مستقرة على أحد الأرصفة أو مثبتة إلى أحد الجدران لم تعد تلفت انتباهك بألوانها
الباهتة وحديدها لذى تراكم عليه غبار الإهمال والنسيان منذ أن خرجت من الخدمة فى بداية
عام 2009 الذى كان بمثابة محطة النهاية لحكاية "تليفونات الخدمة العامة"
فى مصر التى بدأت بنجاح ساحق لمشروع كبائن "ميناتل" ووصلت لجميع محافظات
مصر، ثم تبعتها كبائن "رينجو" مستكملة نجاح الفكرة قبل أن تتحول آلاف الكبائن
التى توقفت عن العمل إلى رموز تذكارية تختفى خلفها تفاصيل إفلاس شركة "ميناتل"
وصراعات مازالت قائمة مع الشركة المصرية للاتصالات التى أعلنت وقف الخدمة ونسف أسطورة
"كابينة ميناتل" التى تركت علامة واضحة على جيل التسعينات قبل أن ينتهى بها
الحال كعلامة على ذكرى مضت وتتحول من خدمة التليفون إلى خدمات أخرى استفاد منها تجار
الخردة أحياناً أو الباعة الجائلون وسارقو السماعات وأصحاب رسائل الحب والملصقات الإعلانية
أحياناً أخرى.
الكابينة الصفراء والشاشة الصغيرة والسماعة التى شهدت مراهقة جيلاً كاملاً،
كروت شحن ميناتل، وغيرها من ذكريات "ميناتل" التى لم يبق منها سوى الكبائن
المنسية على الأرصفة وداخل الهيئات الحكومية، هى التفاصيل التى تسرد حكاية ظاهرة من
ذكريات مصر المنسية التى يحكيها "أحمد هيلتون" كواحد ممن عاصروا القصة منذ
ظهورها داخل المحل الصغير الذى يعود تاريخه لعشرين عاماً مضت، على ناصية شارع
"معروف" بوسط البلد يستقر المحل بلافتة مازالت محتفظة بالتفاصيل ذاتها معلنة
عن بيع كروت شحن ميناتل وخطوط "ألو" و"كليك"، تسحبك اللافتة إلى
سنوات قد تتذكرها إذا كنت واحد ممن عاصروا فترة زهو كابينة ميناتل الممتزجة بظهور
"الموبايلات" كاختراع جديد على المصريين فى هذا الوقت، على يمين اللافتة
تصطدم بلافتة "فورى" حديثة العهد وهى ما جعلت "هيلتون" للاتصالات
أحد المحلات التى جمعت بين حقبتين مختلفتين فى عالم الاتصالات.
"كانت تجارة ناجحة بجميع المقاييس" هكذا تحدث "أحمد هيلتون"
عن ذكريات ميناتل التى مازال يحتفظ ببعض كروتها للذكرى، ويقول "لما طلعت كابينة
ميناتل تحولت لتجارة، الكل كسب منها، وفجأة وبدون مقدمات الشركة أعلنت إفلاسها وسابت
للموزعين مهمة التخلص من الكروت وتعويض الخسارة، وهى دى المحلات اللى فلست مع إفلاس
الشركة وبعد ما الكروت بقت مالهاش قيمة غير للذكرى".
إلى جانب كونها كابينة التليفونات الأولى فى مصر، كانت كابينة ميناتل مكاناً
لتعليق الملصقات الإعلانية بشكل حضارى إلى جانب الخدمات التى قدمتها للمستهلك المصرى
قبل أن تغرق الشركة فى الخسائر، وتغلق أبوابها تاركة خلفها ملايين الجنيهات المهدرة،
وآلاف الكبائن المنسية فى الشوارع خارج الخدمة.