لم أكن اتخيل يوما ـ ونحن في رحاب الذكري الخامسة والثلاثين لرحيلها ـ ان الغوص في السيرة الذاتية لهذه السيدة العظيمة سيجعلني اخرج بلآلئ متعددة الأشكال‏,‏ مبهرة الألوان‏,‏ فلم اجد في قفشاتها اللاذعة مجرد مادة للضحك بل دروس خالدة في فن التعامل مع الجنس الآخر‏.

‏ تماما كما كانت مداعباتها الكوميدية وسيلتها لإدارة جيش من الرجال المخلصين وإفيهاتها الساخنة اداة لردع المتجاوزين او طريقة للتبسط مع المبتدئين‏..‏ وهي دي سيرة الحب‏..‏

فيا اللي ظلمتوا الضحك

وقلتوا وعدتو عليه

قلتوا عليه مش عارف إيه

شوفوا الست قالت فيه ايه

ــ ذات مرة كانت أم كلثوم واخدة علي خاطرها حبتين من الكاتب الصحفي الشهير محمد التابعي ـ الفتي المدلل للصحافة المصرية آنذاك

الذي رآها خارجة من بيتها فاسرع نحوها

وقال لها وكأنه أراد أن يصالحها‏:‏ حضرتك رايحة علي فين

قالت له‏:‏ حدايق القبة

قال لها‏:‏ كويس قوي‏..‏ عشان تخديني في طريقك

قالت له‏:‏ بقولك حدايق القبة‏..‏ حدايق القبة‏..‏ موش حدايق نفسي‏(‏ وليت كل نسائنا ام كثلوم وليت كل الرجال محمد التابعي‏,‏ حتي نجيد فن ادارة الخلافات الشخصية بعيدا عن التشهير والتجريح ونتعلم فضائل شرف الخصومة‏).‏

ـ أثناء تلحين أغنية ظلمنا الحب كلمات عبدالوهاب محمد ألحان بليغ حمدي اشتري بليغ سيارة صغيرة وأخذ صديقه الشاعر وذهبا الي الست لتسمع آخر ما وصل اليه بليغ وأثناء الجلسة لاحظت ام كلثوم ان بليغ يلعب بميدالية المفاتيح بشكل لافت وعلي وجهه علامات الابتهاج‏,‏ فبادرته قائلة مالك يا بليغ قال مش أنا اشتريت عربية؟ قالت له ألف مبروك‏,‏ هي فين؟ فاشار لها قائلا‏:‏ تحت فنظرت ام كلثوم من النافذة‏(‏ وكانوا في الدور الثاني‏)‏ فوجدت السيارة صغيرة الي درجة لافتة‏,‏ فمالت علي بليغ قائلة‏:‏ حلوة يا ابني‏..‏ ما طلعتهاش معاك ليه‏(‏ ولاعزاء لملحنينا وشعرائنا الشبان الذين يعانون الأمرين من السوبر ستارز إياهم‏!).‏

ـ وطبعا لم يكن عند الست أي وقت للحوارات الصحفية ورغم هذا دخل عليها في يوم من الأيام صحفي شاب يمني نفسه بخبطة العمر في الوقت الذي كانت فيه سومة ترفض اجراء حوارات مع نجوم صاحبة الجلالة‏!‏ المهم انه صديقنا الشاب هذا وقف امامها بكل ثقة ومد يده ليصافحها وكانت الست واقفة ولفت نظرها أنه قصير جدا لدرجة أن فرق الطول بينهما كان شاسعا فلم تستطع ان تقاوم الضحك وهي تقول له‏:‏ انت بالذات الواحد لازم يقعد لك يا سيدي‏!‏

‏(‏رسالة الي بالونات الوسط الفني المنتفخة لو كان يهمها الأمر‏)‏

ـ وكانت لها طريقتها المتميزة في السخرية من حال الرجالة المايل فذات مرة اثناء سفره بصحبتها في القطار‏..‏ اخرج الموسيقار محمد القصبجي قلما اسود واخذ يصبغ شاربه‏.‏

تأملته ام كلثوم وقد اخذتها المفاجأة لكنها سرعان ما قالت بسرعة بديهتها المعهودة‏:‏ شوفوا الرجل رجع شباب بجرة قلم‏..‏ رحم الله سومة التي رحلت قبل أن تشاهد ما يفعله رجال الالفية الثالثة‏!‏

ـ وكان لها جار ثقيل الظل‏..‏ بارع في فرض نفسه عليها يتفنن في البحث عن مفاجأة يتحفها بها فمرة يطب عليها ليرتشف معها قهوة الصباح‏,‏ أخري ليحتسي شاي الخامسة‏,‏ وذات يوم وبينما كان يؤانسها بطلعته البهية‏,‏ اذا بمجموعة من الضيوف تصل الي المنزل وتبدأ سومة في تعريف جميع الاطراف بعضهم ببعض استاذ فلان‏..‏ استاذ علان‏..‏ وحين جاء الدور علي هذا الجار قالت‏:‏ وده بقي جرثومة اي جار سومة‏..‏ واذا كانت جراثيم زمان تختشي علي دمها بالمحسوس‏,‏ فما أكثر جراثيم العصر الحديث التي لا تزيلها أشد أنواع المطهرات فتكا‏.‏

ـ ولانها أم كلثوم صاحبة البراح الانساني‏,‏ والمصباح الذي يهتدي به كل المحيطين بها‏,‏ ستجد اغرب سبب لزيارة منزلها كما حدث مع أحد عازفي فرقتها الذي زارها لا لشئ سوي أن يعرف رأيها في بدلته الجديدة ويحصل منها علي شهادة الاناقة المعتمدة‏.‏

وسألها‏:‏ إيه رايك يا ستنا فقالت له‏:‏ كويسة

ويبدو ان هذه الاجابة لم تكن مشبعة له وعاد يسألها مرة أخري‏:‏ لكن مش شايفة انها واسعة ومفتوحة شوية؟

فقالت له‏:‏ معلش‏..‏ ربنا يضيقها عليك‏!‏

‏(‏درس كلثومي في التواضع للطواويس التي ترفع شعار يا أرض اتهدي ما عليكي قدي‏).‏