في آياته، والتأمل في حكمه، والتعانق مع الأجواء القدسية للدعاء والتضرع للباري عزّ وجلّ، لكي تنعكس على علاقاتنا الحياتية وفق المنطلقات والرؤية القرآنية والربانية مما يحقق لنا السعادة والاستقرار في دنيانا قبل آخرتنا. ومن زاوية أخرى، فإن هذا الشهر الفضيل يمثل الوعاء الروحي لتهيئة النفوس من اجل العروج إلى السماء والتحليق إلى الله عبر الصلاة والتضرع ومناجاة الباري عز وجل لكي نطهر ما تكلس على أرواحنا من شوائب الذنوب والمعاصي لله وخلقه خلال سنة من مقارعة الحياة. إن شهر رمضان بما يحمل من معاني الطهارة والعروج إلى قيم السماء، يمثل دورة تربوية للإنسان لمعالجة ذنوبه ومعاصيه التي تراكمت على قلبه. وما عاناه من سقوط أخلاقي بسبب البيئة الفاسدة المحيطة بنا.. مثل برامج الأقمار الصناعية والانترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة التي تشكل تهديدا حقيقيا لقيمنا الإسلامية وأخلاقنا الاجتماعية، ومما يؤسف له أن هذا الشهر الفضيل بات يتعرض للإفراغ الروحي واللهو الساقط والبرامج الهابطة التي تعمل على تجريده من مضمونه الروحي والمعنوي، حتى أصبح البعض يعمل على تحويل أجوائه الروحية إلى مناسبة اجتماعية فارغة من أي مضمون قيمي..كما فعل العلمانيون في أوروبا بعيد ميلاد سيدنا المسيح، عليه السلام، (الكريسمس) إذ تحولت هذه المناسبة الدينية إلى فسق وفجور وسكر وعربدة. إن الضربة القاصمة التي تنال من هويتنا وشخصيتنا العربية والإسلامية تكمن في السقوط الأخلاقي خاصة في هذا الشهر المبارك الذي من المفترض أن يكون حصنا منيعا أمام الابتذال, والتهديد الحقيقي يبدأ من إسقاط الأسرة. فإذا تفككت وأصيبت بمرض الإيدز الأخلاقي فعلى المجتمع السلام. وإذا كنا نبحث عن إعادة الكرامة العربية والإسلامية ونطمح لمستقبل واعد وناهض، فإن ذلك يبدأ من تحصين الأسرة من السقوط الأخلاقي والمجون والانجرار نحو الابتذال الذي يغزونا في عقر دارنا سواء عبر التلفاز أو من خلال الانترنت أو الهواتف النقالة، التي أصبحت اليوم تشكل تهديدا خطيرا لأخلاقيات شبابنا. فما دمنا على مشارف هذا الشهر الفضيل، فلنبدأ منه بمسيرة الإصلاح والتربية لمجتمعنا من خلال استثمار فضائله في غرس مبادئ الفضيلة والأخلاق الحميدة في نفوس أجيالنا القادمة حتى لا ننجرف من حيث نعلم أو لا نعلم إلى هاوية الخواء والرذيلة والسقوط الشامل.