عند أبواب فبراير يقف يناير في يومه التاسع والعشرين مستهلاً الأفراح في دولة الكويت. يقف الزمن عند هذا التاريخ، لأنه كُتبت فيه أحلى ذكرى في تاريخ الكويت المعاصر بتولي صاحب السمو االشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم. أعوام أربعة مرت على تسلم سموه مقاليد الحكم كانت الأيام فيها تترى إشراقاً فصباح الكويت يشع بالخير عند كل محطة ومفترق. العود هو الحاسم، هو الجامع، وهو الأب العطوف للكويتيين كلهم، بل وللعرب أيضاً.

أعوام أربعة والكويت فيها من إنجاز إلى آخر. كانت الديموقراطية الكويتية تتغنى بحاميها وحامي دستورها. وكان الخارج ينظر إلى الكويت بين حاسد وغابط على نعمة الحرية التي يعيشها أهلها. أعوام أربعة والكويت أخيراً على مرمى السعي إلى علياء التقدم بعد إقرارها خطة اقتصادية تنموية مذهلة للنهوض أكثر وأكثر في البلاد. أعوام أربعة والكويت تلوذ بعباءة سموه وقت الشدائد والأزمات، فتتسع لهم جميعاً.

أعوام أربعة والعرب يذكرون صباح الكويت والموقف في القمتين الاقتصادية والخليجية. يذكرون بادرة الأمل التي أطلقها سموه وأشرقت مصالحة عربية، بعد أن غطت غيوم سوداء قمر وحدتهم البدري، وأنتجت تضامناً مع الأشقاء العرب وقضاياهم العادلة. يتوقف الزمن برهة ليسجل بأحرف صاغتها حبات الدانة أن المصالحة العربية بدأها عميد الديبلوماسية الكويتية بحنكته ومهارته السياسية في إدارة الأزمات، ليتنفس العرب الصعداء بعد نار الشقاق الذي وصل حتى الفراق.

إن تاريخ الكويت السياسي (كونا) يحفل بالكثير من الإنجازات المهمة التي حققها صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لا سيما في المصالحة العربية ولم الشمل العربي. لقد حمل سمو أمير البلاد في قلبه وفكره هموم وقضايا أمته وسعى إلى البحث عن حلول لها، فبدأ برأب الصدع العربي وصولاً إلى التنمية لإعادة بناء الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج. وقاد سموه مشروع المصالحة العربية بين القادة العرب الأشقاء الذي تم على هامش القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي استضافتها الكويت في يناير 2009 حيث عقد لقاء مصالحة جمع فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس المصري حسني مبارك وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني ليشكل هذا اللقاء الخماسي البداية الحقيقية في مشوار المصالحة العربية. وكان سموه استشعر عمق الخلافات العربية وتأثيرها على حاضر ومستقبل هذه الأمة فدق ناقوس الخطر من خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح القمة عندما قال: «لقد انتشر لدى شعوبنا الشعور الواسع بالتهميش من التقدم الذي يشهده العالم فتولدت البيئة الخصبة للتطرف والغلو والكراهية واندفع الكثيرون من شبابنا الى أعمال غير مشروعة للتعبير عن هذا الضيق، ما أثر سلباً على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي في مجتمعاتنا وأخذ يهدد أمن المنطقة ككل وانتقل منها إلى بقية دول العالم حتى كاد مجتمعنا العربي أن يوصم بمصدر للتوترات حول العالم».

وأضاف سموه: «لقد ألقت هذه الظروف الصعبة بظلالها السلبية على وطننا العربي فطغى الخلاف بيننا على التعاون، والتردد على المبادرة، وحبست المصالح المشتركة في شراك الشك فتعثرت جل مساعي دولنا ومنظماتنا العربية المتخصصة الهادفة الى وضع الخطط وتنفيذ مشاريع العمل المشترك».

لقد أدرك سموه بحنكته ونفاذ بصيرته مدى تأثير الخلاف السياسي على فرص النمو الاقتصادي للمجتمعات العربية، فقال: «لقد أدى ذلك الى تفويت الفرص المواتية لرفع معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي وتوفير سبل العمل المنتج لشعوبنا ففاتت على شعوبنا الفرص الكثيرة والمواتية للحاق بركب الدول والمجموعات الإقليمية والدولية ذات التجارب الناجحة».

وبعد أن شخص سمو أمير البلاد الداء وضع يده على مكمن العلة في الجسد العربي الضعيف وقال: «إن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى تركيزنا على نقاط الاختلاف في رؤانا ومواقفنا تجاه المشاكل السياسية، والتي استنزفت معظم طاقات العمل العربي المشترك خلال العقود الأخيرة».

ولقد كان لهذا الجهد المبارك نتيجته المثمرة، إذ تبددت غيوم الخلاف بين الأشقاء العرب في قمة الكويت، حتى قال رئيس القمة وراعي المصالحة العربية سمو أمير البلاد في كلمته التي اختتم بها القمة: «إن هذه القمة أتاحت لنا فرصة للقاء أخوي تاريخي جمع الأخوة الأشقاء وأسهم في تنقية الأجواء لتعود اللحمة ولله الحمد إلى الصف العربي متطلعين إلى البناء مستقبلاً على هذا اللقاء المبارك».

ولم يتوقف سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر عن التفكير في هموم أمته العربية عند جسر القمة العربية الاقتصادية، بل حمل هذه القضية معه قلباً وقالباً ليطرحها في كل تجمع عربي. ففي كلمة سموه لدى افتتاح قمة الدوحة العربية التي استضافتها قطر في مارس 2009 قال: «نجتمع اليوم لنتدارس أوضاع أمتنا العربية وما آلت إليه نتيجة تفاقم وتنامي الخلافات السياسية في ظل ظروف صعبة ودقيقة نمر بها جميعاً تفرض علينا الوقوف وقفة جادة ومخلصة نتلمس من خلالها مواطن الضعف والاختلال في عملنا العربي المشترك والأسباب التي تقف وراء تراجع ذلك العمل».

وإذا كانت الوحدة العربية والخلافات التي تعصف بها هي الهم الذي يشغل سمو أمير البلاد فإن القضية الفلسطينية هي جوهر هذا الهم الذي لا يمكن لعربي أن يمحوه من قلبه وعقله. ولعل مواقف الكويت قيادة وشعباً من هذه القضية منذ بدايتها وإلى اليوم لا تخفى على أحد، إذ كان للكويت في أحلك الظروف موقف تضامني واضح ومشرف مع الفلسطينيين. فمثلما كان لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر دور في المصالحة العربية كان له دور لا يقل عن ذلك أيضاً في الدعوة الى المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية ونبذ الخلافات بين الأشقاء الفلسطينيين. وقال في كلمته في افتتاح قمة الكويت الاقتصادية التي تحولت الى قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة: «من هذا المنبر أدعو القيادات الفلسطينية كافة إلى الوحدة والتكاتف والتعاون فما من خطر أعظم على اخوتنا في فلسطين وعلينا جميعاً كذلك من الفرقة والتناحر بين الأشقاء».

ولم تخلُ كلمة سمو أمير البلاد في قمة الدوحة العربية من الحديث عن القضية الفلسطينية والدعوة إلى حل الخلافات الفلسطينية الداخلية، إذ قال: «مما يدعو الى الأسف أن نرى الأشقاء الفلسطينيين وقد أنهكتهم الخلافات وأثقل كاهلهم التطاحن ما انعكس سلباً على واقعنا العربي وأضعف موقفنا السياسي. غير أن ما يدعو إلى الأمل والتفاؤل في الوقت نفسه أن نرى مساعي جادة ومخلصة لطي صفحة تلك الخلافات إيماناً من الأشقاء الذين يسعون إلى التسامي فوق جراحهم وتغليب المصالحة على الخصومة وصولاً إلى وحدة الصف الفلسطيني».

ومن «قمة الدوحة» إلى «القمة الرباعية العربية المصغرة» التي عقدت بالرياض في مارس 2009 وشارك فيها سمو أمير البلاد إلى جانب أشقائه قادة مصر والسعودية وسورية، إذ أكدوا في بيانهم الختامي أن اللقاء هو بداية مرحلة جديدة من التعاون والسعي إلى الاتفاق على سياسة موحدة إزاء القضية الفلسطينية مع استمرار الجهود المبذولة لتصفية الأجواء العربية. أما في قمة دول مجلس التعاون الخليجي الثلاثين التي استضافتها الكويت في ديسمبر 2009، والتي حملت عنوان «قمة الطموح الخليجي... والأمل العربي»، فرغم كونها قمة خليجية تناقش قضايا الكيان الخليجي فإن سمو أمير البلاد أبى إلا أن يكون للقضية الفلسطينية مكان فيها من خلال كلمته الافتتاحية التي جاء فيها: «إننا نكرر دعوتنا إلى اخوتنا في الأراضي العربية المحتلة لنبذ خلافاتهم وتجاوزها والحرص على تكريس جهودهم كافة نحو العمل الجاد لخدمة قضيتهم العادلة ضماناً لوحدة الأرض واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».

وعن وحدة الكيان الخليجي فإن حرص سمو أمير البلاد على وحدته وعدم المساس بأمن واستقرار أي من دوله قضية أساسية لا تقل لديه عن القضية الفلسطينية إن لم تكن تتجاوزها. وما وقفة الكويت مع السعودية في العدوان الذي تتعرض إليه حدودها إلا أكبر دليل على ذلك، وهو الأمر الذي ترجمه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر في كلمته بافتتاح القمة الخليجية الثلاثين عندما قال: «إن ما تتعرض إليه المملكة العربية السعودية الشقيقة من عدوان سافر يستهدف سيادتها وأمنها أمر مرفوض منا جميعاً. ولذلك فإننا نجدد استنكارنا وإدانتنا لهذه الاعتداءات والتجاوزات مؤيدين وداعمين أشقاءنا في ما يتخذونه كله من إجراءات للدفاع عن سيادة وأمن المملكة العربية السعودية الشقيقة».

وشدد سموه في كلمته على أن «أي مساس بأمن واستقرار المملكة العربية السعودية الشقيقة يمثل مساساً بالأمن الجماعي لدول المجلس... وإن المساس بأمن أي دولة خليجية هو مساس بأمن الكويت، وإن أي جرح يصيب دولة عربية فقد أصاب الكويت»، وهذا ما يؤكد أن سموه رجل المصالحة العربية.