في الوقت الذي يعاني فيه سوق العمل المحلي من فجوة كبيرة في معدل النمو السنوي للعمالة الوافدة والتي وصلت زيادتها لأكثر من ضعفي معدل نظيرتها من العمالة الكويتية، وفق ما أشار تقرير الربع الأخير للسنة الماضية والذي يؤكد أن إجمالي قوة العمل بلغ 1.965.381 يمثل الكويتيون منهم 354.806 عمال مقابل 1.610.575 عاملاً وافداً.

وفيما لاتزال في الطرف الآخر قضية تعديل التركيبة السكانية منذ سنوات «مكانك راوح»، وخصوصاً في ظل التأثير السلبي لمحورها الرئيسي «العمالة الهامشية السائبة» على المستويين الأمني والاجتماعي، وأيضاً على سوق العمل في الوقت الذي تتجه فيه الدولة نحو تطبيق خطتها التنموية الطموحة، كشفت آخر الإحصائيات الرسمية أن ملامح العمالة الوافدة في الكويت يمكن وصفها بـ«الذكورية» بامتياز، حيث يشكل «الذكور» ما نسبته 68 في المئة من إجمالي عدد الإقامات الممنوحة في العام 2016 والذي يبلغ 2.697.195 إقامة، وقد زاد عددهم خلال ست سنوات إلى 465.840، في حين أن العام الماضي فقط بلغ حجم الزيادة السنوية نحو 104.097 إقامة.

وأكدت نتائج الإحصائية تضاعف عدد الذكور في إقامة المادة (18) العاملين في القطاع الخاص على عدد الإناث بنحو خمسة أضعاف للعام 2016 فقط، بحيث بلغت نسبتهم نحو 68.32 في المئة من إجمالي الإقامات الحالية مقارنة بالإناث التي بلغت نسبتهن 13.33 في المئة فقط.

ووفقا لنتائج الإحصائية، فإن عدد الإقامات والذي بلغ في العام 2016 نحو 2.697.195 ستكسر حاجز الثلاثة ملايين خلال السنوات الأربع المقبلة، حيث من المتوقع أن تصل إلى 3.125.895 إقامة.

ولهذا فإن «الذكور» الذين يسيطرون حالياً على نصيب الأسد في إجمالي الإقامات الحالية بعدد 1.843.576 إقامة مقابل 853.619 للإناث من الطبيعي أن يزداد عددهم بشكل كبير جداً مقارنة مع الإناث اللاتي لن يستطعن خلال 6 سنوات تجاوز حاجز الـ 147 ألفاً.

وفيما أكدت الأرقام والإحصائيات أن عملية احتواء مشكلة التركيبة السكانية هي صعب على أرض الواقع وخاصة في ظل التزايد المستمر في حجم العمالة وعدد الإقامات الممنوحة سنوياً، فإن اللجنة العليا لدراسة تعديل التركيبة السكانية الوزارية لا تزال تسعى منذ سنوات لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة وذلك دون الإعلان عنها بشكل رسمي.

وأمام هذا التباطؤ الحكومي في حل التركيبة السكانية، بدأ مجلس الأمة ممثلاً في أعضائه التحرك من أجل إيجاد الطرق المناسبة للتعامل مع هذه القضية، حيث تقدمت اللجنة التشريعية البرلمانية باقتراح قانون لإنشاء اللجنة العليا لمتابعة التركيبة السكانية، وخصوصا بعد عدم اكتمال النصاب في جلسة مناقشة التركيبة السكانية التي عقدت في فبراير الماضي واتهام الأعضاء لـ«الحكومة» بأنها المسؤولة في تفاقم المشكلة وعدم انعقاد الجلسة رغم أهميتها.

وتناولت خلاصة اقتراح القوانين المقدمة أنه لو نجحت الحكومة في استبعاد العمالة الزائدة عن الحد الذي تعادل فيها نسبة المواطنين نسبة الوافدين أو تزيد عليها وخاصة العمالة «الهامشية والسائبة وضحايا تجار الإقامات وأصحاب المشاكل»، والمقدرة أعدادهم بما لا يقل عن مليون وافد، فسوف تنخفض النسبة من «مواطن لكل 2.5 وافد إلى مواطن لكل 1.5 وافد تقريباً» خلال مدة لا تزيد على خمس سنوات.

وبالفعل، هذا ما أكدت عليه الدراسة التي أعدتها إدارة الدراسات والبحوث في قطاع البحوث والمعلومات بمجلس الأمة حول التركيبة السكانية في الكويت، والتي أشارت إلى أن الخلل الذي تعاني منه التركيبة السكانية ليس فقط في عدم التوازن بين أعداد كل من المواطنين والوافدين الذين يصل عددهم إلى «مواطن واحد مقابل 2.2 وافد»، ولكن أيضاً للزيادة في عدد الوافدين والتي أغلبها عمالة هامشية وسائبة، وأن كل من دخل الكويت كان بتأشيرة مصدق عليها من الجهات الرسمية وأغلبها بالطبع للعمل، إلا أن كل وافد في الكويت ليس على رأس عمله!

وخلصت الدراسة التي أعدت العام 2014 إلى أنه لو نجحت الحكومة في استبعاد العمالة الزائدة عن الحد (الهامشية والسائبة وضحايا تجار الاقامات وأصحاب المشاكل) والمقدرة أعدادهم بـ 800 ألف وافد، فسوف تنخفض النسبة من مواطن لكل 2.2 وافد إلى مواطن لكل 1.4 وافد، وبذلك تتوازن وتتحسن كثيراً التركيبة السكانية، ناهيك عن الإجراءات والسياسات الحكومية المزمع تطبيقها للتعامل من إفرازات هذه القضية على الجوانب السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية.

وخرجت الدراسة بثماني توصيات متكاملة للتصدي لهذه المشكلة ومعالجتها بطريقة جذرية وفعالة منها إنشاء هيئة عامة مستقلة للعمالة تكون تابعة لرئاسة الوزراء، ووضع سياسة عمالية وفق تحديد الاحتياجات الفعلية من التخصصات المطلوبة من العمالة الأجنبية، ومواصلة تكثيف جهود وزارة الداخلية في تنظيم دخول العمالة من المنافذ الحدودية والمطارات، وتطبيق كل الإجراءات التي تكفل أمن البلاد.

كما أوصت الدراسة بمحاسبة المؤسسات والشركات التي يتبين لدى الهيئة أنها تجلب عمالة أكثر من الحاجة الفعلية المقررة لها، كذلك معاقبة الشركات والجهات التي جلبت عمالة هامشية زائدة عن الحد، واستصدار قانون جزائي يُجرم الاتجار بالإقامات مع تشديد العقوبة على مرتكب هذه الجريمة.

وفي المقابل، نجد أن هذه القضية كانت حاضرة أيضاً وبقوة في الرؤية الاستراتيجية للدولة حتى عام 2035 والذي تتضمن خمسة أهداف، حيث نص الهدف الرابع منها علي تطوير السياسات السكانية لدعم التنمية، من أجل تنظيم النمو السكاني بشقيه الكويتي وغير الكويتي بشكل رئيسي بما يحسن التركيبة السكانية لمصلحة المواطنين.

وتطرقت الرؤية إلى تفاصيل تحقيق ذلك الهدف بشكل متكامل، حيث شددت علي ضرورة إحداث نقلة نوعية في تركيبة سوق العمل المحلي عبر الأساليب والمهارات المهنية الحديثة لتحسين قوة العمل في القطاعين العام والخاص، وتطوير وتأهيل وتدريب قوة العمل الوطنية لدعم التنمية بالكوادر الوطنية المدربة، إلى جانب تحسين نوعية وإنتاجية العمالة الوافدة من خلال تطبيق آليات وتشريعات مختلفة.