خلال العقود الماضية، لعب المعلمون الوافدون دوراً هاماً وحيوياً في العملية التعليمية بدولة الكويت وشاركوا في تأسيس أجيال متعاقبة، غير أن تغيّر الظروف وظهور البطالة بين المواطنين دفعا الحكومة إلى العمل على تقليص أعداد هؤلاء المعلمين واستبدال آخرين كويتيين بهم، خاصة بعد ارتفاع أصوات الوافدين المطالبة بتحسين ظروفهم، في وقت تحمّل تقارير حكومية مسؤولية تدني مستوى التعليم للوافدين من جنسيات بعينها.
ومؤخراً، بدأت وزارة التربية الكويتية تنفيذ سياسة إحلال تبدأ نهاية العام الدراسي الجاري (2017 – 2018)؛ سعياً لتوطين 25% من وظائفها من خلال إنهاء خدمات الوافدين في بعض التخصصات التي تعاني فائضاً في المعلمين الكويتيين والخليجيين، حسبما نشرت صحيفة "السياسة" الكويتية، في 14 فبراير/شباط.
وفي خطوة أولى سابقة، حصرت وزارة التربية الكويتية، خلال العام الماضي، أسماء عدد من المعلمين؛ لإنهاء خدماتهم، إلا أنها تراجعت لحاجتها لهم، إلا أن قائمة المشمولين حالياً تركز على المعيّنين القدامى، ومن سبق التعاقد معهم قبل عام 2013، والذين تجاوزت مدة خدمة غالبيتهم الـ34 عاماً.
وخلال العام نفسه، وضعت الوزارة خطَّة للاستغناء عن عدد من المعلمين الوافدين مطلع العام الدراسي المقبل واستبدال كويتيين بهم، في محاولة للإسهام في حل مشكلة البطالة، وفق ما صرح به وزير التربية والتعليم الكويتي بدر العيسى.
الخطوة لا علاقة لها بمسألة تعديل التركيبة السكانية في الكويت والتي يمثل الوافدون غالبيتها، غير أن الوافدين الذين لا يتوافر كويتيون لتغطية المواد التي يقومون بتدريسها سيستمرون في وظائفهم، بحسب الوزير الكويتي.
- توطين تدريجي:
بدوره، قال مطيع العجمي أمين سر جمعية المعلمين الكويتية، في تصريح له: "تعلَّمنا على أيدي المعلمين الوافدين الذين لهم عطاء كبير في الميدان التربوي ولهم دورهم في نهضة التعليم. أما موضوع تكويت التخصصات التي بها فائض، فهذه سياسة دولة للاهتمام بالعنصر الوطني وهي سياسة موجودة في كل الدول".
وما زالت الوزارة بحاجة للمعلمين الوافدين في بعض التخصصات التي تمَّ الشروعُ في إجراءات التعاقد بها، "ونقدر عطاء المعلمين الوافدين. أما الاستغناء من عدمه، فيرجع لحاجة الوزارة"، وفقاً للعجمي، الذي أكد أن "المواطنين هم الأولى بالتوظيف، ليس فقط في التدريس، وإنما في المجالات كافة".
-خطوات عملية:
خطوة تنفيذ سياسة الإحلال هذا العام سبقتها خطوات، حيث قالت الوزارة، أواخر عام 2015، إنها ستخفض عدد المعلمين الوافدين العاملين في مدارسها العام المقبل بنسبة تتراوح ما بين 20% و25% في بعض التخصصات الدراسية التي بها فائض من المواطنين الكويتيين والخليجيين والبدون الذين سيشغلون الوظائف التي سيتركها تسريح المعلمين الوافدين.
كما أوقفت الوزارة، في يونيو/حزيران من العام الماضي، التعاقد مع معلمين ومعلمات من غير الكويتيين للعمل كمعلمين في مدارس البلاد للعام الدراسي المقبل 2017/2016؛ بسبب توافر احتياجاتها كاملة.
وشمل القرار جميع التخصصات في سلك التدريس (تربوي، غير تربوي)، كما أنه شمل جميع الدول العربية التي اعتادت الكويت التعاقد مع معلميها مثل مصر والأردن، بحسب صحف كويتية.
صحيفة "السياسة"، نقلت عن مصادر تربوية، أن "الوزارة انتهت من حصر أسماء ما يفوق 450 معلماً، و150 رئيس قسم وموجهاً فنياً؛ تمهيداً لإصدار قرارات إنهاء خدماتهم".
المصادر نفسها أوضحت أن "إنهاء الخدمات سيشمل 4 تخصصات دراسية في مراحل التعليم العام كافة بمختلف المناطق التعليمية؛ وهي: الاجتماعيات، والعلوم، والتربية الإسلامية، والحاسب الآلي؛ وهي التخصصات التي يوجد بها فائض كبير من المعلمين والخرّيجين الكويتيين والخليجيين".
وأكدت المصادر أيضاً أن قطاع الشؤون الإدارية "أعدّ كشوفاً بأسماء من ستُنهى خدماتهم؛ تمهيداً لرفعها إلى الوكيل المساعد لقطاع التعليم العام فاطمة الكندري، ومن ثم اعتمادها من وكيل الوزارة، على أن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، وإبلاغ المعنيّين القرار في مارس/آذار المقبل، لينتهي دوامهم في 7 يوليو/تموز المقبل".
والأسبوع الحالي، حمَّلت لجنة الميزانيات البرلمانية، في تقريرها الفني، مسؤولية تراجع جودة التعليم في الكويت إلى "المعلمين الوافدين من جنسية معينة"، لكن نواباً بددوا مخاوف المدرسين الوافدين من الاستغناء عنهم بمعلمين فلسطينيين، مؤكدين أن التنويع ضروري في المدارس التعليمية، "والمدرس الكفؤ لا خلاف على وجوده بغض النظر عن جنسيته".
لكن النواب طالبوا أيضاً بـ"التركيز على المعلم الكويتي في الفترة المقبلة وتطوير مستواه ومنحه الثقة الكاملة".
النائب وليد الطبطبائي طالب باستقطاب معلمين فلسطينيين، سواء من الأردن أو من الضفة الغربية أو من قطاع غزة، مع الإبقاء على كل معلم مجدٍّ وذي كفاءة بصرف النظر عن جنسيته، لافتاً إلى أن "هناك ارتباطاً وجدانياً كويتياً بالمعلم الفلسطيني الذي كان حاضراً بكثافة في سنوات جودة التعليم وتميز الطلبة".
الطبطبائي، أبدى استغرابه من تحميل المعلمين الوافدين مسؤولية تدني مستوى التعليم لنظرائهم الكويتيين، بحجة أن وزارة التربية قامت بتكويت المرحلة الابتدائية، موضحاً أن "مجلس الخدمة المدنية أقرَّ قبل 10 سنوات كادر المعلمين وأن أي معلم يخلُّ بعمله سيتم استبعاده".
بدوره، أبدى رئيس اللجنة التعليمية محمد الحويلة، ترحيبه بأي معلم جيد من الدول العربية، مؤكداً ضرورة وضع شأن خاص للمعلم الكويتي وكذلك من يعيش على أرض الكويت.
وأكد الحويلة أن "أبواب الكويت مفتوحة للجميع، ولكن متى كانت هناك كفاءة فبالتأكيد سينافس في الحصول على فرصة العمل بالكويت. نؤكد أهمية أن تكون الشروط والمعايير الخاصة بعملية استقدام المعلمين دقيقة في قبول الكفاءات التي تسهم في تطوير العملية التعليمية"، مشدداً على ضرورة "وضوح المعايير في قبول المعلمين، سواء للكويتي أو للوافد".
ولا يختص التعليم بجنسية المعلم، "إنما بكفاءته وقدرته على ايصال المعلومة للطالب"، بحسب النائب مبارك الحجرف، الذي طالب بـ"التركيز على المعلم الكويتي وتطوير مستواه التعليمي؛ لأن الاعتماد عليه أفضل بكثير من استقطاب معلمين من الخارج".
ووفقاً للمجموعة الإحصائية للتعليم، يبلغ عدد المعلمين الوافدين في تخصص الحاسب الآلي 1491 معلماً، مقابل 1536 كويتياً، وفي التربية الإسلامية هناك 1638 وافداً، مقابل 4862 مواطناً، وفي الاجتماعيات يوجد 989 وافداً، مقابل 4456 كويتياً، فضلاً عن 3070 وافداً، مقابل 3822 من المعلمين الكويتيين في مادة العلوم.
وبلغ إجمالي عدد المعلمين في الكويت 61 ألفاً و595 معلماً ومعلمة، منهم 37 ألفاً و227 معلماً من الكويتيين، و24 ألفاً و368 معلماً ومعلمة من الوافدين يمثلون 40% من المعلمين في البلاد.
وأعلنت وزارة التربية الكويتية أنها اعتادت التعاقد سنوياً مع 400 إلى 500 معلم من مصر، موضحة أنه سيتم تقليص هذا العدد إلى 200 معلم فقط وفي تخصصات نادرة، على أن يتم سد النقص من دول أخرى.
وكانت الكويت أنشأت مجلس المعارف عام 1936؛ بعد ازدياد عدد المدارس، وكان هذا المجلس نواة تكوين وزارة التربية. وفي عام 1936، تم جلب أربعة مدرسين فلسطينيين كانوا بداية التعليم الحديث في الكويت.