في ظل استمرار التوجه الحكومي نحو فرض الرسوم على الوافدين وزيادة أسعار السلع والخدمات وتحميلهم جزءا من أعباء عجز الميزانية التي تعاني منها البلاد منذ تراجع أسعار النفط، شهد نمو أعداد الوافدين أدنى معدلات له منذ عام 2000 مسجلا نسبة نمو في النصف الأول %0.4 فقط، مقارنة مع %4.1 خلال عام 2015، ونمو مركب يقدر بنحو %3.9 خلال الأعوام العشر الماضية. و
لتراجع اعداد غير الكويتيين آثار سلبية عدة على بعض القطاعات التي شهدت كسادا نسبياً خلال الفترة الأخيرة وأبرزها القطاع العقاري الذي يعتبر ضمن اهم القطاعات الاقتصادية في البلاد كونه يساهم في تحريك وتوظيف مليارات الدنانير سنويا.
تجار العقار أكدوا أن الضغوط التي يواجهها الوافد من قبل الحكومة منذ تراجع أسعار النفط والتي كان أولها رفع أسعار البنزين ثم رسوم الماء والكهرباء وحاليا الخدمات الصحية، ناهيك عن التشدد في منح الإقامات والزيارات العائلية وكذلك منح رخص القيادة وغيرها الكثير من إجراءات… كانت سببا في ارتفاع مستوى الأعباء وتراجع الدخل الصافي للوافد، الامر الذي انعكس سلبا على القطاع العقاري بشكل عام، لا سيما الاستثماري والتجاري، حيث يتوقع أهل العقار أن يؤثر هذا الوضع في قرارات المستثمرين، إذ سيبتعد بعضهم عن تطوير العقارات خلال الفترة المقبلة لتفادي الخسائر، خصوصا في ظل تأثر القطاع الخاص بالوضع الاقتصادي العام وتراجع أرباح بعضه وتحقيق البعض الآخر لخسائر مما دعا بعض الشركات ومؤسسات القطاع الخاص إلى الاستغناء أيضا عن بعض موظفيه، وهو ما كان له أثر مضاعف أيضا على القطاع العقاري.
في البداية، قال امين سر اتحاد العقاريين قيس الغانم ان اعتماد الكويت على النفط كمصدر اساسي للدخل كان له بالغ الأثر السلبي على مختلف القطاعات منذ بداية موجة تراجع اسعار النفط، حيث تأثرت حركة التنمية بشكل ملحوظ وتراجع الصرف الحكومي على المشاريع التنموية الكبرى، الأمر الذي انعكس لا محال على سياسة الدولة في استقدام العمالة الوافدة، بالإضافة إلى أنها اتجهت نتيجة الظروف الاقتصادية إلى فرض سياسة التكويت، ورفع رسوم الخدمات والسلع المدعومة، وهو ما انعكس على الوافد الذي وجد ان وجود اسرته معه بات مكلفا، ودفعه إلى العيش أعزب لتوفير المصاريف التي زادت دون ان يقابلها رفع للرواتب، ما كان له بالغ الأثر في السوق العقاري، لا سيما الاستثماري، حيث تراجعت نسب الإشغال به بشكل ملحوظ وانعكس ذلك على قيم الإيجارات التي شهدت أيضا تراجعا خلال الفترة الأخيرة، مما كان له أيضا انعكاس ملحوظ على العوائد التي باتت متأثرة بالوضع العام.
وبين الغانم أن الأرقام المعلنة غير حقيقية، خصوصا أن أغلب الأسر التي تركت الكويت لم يسقطوا إقاماتهم بعد، نظرا لأن القانون في الكويت يسمح بتغيب الوافد 6 أشهر خارج البلاد دون إسقاط الإقامة، لذلك فإن الأرقام الحقيقية أقل من المعلنة، أي أن نسبة النمو الحقيقية هي أقل من المعلنة البالغة %0.4، مشيرا إلى أن هذا الوضع تم توقعه منذ بداية فرض الإجراءات على الوافد. وكان البعض يهاجم التصريح بمثل هذه الوقائع تخوفا من تأثيره على السوق العقارية، واليوم باتت حقيقية ومن المتوقع أن تتفاقم خلال الفترة المقبلة، وأن تكون المنافسة بين الملاك في تقديم صيانة أفضل وبنايات تحظى بجذب المستأجرين من خلال ما تقدمه من خدمات.
أما قطاع العقار التجاري فسيتأثر أيضا بسبب تراجع معدلات الاستهلاك، خصوصا في ظل انخفاض معدلات السيولة لدى الوافد، إذ لن يكون الشراء ضمن أولويات بعض الشرائح المتدنية الدخل، كما سترتفع التحويلات النقدية الخارجية ويقل الصرف الداخلي.
من جانبه، قال امين سر الاتحاد الكويتي لمقيمي العقار بدر مناحي العصيمي إن الطلب خلال الفترة المقبلة سيتركز على الوحدات الصغيرة، التي تشمل الاستديوهات والشقق ذات الغرفة والصالة، خصوصا بعدما أقدمت شريحة من الأسر الوافدة على العودة إلى بلادها ويبقى فقط رب الأسرة في الكويت نظرا لارتفاع مستوى المعيشة الذي وصل إلى درجة معينة من الغلاء بالنسبة لهؤلاء، الأمر الذي سيكون له انعكاسات على نسب الإشغال في البنايات التي تحظى بوحدات ذات مساحات وعدد غرف كبيرة، وهذا ما بدأ بالفعل يظهر في السوق حاليا.
ولفت العصيمي إلى تراجع أسعار العقارات الاستثمارية بنسب تراوحت ما بين 25 و30 في المئة منذ بداية تراجع أسعار النفط، وإلى تأثر العوائد الناتجة عنه لتتراوح ما بين %8 و%9، متوقعا أن يستمر التأثير خلال عام 2018 إذا لم يطرأ اي جديد على المعطيات الحالية التي تشهدها السوق العقارية.
وتطرق العصيمي إلى تراجع المشاريع الحكومية بشكل كبير، التي عادة ما تحتاج إلى الوافدين لتنفيذها، حيث انحسرت مشاريع مختلف الوزارات خلال الفترة الأخيرة وتراجعت بنسب بلغت %70 و%80، خصوصا في ظل عجز ميزانية الدولة الذي بلغ نحو 8 مليارات دينار وفقا للتصريحات الصادرة عن وزارة المالية، كما تبقى الرؤية ضبابية لدى الحكومة، ولا توجد استراتيجية مستقبلية ذات بعد اقتصادي تساهم في حل أزمة الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد في ظل استمرار تراجع أسعار النفط.