قال الدكتور
خالد بدر، أستاذ التمويل والاستثمار فى تصريح خاص لنا، إن قيام الحكومة المؤقتة
بفرض تسعيرة جبرية على السلع لضبط الأسعار والسيطرة عليها سوف ينشأ عنه ظاهرة
السوق السوداء التى تضر بالمستهلك، لافتا إلى أن هذا القرار فى ظاهره الرحمة وباطنه
أو حقيقته العذاب، لافتا إلى أن الأسلوب الكلاسيكى أو التقليدى الذى مضت عليه عقود
لم يعد مناسبا فى إدارة النشاط الاقتصادى، لكونه غير فعال فى ظل تغيرات حياتية
عديدة تشهدها البلاد.
وأشار بدر إلى
أن مثل هذا القرار يؤدى إلى تعطيش السوق، وكذا احتكار السلع لدى التجار، كما ينتج
عن فرض مثل هذه التسعيرة عدم الالتزام بها، نظرا لأنها فى كثير من الأحيان لا تحقق
هامش الربح الكافى والمناسب للتجارب، مما يجعله يعزف عن الاتجار وبيع السلعة فى
بعض الأحيان، والذى يتسبب فى نقصها من الأسواق، وبالتالى تعطيش السوق فيظهر ما هو
مرفوض من احتكار للسلعة، وظهور سوق سوداء، كما حدث بسوق الأوراق المالية الشهور
القليلة الماضية وقفزة الدولار الأمريكى التى أردت الجنية المصرى وضربته فى مقتل
وخلقت سوقا سوداء على استمرت عدة أشهر.
مضيفا أن
التسعيرة الجبرية تعد قرارا خاطئا، نظرا لأنها تفقد الثقة فى نشاط السوق وتعمل على
كسر التاجر والبائع وتقليص حجم تعاملاتهم، مما يشعر المستهلك بوجود عجز فى توفير
سلعا معينة، والذى يضطره إلى الإسراع فى شراء كميات كبيرة منها لتخزينها حتى لا
يتعرض لأزمة نقصها أو اختفائها من الأسواق، مما يؤدى إلى تفاقم المشكلة، لافتا إلى
أن أسعار بعض السلع داخل التسعيرة الجبرية يكون أعلى من سعرها الحقيقى أو السوقى،
مما يحدث تذبذبا غير منطقيا وعدم ثقة بالأسعار الجبرية.
وأوضح بدر
الفارق بين التسعيرة الجبرية والسعر العادل الذى كان من المفترض أن تتخذه الحكومة
بديلا عن التسعيرة الجبرية، مشيرا إلى أن السعر العادل يأتى من توازن بين العرض
والطلب بالأسواق، وهو ينشأ من تدخل الدولة بقوانين عادلة، وكذا اشتراك مؤسسات
رقابية للحد من الغلاء ومن احتكار التجار للسلع والتى تتحقق أيضا بمنح جمعيات
حماية المستهلك الصلاحيات اللازمة للعمل على توازن وضبط السوق من أجل راحة
المستهلك.
ولفت إلى أن
حماية الأسواق تأتى بأسلوب ووسائل بسيطة للغاية، وليس بالجبر الذى أثبت فشله فى
تجارب سابقة قامت بها الحكومات فى وقت سابق، ومن بين هذه الوسائل توفير البدائل
للسلع المختلفة وتنشيط الوعى لدى المستهلك وماله من دور وتعريفة بوجود سلع بديلة
تشبع حاجته وتقلص من حاجته الملحة للسلع الغالية أو النادرة، وبذلك يمكنه
الاستغناء عن ما يفوق قدرته المالية من سلع واستبدالها بأخرى تناسب إمكاناته وهذا
ما يعرف بـ"ثقة الاستهلاك".
إضافة إلى
ضرورة إحداث نوع من الثقة بين الحكومة والمستهلك، وكذا دعم جمعيات حماية المستهلك
وإعطائها سلطات أوسع تباشر من خلالها عملها وتفعيل دورها الحقيقى فى حماية
المستهلك، وعدم تعريضه للتقلبات أو وضعه تحت رحمة محتكرين او متنافسين يكون هو
الضحية والدافع الأوحد للثمن.
وحذر بدر من
التكلفة الكبيرة التى تنتج عن تطبيق التسعيرة الجبرية، والتى تتمثل فى تكلفة
الرقابة على الأسواق لمتابعة تنفيذ التجار للتسعيرة من عدمه، والتى تستدعى تحريك
وانتقال مراقبين ومفتشى تموين، وغير ذلك وصرف بدلات ومكافآت وانتقالات الامر الذى
يكلف أكثر مما كان ينبغى على الحكومة القيام به من اتباع السعر العادل وتوعية
المستهلك ودعم بعض السلع الحيوية.
ودعا الحكومة
إلى ضرورة تخليها عن تنفيذ تلك التجربة الجبرية على التجار والأسواق، لافتا إلى
أنها لم تنجح فى التطبيق خلال فترات وحكومات سابقة بل على النقيض تماما أدت إلى
الشعور بالأزمة بشكل أكبر، مطالبا بإلحاح إعادة تنظيم الإدارة الحكومية للنشاط
الاقتصادى وبعقلية شابة وجديدة تبتكر الحلول التى ليست بالصعب تنفيذها لحل العديد
من الأزمات مع الأبعاد الإجبارى للأساليب التقليدية والعقليات الكلاسيكية التى
تتصدرها الحكومة، والتى تؤخر من إنقاذ الوضع المتأزم تاركة إياه ليتفاقم، معربا عن
أمله فى زيادة الحكومة كمسئول أول عن المجمعات الاستهلاكية، والتى تتعامل فى
الأساس مع الشريحة البسيطة من أبناء الشعب ولأجلهم، من أجل ضخ كميات أكبر وأرخص
للمواطن المصرى الذى يعانى من أعباء مستمرة لزيادة الأسعار التى لم تتوقف بعد.