سادت حالة من الارتباك الشديد الأوساط المالية الكويتية، بعد اعلان اللجنة المالية البرلمانية اعداد مشروع قانون يطرح قريبا بشكله النهائي، لفرض ضريبة على تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج على شرائح تصل إلى 4% على المبلغ المحول، وهو ما سيخلق سوقا سوداء بحسب خبراء ويؤثر في ربحية قطاعات واسعة من الاقتصاد.
يتخطى متوسط تحويلات الوافدين في الكويت وفقا لبيانات صادرة عن بنك الكويت المركزي حاجز 4 مليارات دينار سنويا وبنحو يصل إلى 15 مليار دولار سنويا، مما يجعل العوائد المتوقعة من الضريبة على التحويلات قرابة 150 مليون دينار تعادل 500 مليون دولار.
وتعادل تحويلات الوافدين من الكويت نحو 10% من الناتج المحلي للبلاد، بالإضافة إلى كونها تتخطى ثلث جملة إيرادات البلاد.
وخلال العامين الماضيين سجلت تحويلات الوافدين في الكويت تذبذبا كبيرا حيث تراجعت في الربع الثالث من 8.1% لتصل إلى 940 مليون دينار لتتراجع إلى ما دون المليار دينار لأول مرة منذ العام 2012.
وبحسب وحدة الأبحاث التابعة لبنك الكويت الوطني فإن التراجع في تحويلات الوافدين ووصولها لأدنى مستوى منذ 2012 نتيجة زيادة غلاء المعيشة بسبب خفض الدعوم وارتفاع تكاليف بعض الرسوم، وفي الوقت نفسه، ساهمت سياسة إحلال العمالة الوطنية «التكويت» في قطاعات العمل في التقليل من الطلب على العمالة الوافدة.
ووفقا لبيانات المركزي الكويتي بلغ اجمالي التحويلات للوافدين في 2017 نحو 4.1 مليارات دينار بتراجع 10% عن مستواها في 2016 البالغ 4.56 مليارات دينار، فيما سجلت اعلى مستوياتها في 7 سنوات بالعام 2014 لتصل إلى 5.1 مليارات دينار بالتزامن مع ارتفاع قياسي في أسعار النفط تخطى معه مستويات 100 دولار للبرميل.
الآثار المالية
وستتأثر ربحية العديد من القطاعات الاقتصادية الكويتية من بينها القطاع المصرفي التي تمثل أرباحه من التحويلات بالعملات الأجنبية نحو 10% من أرباحه في عام 2017.
وبجانب البنوك، ستتأثر شركات الصرافة العاملة بالكويت والتي يبلغ عددها نحو 42 شركة من فرض الضريبة بسبب احتمالات اللجوء الى السوق السوداء لإجراء التحويلات المالية الى الخارج.
وتكشف بيانات المركزي الكويتي بلوغ إيرادات شركات الصرافة من بيع العملات خلال العام 2017 نحو 42 مليون دينار بنمو بلغت نسبته 5.7% عن العام 2016 وهو العام الذي شهد تحرير سعر صرف الجنيه المصري ولجوء العديد من الأفراد الى السوق الموازية التي شهدت نشاطا كبير في نهاية 2016.
وستكون الكويت في حال تمرير القانون الاولي خليجيا التي تطبق ضريبة مباشرة على تحويلات العمالة الوافدة لديها، فيما تطبق الامارات والسعودية بعد دخول ضريبة القيمة المضافة حيز التنفيذ مع بداية العام ضريبة بواقع 5% على رسوم التحويل وليس على اجمالي المبلغ المحول لتصل متوسط تلك الرسوم في الامارات نحو 1.5 درهم، وفي السعودية تحتسب فقط على رسوم التحويل وبنسبة 5%، ويدفعها الشخص الذي يحول الأموال.
ويرى صندوق النقد الدولي ان فرض ضريبة على التحويلات الخارجية، سوف تحقق عائدات قصوى تبلغ 0.3% من إجمالي الناتج المحلي الخليجي أو 4 مليارات دولار حيث يبدو هذا ضئيلا نسبة إلى التعديلات المالية المطلوبة في المنطقة، حيث يستلزم تطبيق الضريبة تكاليف تشغيلية وإدارية من شأنها أن تقلل من عائدات الإيرادات الصافية من الضريبة.
ويضيف تقرير لصندوق النقد الدولي ان هناك الكثير من المخاطر التي ستصاحب تطبيق ضريبة التحويلات منها مخاطر السمعة وجاذبية العمل في الدول التي تطبق مثل هذه الضريبة، مضيفا انه من منظور خارجي، فإن فرض ضريبة على التحويلات قد يشكل مخاطر على سمعة دول مجلس التعاون الخليجي.
وأوضح تقرير صندوق النقد ان الضريبة ستؤثر على جاذبية القطاع الخاص ويزيد من تكلفة الإنتاج اذا صاحبت الضريبة زيادة الأجور الأمر الذي يقلل من قدرة القطاع الخاص على المنافسة بالرغم من إمكانية تحسين جاذبية العمالة الكويتية على حساب الأجنبية عبر تقليل فجوة الأجور بالقطاع الخاص.
ويشير الصندوق الى أن الضريبة ستؤدي بشكل حتمي الى غياب الرقابة وظهور السوق السوداء حيث ستكون ضريبة التحويلات غير فعالة ويصعب إدارتها لأنها ستؤدي إلى هجرة الحوالات من النظام المصرفي وتشجيع عدم التدخل المالي.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى خسائر حيث إن التحويلات تكون مرنة للغاية من حيث التكلفة.
ولتجنب الخضوع للضريبة، سيلجأ المحولون إلى قنوات غير رسمية لتحويل الأموال من خلال الأصدقاء أو الأقارب أو ببساطة حمل الأموال بأنفسهم.
شهدت أرباح البنوك الكويتية من تحويل العملات الاجنبية تراجعا سنويا ملحوظا خلال العام الماضي بنسبة 15% لتصل الى 84.6 مليون دينار مقارنة بـ 100 مليون دينار حققتها البنوك في 2016.
وتمثل تلك الأرباح ما يزيد على 10% من اجمالي صافي الارباح التي حققتها البنوك الكويتية العام الماضي والتي وصلت الى 827.3 مليون دينار.
ويستحوذ بنك الكويت الوطني على قرابة 40% من اجمالي ارباح القطاع حيث حقق 33.7 مليون دينار ارباحا من تحويلات عملات اجنبية بتراجع سنوي 4.8% مقارنة بـ 35.4 مليون دينار في 2016.
وعلى صعيد البنوك التقليدية، فقد تراجعت أرباحها من تحويل العملات الأجنبية خلال العام الماضي 12.6% لتصل الى 61 مليون دينار خلال 2017 للبنوك الخمسة. في المقابل كان تراجع ارباح البنوك الاسلامية بشكل اكبر بنسبة 21.7% ليصل الى 23.9 مليون دينار مقارنة بـ 30.5 مليون دينار ارباح البنوك الاسلامية من التحويلات في 2016.
خبراء انقسموا في استطلاع حول استنزافها للسيولة المحلية وأثر القرار السلبي على جذب الاستثمارات الأجنبية
الضريبة تمثِّل تحولاً بالسياسات الاقتصادية وتزيد التكلفة الاستثمارية
التحويلات تستنزف السيولة وعلى الحكومة إتاحة بدائل لتوظيفها داخل السوق الكويتي
استطلعنا آراء مجموعة من الخبراء والاقتصاديين حول فرض ضريبة على الوافدين بالكويت حيث أشاروا الى الاثر السلبي للقرار على مشاريع التنمية المستهدفة في البلاد، في وقت يتوقع فيه صندوق النقد أن تكون الإيرادات التي ستنتج عن هذه الضريبة طفيفة، بالإضافة إلى الترجيحات النيابية التي اعلنت عنها بأن يكون الهدف من هذا المشروع تحصيل نحو 60 مليون دينار ما يعادل 198 مليون دولار، فضلا عن ان مثل هذه القرارات تصعب على الجهات المعنية بالترويج للكويت وخططها لتحسين بيئة الأعمال اضافة الى ان فرض ضرائب على تحويلات الوافدين سيضطر إلى رفع أجور العمالة الوافدة، وهو امر مغاير لدراسات الجدوى التي قام بها المستثمر الاجنبي حينما قرر الدخول إلى السوق الكويتي.
واظهرت الجهات الرقابية معارضتها لمثل هذه المشاريع لما لها من انعكاسات سلبية على سوق الصيرفة حيث من الممكن ان يقود هذا التوجه إلى نشوء سوق سوداء لتحويلات الوافدين، عن طريق شركات الصرافة او ما يسمى «صرافة الظل» التي حاربتها الجهات الرقابية في اوقات ماضية حتى تخلصت من جزء كبير منها ومن المرجح ان تعود مرة اخرى.
وهنا تقول مصادر مصرفية ان مشروع فرض ضريبة على تحويلات الوافدين سينعكس بالسلب على القطاع المصرفي نظرا لتأثر تراجع تنافسية القطاع، وهو الامر الذي ظهر جليا بعد ان تراجعت تحويلات الوافدين من الجنسية المصرية لاكثر من 90% بعد تعويم الجنية المصري ولجوء الكثير من الجالية المصرية إلى التحويل عبر السوق السوداء للاستفادة من فارق السعر والابتعاد من السوق الرسمي.
وبحسب اتفاق اللجنة المالية البرلمانية مع الحكومة على اقرار فرض الضريبة على تحويلات الوافدين المالية وفق شرائح تبدأ الشريحة الأولى تبدأ من دينار إلى 100 دينار وبرسوم دينارين، والشريحة الثانية بواقع 3% عن المبلغ المحول من 100 إلى 500 دينار، و4% عن المبلغ الذي يزيد على 500 دينار.
ويقول الخبير الاقتصادي سالم الرميح، أنه يتوجب على الحكومة والنواب أيضا إيجاد حلول عملية لاستثمار مليارات الدولارات التي يرسلها الوافدون في الكويت إلى بلادهم كل عام، بدلا من التفكير بفرض رسوم أو ضرائب على تحويلاتهم المالية.
ويضيف الرميح أن الكويت تعتمد على عائدات النفط في تمويل موازناتها وتعتبر أيضا واحدة من أكبر مصادر التحويلات المالية في العالم، لذا يجب التركيز تجاه توظيف هذه الأموال بما ينفع الجانبين.
وذكر أن فرض أي رسوم أو ضرائب على تلك التحويلات يمثل تحولا كبيرا في السياسات الاقتصادية، كونه قد يؤدي إلى زيادة التكاليف الاقتصادية وتراجع تدفق اليد العاملة الأجنبية.
ويرى الخبير الاقتصادي طلال معرفي، أن تحويلات الوافدين تسجل أرقاما تصاعدية عاما بعد عام نتيجة أسباب عدة، من بينها أن الأسواق الخليجية لا تزال تعتمد بشكل كبير في تسيير تعاملاتها على العمالة الوافدة.
ويضيف معرفي خلال حديثه لـ «الأنباء» أن تحويلات العمالة الأجنبية تشكل استنزافا للسيولة المحلية، وضغطا على موازين المدفوعات التي تأثرت أيضا سلبا بتراجع العائدات النفطية، مشيرا إلى أن تأمين فرص لاستثمار أموال المستثمرين الأجانب عموما والوافدين منهم بصفة خاصة، أفضل من فرض رسوم أو ضرائب على تحويلاتهم. ويعيش أكثر من 17 مليون أجنبي في دول مجلس التعاون الخليجي.