قبل نحو ربع قرن، صدر قانون التأمين الصحي كشرط أساسي لمنح الوافدين الإقامة في الكويت، وقد نص في بعض بنوده على أن الكفيل ملزم بدفع قيمة التأمين الصحي. ومع ما صاحب القرار، من لغط واستنكار من بعض الحقوقيين وأخواننا الوافدين، إلا أن القرار تم تطبيقه بصورة عوراء ظالمة في الغالب، حيث يلزم كثير من أصحاب الأعمال موظفيهم على دفع قيمة التأمين الصحي السنوي كشرط للحصول على الإقامة، وكانت القيمة آنذاك 50 ديناراً عن كل شخص مقيم، مقابل تمتع الوافد بكامل الخدمات الصحية في المراكز الطبية الحكومية، وممن شملهم القانون، كذلك حملة إقامات مادة 22 الالتحاق بعائل، قبل أن يتم تخفيض التأمين على الزوجة ليصبح 40 ديناراً والأبناء 30 ديناراً لكل طفل يقل عمره عن 18 عاماً.
ومما زاد من الظلم أن قرار وزارة الصحة الأعور نص على استيفاء مبلغ 5 دنانير فقط قيمة التأمين الصحي لفئة خدم المنازل ومن في حكمهم مقابل كل سنة إقامة، ولا أعلم سبباً منطقياً لهذا الفارق الكبير بين قيمتي التأمين للعاملين في القطاع الأهلي والعاملين في المنازل ما دام الكفيل ملزماً بدفع قيمة التأمين، ومع أني ضد فرض هذه الرسوم الجائرة بالمجمل والتي يمكن اعتبار أن قيمة التأمين الصحي التي يتم تحصيلها كافية وتغني عنها، خصوصاً وأن المادة 15 من الدستور الكويتي تنص على «تعنى الدولة بالصحة العامة وبوسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة» ولم تخصص المادة الدستورية المواطنين فقط كما في المادة 40 من الدستور حيث نصت على أن التعليم حق للكويتيين.
بل كانت المادة 29 من الدستور واضحة دون لبس حيث تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين».
والعلاج حق أصيل للإنسان بصرف النظر عما إذا كان مواطناً أو مقيماً ترعاه الدولة وتتكفل به.
لكني أتساءل من باب أن «الظلم بالسوية، عدل بالرعية».
واليوم جاء قرار وزير الصحة الدكتور جمال الحربي بفرض رسوم صحية جديدة تثقل كاهل الوافدين بهدف تحسين الخدمات الصحية للمواطنين والوافدين حسب ما فهمته من التصريحات الإعلامية المتعددة لمنتسبي وزارة الصحة.
نعم، كلنا يقرُ أن هناك تراجعاً ملحوظا في الخدمات الصحية الحكومية المقدمة للكويتيين والمقيمين، لكن، وآه من لكن، من قال إن فرض رسوم صحية جديدة ظالمة وغير منطقية سيحسن من تقديم الخدمات الصحية؟!
الواقع يشهد أن المشكلة الأساسية تكمن في سوء الإدارة وعدم ضبط المصروفات في ميزانية وزارة الصحة، وأوجه الهدر غير المبررة كثيرة جداً، ولو التفت إليها معالي الوزير ومستشاروه وبذلوا جهداً حقيقياً لمعالجتها لتحسن الأداء وتجنبنا ظلم الناس وتحميلهم ما لا يطيقون.
اللجوء إلى فرض الرسوم على المقيمين هو الحل الأسهل الذي يكشف عن وجود علة مزمنة في التفكير الإداري المترهل في البلاد، ويمثل هروباً سلبياً إلى المجهول بدلاً من مواجهة أصل المشكلة ومعالجتها.
المطلوب يا معالي الوزير أن يتم مواجهة المشكلات التي أوصلتنا إلى هذا التراجع المؤلم في الخدمات الصحية ومعالجتها، لا بقرارات تدغدغ بها عاطفة المواطنين ليكتشفوا بعد فترة من الزمن قد تطول أنهم وقعوا ضحايا لخديعة وعود عجز إداري ورؤية قاصرة في إصلاح أهم الخدمات الواجب على الدولة تقديمها لمواطنيها.
حالة التصفيق المضللة التي انتشرت صبيحة يوم الأحد 1 /10 /2017 لقرار تطبيق الرسوم الصحية على الوافدين بسبب انتشار فيديوهات تكشف عن خلو بعض المستشفيات من المراجعين، معيب في حق مواطنينا قبل الوافدين لأنها حلقة في سلسلة تغييب الوعي المتعمد، فخلو المستشفيات من المراجعين لم يكن بسبب فرض الرسوم الجائرة وإنما خضوعاً لقرار سابق صدر من الصحة يمنع أخواننا المقيمين من مراجعة المستشفيات الحكومية في الفترة الصباحية.
آمل من معالي الوزير الذي تستأثر وزارته باستقطاع مئات الملايين من ميزانية الدولة، أن يعيد النظر في سياسة إدارته للوزارة وألا تكون القرارات الصادرة منه خاضعة لضغط شعبي غير منطقي، وأن يسعى جاهداً إلى وقف صنبور الهدر الذي تستفيد منه فئة قليلة على حساب الخدمات الصحية المقدمة للمواطن والمقيم كي تعود للكويت ريادتها في العلاج واحترام كرامة الإنسان وحقوقه التي كفلتها له الشرائع السماوية والقوانين الأرضية للحفاظ على حياته.