سيطرة بعض الجنسيات على مهن ووظائف معيّنة، أصبحت ظاهرة منتشرة وواضحة على مرأى ومسمع الجميع في الكويت، فباتت كل جالية تسيطر على مهنة بشكل واسع، ويعمل أفرادها بها بأعداد غفيرة.
 
وكل من يتجوّل في المناطق التجارية أو الصناعية أو الزراعية، سيجد أن هناك جنسيات معيّنة تستحوذ على كثير من المهن والوظائف بها، ولا يمكن لأبناء الجنسيات الأخرى منافستها في تلك المهن، وفي الوقت الذي يراه البعض أمراً ايجابيا، يؤكد آخرون أن للأمر مشاكل وسلبيات كثيرة، ومن غير المقبول استفحاله.
 
قمنا بجولة على عدد من المناطق التجارية والصناعية والزراعية، ورصدت ظاهرة سيطرة بعض الجنسيات على مهن محددة بشكل بارز، واستطلعت آراء عدد من أفرادها عن الأسباب وراء ذلك والسر وراء تركزهم في مهن محددة بشكل كبير.
الجالية الباكستانية
الجالية الباكستانية يتركز كثير من أفرادها في مهنتين بشكل لافت، هما الحلاقة والخياطة، وكل من يتجوّل على محالهم ومواقع عملهم يلاحظ أنهم استطاعوا اكتساب القدرة والإمكانية على إتقان العمل في المهنتين، مما جعل الاقبال عليهم كبيرا من الزبائن.
 
وخلال جولتنا على عدد كبير من محال الخياطة وصالونات الحلاقة، شاهدنا كثيرا من الجالية يعملون بها، وكان الباكستانيون لهم قدرات وفنون الخياطة والحلاقة، لا سيما إتقان المهنة، وعلمنا بأن معظمهم قدموا إلى الكويت وهم لديهم خبرة طويلة في العمل لسنوات في بلادهم، مما جعل الإقبال عليهم كبيرا، سواء كحلاقين للرجال، أو خياطين للرجال والنساء معا.
 
وأكد المقيم الباكستاني محمد نصير، الذي يعمل حلاقا في الجهراء، أن استحواذ الباكستانيين بشكل كبير على مهنة الحلاقة والخياطة يعود إلى تميزهم وإبداعهم، وقدرتهم على منافسة غيرهم من أبناء الجاليات الأخرى، مشيرا إلى أن هناك أبناء جاليات أخرى تعمل في مهنتي الحلاقة والخياطة، لا سيما السوريين، وبالتالي فان السوق مفتوحة لمن يرغب في العمل والمنافسة، لجميع الجنسيات، والكويت بلد خير ومرحّب بالوافدين للعمل، ولكل مجتهد نصيب في أي مهنة كانت.
 
من جانبه، أكد عمر درويش، الذي يعمل خياطا للملابس الرجالية في منطقة الجليب، أن أكثر أبناء الجالية العاملين في حرفة الخياطة ومهنة تفصيل الملابس، سواء الرجالية أو النسائية، قدموا إلى الكويت وهم يعرفون تماما أصول مهنتهم وأساس حرفتهم، وساهم ذلك في انتشارهم سريعا وبأعداد كبيرة في المهنة.
 
وأشار إلى أنه عندما جاء الى الكويت قبل نحو 10 سنوات كان يجيد خياطة الملابس الخاصة بالزي الباكستاني، وقد تمكّن من تفصيل الزي الكويتي خلال فترة قصيرة من بداية عمله في محل خياطة، ملمحا إلى أن تفصيل وتصميم الملابس فيه منافسة، ومن يتميز فسيكون الاقبال عليه عاليا من قبل الزبائن، بغض النظر عن جنسيته.
الجالية السورية
الجالية السورية تعد من أقدم الجاليات في الكويت، واللافت أيضا أن أغلب أبنائها يعملون في مهن معينة، سواء بائعين في محال تجارية وميكانيكيين في كراجات صناعية، في حين إن أعدادا محدودة تعمل في وظائف مختلفة ومتنوعة، مثل الأطباء والمهندسين والمحاسبين، وهؤلاء من حملة شهادات عليا.
 
وخلال جولتنا على المناطق التجارية والصناعية وجدنا أعدادا كبيرة من أبناء الجالية يعملون بها، منهم بائعون ومحاسبون بأسواق ومحال بالمناطق التجارية، سواء الخاصة لبيع الملابس أو الأجهزة أو الساعات أو غير ذلك من المجالات التجارية، وآخرون يعملون في المناطق الصناعية في البلاد، كحرفيين وميكانيكيين وفنيين في كراجات تصليح المركبات، وكانوا يستحوذون على تلك المهن بشكل كبير وواسع.
 
وحسب محمد باشا، الذي يعمل بائعا في سوق تجاري بالشويخ (سوري)، فإن وجود عشرات آلاف السوريين في الكويت، من شرائح مختلفة وأعمار متفاوتة، جعلهم يعملون في مهن كثيرة ووظائف مختلفة وفق مؤهلاتهم وخبراتهم.
 
وتابع: الحاصلون على شهادات عليا تمكّنوا من العمل في وظائف تناسب تخصصاتهم، في حين من يحملون الشهادات المتدنية وهم أغلبية اتجهوا للوظائف الحرفية واليدوية، في المناطق التجارية والصناعية، لا سيما في الأسواق التجارية وفي الكراجات بالمناطق الصناعية.
وظائف كثيرة
من جانبه، أكد مهند محمود أن السوريين يعملون في وظائف كثيرة من أعلى سلم إلى أدنى درجة، معتبرا أن تركّزهم في مهن معيّنة لا توجد به أي مشاكل بالنسبة اليهم، حيث انه دليل على تميزهم في مجالات معينة، سواء كانت تجارية أو صناعية أو غير ذلك، خاصة في المجال التجاري كأسواق أو محال تجارية وشعبية أو في كراجات المناطق الصناعية الموزعة على المحافظات الست في البلاد.
الجنسية البنغالية
أما الجالية البنغالية، فيعمل أغلب أفرادها في مهن بسيطة ورواتب متدنية، مثل عمال نظافة ورعاة أغنام، ويعتبر وجودهم نادرا في الوظائف المرموقة او التخصصات العليا، وذلك نتيجة أن الكثير لا يحملون شهادات عليا.
 
ويتميز الكثير من البنغاليين بالصبر والقدرة على العمل لساعات طويلة تصل الى 16 ساعة يوميا وأحيانا أكثر، كما يعمل بعضهم في جهتين أو بشكل اضافي من اجل توفير المال الكافي لتسيير أمورهم المعيشية في الكويت، مع ارسال ما يحتاجه ذووهم من مال.
 
وأكد عدد من عمال النظافة في مناطق متفرقة، أن تركزهم في مهن معينة، لا سيما كعمال النظافة يعود إلى بعض الشركات التي تستقدمهم إلى الكويت، حيث تفضل الجنسيات التي تتقبل الرواتب المتدنية التي تتراوح ما بين 60 و90 دينارا، حيث إن بعض الجنسيات لا تتقبل بتلك الرواتب ولا تساعدها في العيش في بلادها بتلك الرواتب.
 
وتمنوا أن تتم مراعاة أحوالهم كعمال مغتربين جاءوا من اجل توفير قوت يومهم ومساعدة أهلهم، لافتين إلى أنهم عملوا في مهنة التنظيف لكونهم لا يحملون شهادات عليا أو تخصصات معينة، مشيرين إلى أنهم يسعون جاهدين إلى الالتزام بالقوانين في الكويت قدر استطاعتهم، حتى لا يتعرّضوا لمشاكل أو ملاحقات من أي جهة.
تقرير إخباري: لا استغناء عن الوافدين في الوظائف المهنية
كشف مراقبون أن نسبة العمالة الوافدة تستحوذ على %70 من سوق العمل والحرف والمهن التي ترتبط يوميا بحياة الناس، وهذه الجنسيات هي: باكستان، اليمن، مصر، الهند، بنغلادش، الاردن، فلسطين، السودان، وسوريا. في حين تتقاسم الجنسيات الاخرى بقية المهن والحرف بنسب متفاوتة.
 
ويشير المراقبون الى أنه منذ عقود من الزمن، وبالتحديد مع بدايات توافر عوائد حقبة النفط، انطلقت منظومة التعمير في الكويت ودول مجلس التعاون، نتيجة للخطط العمرانية والتنموية الطموحة التي انتهجتها دول الخليج في تلك الفترة، وكان مرتكزها الأساسي العمالة الوافدة في كثير من التخصصات، خاصة الفنية منها، نتيجة لأن العمالة الوطنية لم تكن متاحة في كل الدول الخليجية بالكمّ والكيف.
الخياط النسائي صعوبة.. ومردود قليل
ذكر عسراب شاهين (هندي) ان مهنة الخياط للملابس النسائية اشتهرت عند ابناء الجالية الهندية لانها صعبة وليست بالسهلة، ومردودها قليل ولهذا لا يمكن لغير ابناء الجالية الهندية تحملها.
واوضح ان التخصص في العمل شيء مهم جداً، خاصة اننا قد نحتاج مساعدة من اصحاب المحال الاخرى، ولهذا عندما يكون الجميع من جنسية واحدة تجدهم يساعد بعضهم بعضا.
من جانبه، قال محمد علي (هندي) ان مهنة الخياط ليست جديدة، بل هي ما ورثه عن جده الذي عمل في الكويت مطلع سبعينات القرن الماضي حين قدم الى الكويت وعمل في منطقة جليب الشيوخ خياطا للملابس الرجالية.
واضاف: لكنني عملت في محل خياطة الملابس العسكرية، لانها اكثر ربحاً من غيرها واقل جهداً وتعتمد في التعامل مع العاملين في وزارتي الداخلية والدفاع والحرس، وهم كرماء معنا.
حسب العقد.. ومختلف الوظائف
أشار أشرف سليم (مصري) الى ان عمله في الكويت لم يكن باختياره، بل هو بحسب العقد الذي حصل عليه، وقال: أنا خريج جامعي، لكني اعمل طبّاعاً في احدى الشركات.
واضاف ان ابناء الجالية المصرية في الكويت يعملون في كثير من المهن ولا يمكن احتكارهم في مهنة معينة، بل هم ينتقلون وراء طلب رزقهم ولا يبحثون عن تخصص لهم.
بدوره، ذكر ياسر محمد (مصري) ان عمله في الكويت جاء بعدما حصل على عقد العمل من خلال احدى الشركات التي تعاقدت مع احدى وزارات الدولة وفق عقد يلزم الشركة توفير 300 طباع.
واضاف: لا يمكن اعتبار ان ابناء الجالية المصرية يعملون في مهنة واحدة في الكويت، ولهذا لا يمكن حصر مهنة الطباعة على المصريين فقط، بل هناك الاطباء والمدرسون والدكاترة وأساتذة الجامعة من ابناء الجالية المصرية.
وتابع: نحن في بلدنا الثاني ونعمل وفق حاجة سوق العمل وتوفر الفرص.
الجنسيات المستحوذة
يتركز معظم أبناء الجالية الإيرانية في بيع الذهب والسمك والعمل بمحال الصرافة، في حين يتركز ابناء الجالية السورية في بيع الملابس والعمل في الكراجات، أما الباكستانيون ففي الخياطة والحلاقة، في وقت تجد اللبنانيين في الاعلام والتجارة، والأفغان في المخابز والسكراب، والبنغاليين في النظافة ورعي الاغنام.
رفض وقبول
فيما يتعلق بردود عدد من المواطنين عن ظاهرة سيطرة بعض الجنسيات على مهن محددة في البلاد، فأكد بعضهم ان الأمر يعد سلبيا، ولا بد من تحرّك الجهات الحكومية المعنية للتصدي للظاهرة، لا سيما أنها تسبّب مشاكل كثيرة لأهل الكويت في حال التعميم على مهن ووظائف أكثر بينما اعتبر آخرون أن الأمر طبيعي وأن لكل مجتهد نصيباً، وأن السوق مفتوحة لمن يريد العمل والنجاح.