ما الرابط بين الخبر عن الملايين النائمة التي تنتظر اصحابها، ورسائل الاحتيال الواردة عبر أجهزة الهاتف، واتصالات أصحاب ملايين «وهميين» من العراق وايران وسورية ودول أوروبية بمواطنين في الكويت؟
الرابط عنوانه «محاولات نصب بدائية» شغلت بعض الكويتيين على مدى أيام، وسرعان ما تم اكتشافها لسذاجتها وطرافتها أحيانا... ووصلت حد التشبه بجملة «أنا اسمي موجود!» الشهيرة لعادل إمام في مسرحية «شاهد ما شفش حاجة».
أشخاص كثيرون تمنوا لو كانت أسماؤهم موجودة في حسابات المصارف الكويتية، بعدما نشرت «الراي» خبرا بعنوان «ملايين الدنانير نائمة في البنوك... تبحث عن صاحب». بعضهم فتش في دفاتر أهله وذاكرة المسنين الموجودين معه.
بعضهم حمل أوراقاً ومستندات إلى هذا البنك أو ذاك مستفسراً مدققاً... لكن هواة نصب واحتيال أجروا اتصالات من خارج الكويت بمحامين ومواطنين، يزعمون أن لديهم ملايين الدنانير مهملة في البنوك المحلية، ويقدمون أوراقاً مزيفة بشكل بدائي ويطلبون المساعدة مقابل نسبة مالية.
ورأى النصابون الجدد في قضية الحسابات الخاملة، فرصة أقوى من فرص الاحتيال التي درجت عبر الهواتف حيث يتلقى الشخص رسالة تفيد انه ربح مبلغاً من المال، أو سيحول اليه مبلغ من شخصية سياسية في المنفى، أو فاز بجائزة نتيجة رقم هاتفه المميز، ثم تنتهي القصة بان يطلب المرسل مبلغاً من صاحب الهاتف كرسوم تحويل، فإذا صدقه وحول المبلغ «يخلع» النصاب ويفتش على ضحية جديدة.
هنا، نحن أمام قصة تبدو حقيقية عبر «الحسابات النائمة»، لذلك بدأ البعض يتصل من خارج الكويت، ويقول أحد العراقيين لمحامين ومواطنين إنه عمل طويلاً في «الديرة» لكنه رحل قبل الغزو العراقي. وترك في فرع بنك (...) في الشويخ 800 مليون دينار، ثم يرفق قوله بوثائق مزيفة، تتحدث عن حسابه المصرفي، ويعد من يفترض ان يساعده بنسبة تصل إلى خمسة ملايين دينار في حال اعاد له الحساب... لتنتهي القصة بأن يطلب ممن يساعده 100 ألف دولار، «سيتنازل» له عنها، إذا نجح في سحب أمواله الخاملة بـ«توكيل» نيابة عنه.
وعلى قاعدة «أنا اسمي موجود»، اتصل أحد النصابين الظرفاء من دولة أوروبية بمواطن طالبا مساعدته في استرداد ثروته الخاملة في بنك «ليمان براذرز» فرع الكويت، الحديث بينهما في هذا الخصوص بدأ بمعلومة غامضة، وانتهى باتفاق، على توكيل المواطن من قبل محدثه، لاسترداد أكثر من 150 مليون دينار خاملة بحسابه، مقابل 15 في المئة لا يمانع هذا الثري دفعها للمواطن إذا نجح في تحريك أمواله إلى الخارج حيث يستقر منذ 30 عاماً.
ومن الواضح أنه وسط زحمة تفكير المواطن بصفقة العمر وبمستقبله الاستثماري والاجتماعي، لم ينتبه إلى أنه لا يوجد في الكويت بنك يسمى «ليمان براذرز»، وان هذا البنك أفلس عقب الأزمة المالية العالمية التي حدثت في 2008.
ليس مفيداً الخوض في أسماء كل مليونير وهمي لديه اموال مهملة في الكويت، أو كل مواطن تجاوب قليلاً قبل أن يكتشف «النصبة»، بل يمكن القول إن حركة الاتصالات مازالت مستمرة من أشخاص يدعون أن لديهم أموالاً خاملة في بنوك كويتية، وانهم على استعداد لدفع فدية لتحريرها دون حضورهم، بذريعة أن لديهم ظروفا قانونية أو سياسية لا تسمح بعودتهم إلى الكويت ولو موقتاً لتنشيط حساباتهم الخاملة وتحويل أموالهم.
وقد تكون قصة العراقي «المسكين» الذي يسعى إلى استرداد أمواله المهملة في أحد البنوك المحلية هي الأكثر صيتاً أخيراً بعدما تنقل بين أكثر من مواطن لمساعدته في الحصول على ثروته النائمة، انما ليست الوحيدة، وكونها كذلك فقد اضطر أحد البنوك المحلية مع كثرة المطالبات بفك الحجز على أموال هذا العراقي، إلى نفي وجود أي حساب مصرفي للتاجر العراقي المزعوم دون أن ينسى إرفاق كتاب رسمي يثبت تأكيداته.
بالطبع قصة الحسابات الخاملة ووجود نحو نصف مليون حساب في البنوك الكويتية، بعضها يتضمن الملايين، لم تتلق أي اتصال «جدي» من أصحابها، تزيد من إثارة النقاش، خصوصاً عندما يستغل البعض عدم توافر أي بيانات في شأن ملّاك بعض الحسابات منذ أكثر من 20 سنة لإعادة نبشها أو أقله الحصول على بعض الأموال المجانية من جيوب الطامحين في الغناء السريع.
لكن هذه القصص ربما تكون مناسبة للتحرك رقابياً نحو إيجاد حلول مناسبة تعالج الحسابات المصرفية المهملة، والتي يمكن أن تستغل في مخالفات قانونية عديدة، من أهمها عمليات غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، علماً بأن بنك الكويت المركزي قام قبل فترة بوضع معايير للتعامل مع الحسابات غير النشطة لفترات معينة، بعدما اشتكت المصارف من تحمل كلفة حسابات غير فاعلة.
يذكر أن الناظم الرقابي أقر قبل فترة ضوابط، سمحت للبنوك بتجميد حسابات التوفير و«الراتب» و«الجارية»، الخالية من أي أموال «زيرو رصيد»، إذا لم يجر عليها أي حركة خلال 180 يوماً، وغلق حسابات التوفير والراتب والجارية، التي تتضمن أموالاً مهملة لفترة متواصلة تصل لـ 913 يوماً، على أن يتم ترحيل أصولها إلى حسابات أخرى خاصة، حفاظاً على حقوق العملاء إذا ظهروا.
أما الحسابات المرتبطة بودائع، فيتم تجميدها في حال تجاوزت المهلة المحددة، لكن لا يغلقها البنك، كونها مخزناً للعوائد.
وبهذه التعليمات تحققت فائدة مزدوجة، أولها تكون البنوك قد تخلصت من دفع أي كلفة على حسابات من دون رصيد، غير فاعلة، ويكون «المركزي» أكثر صلابة في مواجهة تحرك الأموال المشبوهة، لكنها تظل غير كافية في مواجهة عمليات النصب الدولية.