للسعادة ثمن في الحياة، وثمن السعادة في بعض الدول يقيم بما يمتلكه شعوبها بالمال، وفي بعض المجتمعات الأخرى قد لا تجد للسعادة مقابلا... أما في الكويت كما في دول خليجية وعربية أخرى فقد يضطر المرء فيها لإنفاق أموال كثيرة كي يكون سعيدا لكن ليس هذا فقط ما يجعل الكويتيين من اسعد الشعوب في العالم. ففي العادة ينفق المواطن الكويتي العادي حسب تقديرات تصنيف «بلومبيرغ» لأسعار السعادة في 23 بلدا نحو 15 في المئة او ما يعادل سدس دخله السنوي على أنشطة ومصروفات مرتبطة بسعادته الشخصية مثل الانفاق على وسائل الترفيه والسفر والتسوق وغيرها. وإذا كان متوسط دخل المواطن الكويتي سنويا قدر من 12 الفا الى 15 الف دينار حسب أرقام مختلفة صادرة من صندوق النقد الدولي ومؤسسات اقتصادية عالمية مثل «بلومبيرغ» وقاعدة بيانات اقتصاديات العالم «quandl» فهذا يعني أن المواطن الكويتي ينفق 1641 دينارا أي ما يعادل 5800 دولار أميركي ليكون سعيدا! لكنه على الرغم من انفاقه هذا المبلغ على أشياء يرى أنها تحقق له السعادة إلا أن «بلومبيرغ» صنفت الكويتيين في مراتب متأخرة في مقياس السعادة، حيث أتت الكويت في المرتبة الـ17 وجاءت الأسعار بالدولار. واعتبرت الكويت في مراتب متأخرة لتصنيف «بلومبيرغ» حيث ان المواطن الكويتي حسب هذا التصنيف ينفق سدس راتبه ليكون سعيدا لكن هناك من يصرف أقل منه وصنفته «بلومبيرغ» على رأس قائمة الـ 23 بلدا عربيا وعالميا من ضمن أقوى اقتصادات العالم.

وكانت المفاجأة في تصنيف «بلومبيرغ» حين كشف أن الاسرائيليين الأكثر سعادة من غيرهم، على الرغم من أنهم ينفقون اقل من غيرهم على سعادتهم، وفي المرتبة الثانية أتى الفنلديون، والدنمركيون في المتربة الثالثة، والكورويون الجنوبيون في المرتبة الرابعة فالفرنسيون في المرتبة الخامسة كأسعد الشعوب حسب الانفاق على سعادتهم.

وعلى الرغم من أن معدلات الانفاق العالية على انشطة مرتبطة بالسعادة في الدول التي يكسب فيها مواطنوها مداخيل ضخمة الا ان الكويتيين والقطريين صنفوا في المراتب المتأخرة لمقياس «بلومبيرغ» للسعادة، حيث يوجد القطريون في آخر التصنيف لأسعد الشعوب حسب انفاقهم على السعادة وذلك على الرغم من معدل إنفاقهم العالي، ويعتمد تصنيف «بلومبيرغ» على ترتيب الدول التي يكون فيها شعبها سعيدا بمعدل انفاق أقل على السعادة»... اي تحقيق السعادة باقل قدر ممكن من الانفاق.

مقياس السعادة أعدته وكالة «بلومبيرغ» معتمدة على إحصائيات حول مستويات المعيشة التي نشرها البنك الدولي للفترة من 2010-2012، وذلك من خلال احتساب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة، والنتيجة أظهرت سعر السعادة لكل مواطن في كل بلد، وتم قياس أعلى سعر «للسعادة» في قطر الذي بلغ نحو 14609 دولارات، وحلت لوكسمبورغ في المركز الثاني بنحو 11 الف دولار، وفي المرتبتين الثالثة والرابعة جاءت كل من سنغافورة والولايات المتحدة الأميركية بنحو 9245 دولارا و7051 دولارا كسعر للسعادة. وعلى ثلاث وعشرين دولة تم استنتاج أن أرخص سعر للسعادة كان من نصيب إسرائيل بنحو 4500 دولار كمتوسط سعر السعادة للفرد الواحد سنويا.

دراسات اجتماعية كانت قد بحثت في مسألة قياس السعادة وفق معايير أخرى مثل مدى انتشار معدل الاكتئاب في المجتمع عارضت نتائج تصنيف «بلومبيرغ»، حيث أظهرت تلك الدراسات ان الكويتيين يجدر ان يكونوا في المراتب الأولى لأسعد الشعوب في العالم مقارنة مع الدول التي صنفتها أخيرا «بلومبيرغ» حسب مقياس السعادة.

فحسب مقياس انتشار الاكتئاب في المجتمعات الذي يعكس حقيقة سعادة الشعوب من عدمها فإن نسبة المكتئبين من الكويتيين على سبيل المثال لا تزال محدودة مقارنة بالمصنفين وفق «بلومبيرغ» كأكثر الشعوب سعادة، اذن فكيف يحل الاسرائيليون كأسعد الشعوب فيما يصيب الاكتئاب أكثر من 10 في المئة من المجتمع الاسرائيلي؟، وبمعنى أخر كيف يكون الفرد سعيدا ومكتئبا في الوقت ذاته؟

اما نسبة انتشار الاكتئاب في الكويت وفق أحدث الاحصائيات الرسمية التي نشرها موقع «فرانس 24» فناهزت نحو 5 في المئة من سكان الكويت فقط فيما ارتفعت نسبة الاكتئاب في فرنسا بنحو 21 في المئة حسب احصائيات دراسة متخصصة على النشرية المفتوحة للطب على موقع «لايف ساينس»، (في الوقت الذي صنف فيه «بلومبرغ» الفرنسيين كخامس اسعد الشعوب في العالم فيما صنف الكويتيون في المرتبة 17 والقطريون في المرتبة 23).

ويظهر التعارض في النتائج بين تقييم السعادة وفق مقياسي «بلومبيرغ» وعلم الاجتماع أن الكويتيين على سبيل المثال يعتبرون الأسعد من بين شعوب متقدمة مثل الفرنسيين والأميركيين والاسرائيليين حيث ان نسبة قليلة من سكان الكويت فقط يعيشون الاكتئاب والباقي يصنفون انهم سعداء.

وفي مجال التخصص جاء تصريح سابق لاستشاري الطب النفسي ورئيس وحدة الطب الشرعي في مركز الكويت للصحة النفسية عبدالله الحمادي والذي نقله عنه موقع «فرانس 24» مقلقا حيث أظهر أن «أرقام الاكتئاب في الكويت اصبحت تشكل نسبة عالية مقارنة بدول أخرى».

المؤشرات التي نشرتها «بلومبيرغ» أخيرا حول قياس السعادة بالدولار تشير الى ان مواطني الدول الغنية -الأكثر دخلا- ليسوا في الحقيقة هم الأكثر سعادة دائما من غيرهم وذلك باحتساب قدرتهم على الانفاق وحجم مداخيلهم الشهرية، لكن في المقابل كشفت دراسات أخرى ان قياس السعادة على أساس نصيب الفرد من الثروة الوطنية ليس صحيحا مئة في المئة، لأن ذلك قد يعطي مفهوما خاطئا بأن السعادة تساوي المال فقط.

جاء ذلك في وقت رفضت فيه بعض التحليلات الاجتماعية تأكيد قياس السعادة بالمال، مؤكدة تلك التحليلات بأن هناك دولا أخرى في مناطق عربية وغير عربية من العالم مداخيل مواطنيها أقل بكثير من الدول الغنية، لكنهم في المقابل كانوا أكثر سعادة من الذين يكسبون وينفقون أموالا طائلة. ما يعني أن السعادة -حسب هذه الدراسات- تقيم بمدى معرفة ثقافة وفن التواصل مع الحياة ومع الآخر، وتشدد على أنه في حال ارتبطت السعادة بالمال فقد تكون السعادة حسية وليست معنوية.

على موقع الفرحة في هذا العالم «هابينس ان ذيس ورلد» تم نشر الكثير من الدراسات حول أفضل السبل لطريق السعادة. بعض الدراسات على الموقع ذكرت ان «السعادة المثلى لا يجب ان ترتبط بالانفاق أو المال ولكنها حالة نفسية ترتبط اكثر بفنون التواصل مع الآخر والحياة». ولذلك تضيف هذه الدراسات أن «تقييم السعادة من خلال مستوى الانفاق على أنشطة ترفيهية على سبيل المثال كالسفر والحفلات والتسوق والترفيه وغيرها ليس بالضرورة مصدر سعادة دائم».

ووفقا لدراسات هذا الموقع «اثبتت بعض الحالات ان الاكتئاب قد يصيب اكثر الناس ترفيها وسفرا لأن الانسان لا تستقر نفسه بأنشطة وقتية ولكن راحة باله مرتبطة اكثر بصفاء ذهنه ونفسه ومصالحة كاملة مع شخصيته».

وذكرت أيضا «أن أفضل السبل للسعادة من دون انفاق كبير هي الصراحة مع النفس ومع الآخرين وتعلم طرق جديدة للتواصل مع الناس مثل تقبل الآخر كما هو، وحسن الاستماع اليه وتربية النفس على الرضا بما هو موجود والعمل على تحسينه والنسيان والعفو والسماحة الى ذلك يمكن بأنشطة يومية بسيطة مثل المشي في الصباح والرقص والرياضة وتغيير الأماكن وممارسة التأمل والسباحة واستماع الموسيقى الهادئة كلها ممارسات قد تجعل الانسان سعيدا من دون أن ينفق مبالغ طائلة».

يذكر انه ليس كل من يملك سعيدا، فالسعادة ثقافة وسلوك نفسي واجتماعي. وأكثر دليل على خطأ قياس فرحة الشعوب بسعر السعادة وحجم مداخيلهم وانفاقهم هو ارتفاع معدلات الانتحار بسبب الاكتئاب في الدول الغنية التي يكون فيها سعر السعادة مرتفعا أكثر من الفقيرة التي لا يجد بعض مواطنيها رغيف خبز، حيث أظهرت آخر احصائيات متاحة عن معدلات الانتحار بسبب الاكتئاب حسب منظمة الصحة العالمية أن «المنتحرين في الدول الفقيرة هم أقل من المنتحرين في الدول الغنية».

وبالاضافة الى مؤشر الانتحار هناك مؤشر الاكتئاب الذي الى اليوم لا يوجد مقياس لتحديده. الا ان بعض الدراسات الاجتماعية لبعض منظمات المجتمع المدني في العالم والدول العربية اظهرت ان «الاكتئاب ينتشر اكثر بين الأغنياء من الفقراء».

وينتشر الاكتئاب في البلدان ذات الدخل المرتفع أكثر من الدول الفقيرة. فوفق آخر ابحاث جديدة عن معدلات الاكتئاب في 18 بلدا في جميع أنحاء العالم، نشرت في 2011 في النشرية المفتوحة للطب على موقع «لايف ساينس» فإن «الاكتئاب ينتشر بشكل أوسع في 10 بلدان ذات الدخل المرتفع من بين 18 بلدا ووصل متوسط اكتئاب هذه المجتمعات الغنية الى نحو 14.6 في المئة. اما في الثماني دول المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن انتشار الاكتئاب في مجتمعاتها بلغ نحو 11.1 في المئة».

وقد ارتبط الاكتئاب بعوامل اجتماعية وفق هذه الأبحاث مثل العمر والحالة الاجتماعية والدخل. وعلى الرغم أحيانا من الطرق المعقدة لقياس الاكتئاب الا انه من الواضح ان مواطني البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل يتعرضون قبل غيرهم لأول نوبة اكتئاب في متوسط 24 عاما، اما في البلدان ذات الدخل المرتفع، فإن بداية الاحساس بالاكتئاب يرجح أن يكون في سن 26».

وحسب الأبحاث فان «الدول الأكثر ثراء يكون فيها نسق الحياة أسرع ومتطلبات العيش اكثر وتكون فيه الكماليات ضرورية احيانا كما ان في هذه الدول يكون فيها عدم المساواة في الدخل. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الاكتئاب مرض الأثرياء، وهي ظاهرة ليست مفهومة تماما، كما يقول الباحثون ولا يتدخل المال في حلها احيانا. ومعرفة أسباب الاكتئاب في جميع أنحاء العالم تساعد المبادرات الرامية إلى مكافحة مشكلة الصحة العقلية، والتي تم ربطها إلى مرض الزهايمر. في الحالات الشديدة، يمكن أن تنتهي إلى الانتحار والاكتئاب، الأمر الذي يؤدي إلى وفاة نحو 850.000 نسمة سنويا، وفقا لمنظمة الصحة العالمية».

كما وجدت دراسات سابقة ان «الاختلافات في معدلات الاكتئاب بين البلدان يعتمد على كثير من المؤشرات التي من بينها العوائد المالية وليس المال هو المؤشر او القياس الرئيسي للسعادة». كجزء من دراسة لمنظمة الصحة العالمية، كانت الأبحاث عن الاكتئاب اجريت على نحو 90 الف شخص في 18 بلدا. وطلب من الذين استطلع رأيهم الاجابة عن أسئلة تتعلق بأسباب تعرضهم للاكتئاب ومراحل الاكتئاب القصوى في حياتهم، بما في ذلك الحزن وفقدان الاهتمام من أجل تشخيص هذا الاضطراب الذي يجعل الفرد غير سعيد.