كثر السؤال عن حكم قضاء ما فات الأموات من واجبات ، وهل ينتفعون بما يهدى إليهم من قربات ؟

الجواب
الواجبات التى لم يؤدها الميت ديون عليه ، وهى نوعان : ديون للعباد، وديون لله ، فأما ديون العباد فالإجماع على مشروعية قضاء الحى لها عن الميت ، والأخبار الصحيحة كثيرة فى خطورة الديْن وأثره على الميت ، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا جاءت جنازة ليصلى عليها سأل : هل عليه دين أم لا ، فإن كان عليه دين لم يصل عليه . وجاء الخبر بأن رحمة اللّه معلقة عن الميت حتى يُقضى عنه دينه وسيجىء قول النبى صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن قضاء الحج عن أمها : "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته "؟رواه البخارى .
وأما حقوق الله كالعبادات فإليك بعض ما ورد فيها من نصوص وما فهمه العلماء منها :
(1) الصلاة :
الصلاة عبادة بدنية محضة ، لم يرد نص خاص عن النبى صلى الله عليه وسلم بجواز قضائها عن الميت ، والوارد هو عن بعض الصحابة ، فقد روى البخارى أن ابن عمر رضى اللّه عنهما أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء-يعنى ثم ماتت -فقال : صلى عنها . وروى ابن أبى شيبة بسند صحيح أن امرأة قالت لابن عباس رضى اللّه عنهما : أن أمها نذرت مشيا إلى مسجد قباء ، أى للصلاة ، فأفتى ابنتها أن تمشى لها .
وأخرجه مالك فى الموطأ أيضا .
والصلاة المرادة هنا صلاة نفل نذر أداؤها فى قباء فوجبت ولزمت ، ومن هنا رأى بعض العلماء جواز قضاء الصلاة عن الميت ، سواء أكانت مفروضة أصلا أم منذورة ، لكن الجمهور قال بعدم جواز قضاء المفروضة . ونقل ابن بطال الإجماع على ذلك ، ومع عدم التسليم بهذا الإجماع ، فإن الجمهور رد استدلال القول المجيز للقضاء بأن النقل عن ابن عمر وابن عباس مختلف ، فقد جاء فى موطأ مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا يصلى أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائى عن ابن عباس مثل ذلك القول . ولكن لعل المنع فى حق غير المنذورة .
وقال الحافظ : يمكن الجمع بين النقلين بجعل جواز القضاء فى حق من مات وجعل النفى فى حق الحى (نيل الأوطار ج 9 ص 155 ) وبهذا يعلم أن ما يعمله بعض الناس مما يسمى بإسقاط الصلاة عن الميت غير مشروع ، والواقع أن الله سبحانه وتعالى جعل أداء الصلاة من اليسر بحيث تصح بأية كيفية من الكيفيات عند العجز ، حتى إنه لم يسقطها عن المجاهد وهو فى ساحة القتال أثناء المعركة ، وعن المقيد بالأغلال واكتفى بما يستطاع ولو بالإيماء ، فقول الجمهور بعدم جواز قضائها عن الميت هو المختار للفتوى ، ولا يصح غيره ، حتى لا يكون هناك تهاون بعمود الدين .
(ب ) الصيام .
الصيام عبادة بدنية أيضا إذا تركه الميت وكان قادرا على أدائه ، جاء فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم : "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " رواه البخارى ومسلم . وروى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه ، أمى ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال : "نعم فدين الله أحق أن يقضى" وبناء على هذا قال الشافعية والحنابلة بجواز قضاء الصوم من الولى، بل قالوا باستحبابه ، وبجوازه من الأجنبى إن أذن الولى، لكن الأحناف والمالكية قالوا : إن وليه لا يصوم عنه ، بل يطعم مدا عن كل يوم. وحجتهم أن الصيام عبادة بدنية كالصلاة لا تقبل النيابة ، لكن النووى قال فى جواز القضاء : إنه هو الصحيح المختار والنصوص تشهد له .
(ب) الزكاة :
الزكاة ، وأطلق عليها اسم الصدقة أحيانا ، عبادة مالية محضة ، فيها حق لله وحق للعباد، وقضاؤها عن الميت قضاء لدين الله ودين العباد، والقول بجواز ذلك لا ينبغى الخلاف فيه ، وتقدم أن دين العباد مفروغ من جواز قضائه ، وحق الله أولى أن يقضى . وروى مسلم وغيره أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : أن أبى مات وترك مالا ولم يوص ، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال : (نعم) والتعبير بقوله : "فهل يكفر عنه " يفيد أن ما فات الميت كان واجبا عليه ، إما زكاة وإما صدقة منذورة . وروى البخارى ومسلم أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم : إن أمى افتلتت نفسها -ماتت فجأة- وأراها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها من أجر إن تصدقت عنها؟ قال : (نعم) وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات وعليه نذر مالى يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص . إلا إذا وقع النذر فى مرض الموت فيكون من الثلث .
وشرط المالكية والحنفية أن يوصى بذلك "نيل الأوطار ج 8 ص 156 " .
(د) الحج :
الحج عبادة بدنية ومالية معا ، ورد فى قضائه حديث البخارى أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها؟ قال : (حجى عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء) . وإذا كان الحج المنذور يجب قضاؤه عن الميت فالحج الواجب أصلا على المستطيع الذى لم يقم به يكون قضاؤه واجبا . ووجوب القضاء عنه لا يحتاج إلى وصيته بذلك ويجب إخراج الأجرة من رأس المال ، وهذا هو قول الجمهور، تغليبا للجانب المالى فيه كالزكاة والكفارة ونحوهما ، وقال مالك : يشترط أن يوصى الميت بذلك ، وإذا أوصى حج عنه من الثلث