العمل الثقافي عمل خدمي تنفق عليه الدولة الملايين كل عام وخزانة الدولة المنوط بها هذا الانفاق ضمن المخصصات السنوية بالموازنة والموزعة علي الوزارات المختلفة وكذلك كل المحافظات وربما العمل الثقافي أكثر شأناً وأهمية وتأثيراً من الوزارات المختلفة كالتعليم والتعليم العالي. والعمل الثقافي إذا كان إيجابياً تأثيراته مباشرة وتفعيلية علي اعتبار ان الثقافة بكل صنوفها وألوانها صاحبة رسالة تنويرية وتثقيفية وتعليمية وتربوية. والدليل علي التأثيرات السلبية للثقافة المسمومة سواء من الفضائيات أو من الجهات الإنتاجية التي تقدم كل ما هو سطحي وتافه. والدليل علي هذا أيضاً التراجع المستمر في الفنون والثقافة والمسرح والذي يهمنا هنا المسرح والذي يشهد تراجعا شديدا وموجعا خاصة ونحن نشهد زخماً من الفوضي العالمية وانعكاساته علي العرب والمسلمين نتيجة سرطان العولمة الذي ينهش في الجسد العربي في كل مكان.

قد يسأل البعض لماذا هذه المقدمة الطويلة والشائكة ولماذا هذا الطرح؟!! الاجابة قد تبدو مريرة بعض الشيء لان الدهشة هي محورها فعلي مدي عدة أسابيع ونحن نقدم تشريحاً أو تحليلا لأسباب اخفاق المسرح المصري وبكل عناصره وكل روافده وقطاعاته وبحث أسباب وحيثيات هذا الاخفاق ثم عدم الاكتراث من الجهات المعنية سواء كانت أجهزة رقابية أو حتي من وزارة الثقافة والأخيرة هي مصدر دهشتي وقلقي وانزعاجي إذا كان التلقي بهذه الصورة والذي دفعني للقول "سألوني عن مالطة" لكن يبدو أن مالطة قد أغلقت أبوابها ليتحول الصراخ إلي صمت مدو في فضاء. وبلغة المسرح فضاء "سينوغرافي ساحر".. وهنا نما إلي علمي ان ثمة غضباً في وزارة الثقافة ولكن أولاً إذا كان يري البعض من المسرحيين أو غيرهم انني أهاجم وزير الثقافة فربما يكون هذا جائزاً فيري من يري ان هذا هجوم فهذه حرية شخصية للفهم ولكن أن يري الفنان فاروق حسني وزير الثقافة انني أهاجمه أو أهاجم الوزارة فهذا غير صحيح علي الاطلاق ولعدة أسباب: أولا: تربطني بالوزير صداقة عمرها عشرون عاما قوامها التقدير والاحترام. وثانيا: لانه فنان وله قيمته الفنية المشهود لها من الجميع. وثالثاً: لان خصومته نبيلة وليس فيها كراهية لأحد. ورابعاً: لان له إنجازات واضحة وملموسة وفي كل المجالات. وخامساً وسادساً وسابعاً وإلي ما لا نهاية هو الإنسان والفنان والوزير؟ لكنه في النهاية هو بشر يخطئ ويصيب ولأنه كذلك فهو له بعض الأخطاء وحصرناها جملة وتفصيلا في اشكالية "قيادات الوزارة" فبعضها وليس كلها تخضع لأشياء كثيرة منها عدم الدقة في الاختيار ولسنا في حاجة لتكرار ما طرحناه في مقالات كثيرة سابقة.

أهم ما يميز شخصية فاروق حسني فهمه للنقد وقدرته الكبيرة علي التلقي ولا أظن أن يكون قد تلقي نقدي وتحليلي وغيرتي علي المسرح كناقد ومؤلف ومخرج ورجل مسرح علي انه هجوم لذلك فدعني ياسيادة الوزير أتحدث إليك بلغة مغايرة وانت في النهاية "الحكم" والقادر علي "تقييم" الصورة والموقف وكما يفعل رائدنا توفيق الحكيم بلغته الدرامية الاستفهامية. هل انت راض عن الأداء في المسرح المصري الآن؟.. هل يوجد مواسم مسرحية وأين الموسم المسرحي الشتوي الآن؟.. هل هناك مؤلف مسرحي أو المسألة أصبحت قيد موت المؤلف المسرحي؟

هل توجد حركة ترجمة في المسرح باستثناء ترجمات التجريبي؟.. هل يعلم أحد شيئاً عن ميزانيات العروض المسرحية وكيف تنفق؟.. وهل يعلم سعي البعض لما يسمي فائض الميزانية لصرف المكافآت؟.. هناك في الميزانية العامة للمسرحية ميزانية للديكور هل يعلم أحد كيف تنفق؟.. عندما كتبت تحليلاتي حول المسرح المصري ومصيره وما وصل إليه من حالة التدهور الشديدة تصورت الوزارة ان هذا هجوم بقدر ما هو "مينوفستو" لبحث أهمية تقديم علاج سريع للمشاكل التي تحاصر هذا المسرح بداية من المديرين وحتي أصغر عامل فيه ودعني أسأل يا سيادة الوزير هل تعلم ما حجم العمالة في المسرح من موظفين وإداريين وفنانين وهل تعلم كم عدد الممثلين والممثلات الموظفين؟.. هل تتناسب هذه الأعداد مع عدد العروض المسرحية؟

طوفان من الأسئلة بلا اجابة وفي نفس الوقت الاجابة سهلة جداً لكنها تحتاج قدراً من الجهد وفقط وهذا ما أريده من فاروق حسني وزير الثقافة وظني انه يحب المسرح لانه ليس فنانا تشكيليا فقط ولكنه وأذكره رجل مسرح في المقام فقد كان مشروع تخرجه في الديكور المسرحي وصمم قبل ذلك ديكورات مسرحية "ليلة من ألف ليلة".. هو يحب المسرح فلماذا لا يضعه في صدر أجندته.. ما أكتبه ليس هجوما ولكن توضيح للصورة لاننا جميعا في مركبة واحدة ونسعي لكي ننجو جميعا ومعاً وهنا أؤكد للوزير والفنان ان بوابة الحماية والتنوير والمواجهة هي "بوابة المسرح".. أبو الفنون قادر علي المواجهة والتصدي لكل ما هو وافد وانظر معي عندما خضت معركة اليونسكو كنت أنت الأفضل بكل المقاييس والمعايير لكنك خسرت المعركة نتيجة الألعاب "القذرة" ولعبة السياسة والعرقيات والتدني العالمي في التقييم"!!".

أسأل مجدداً هل يوجد مسرح مصري الآن؟!! إذا أردنا الدقة لا يوجد وما هو حاصل الآن هو ما اطلق عليه "عشوائيات مسرحية" حيث لا يوجد "خطة" أو "منهج" ما يحدث الآن "سمك لبن تمر هندي" وأعود فأسأل هل يوجد مسرح في غياب الكاتب المسرحي أو موت المؤلف المسرحي؟.. أين كتاب المسرح وأين المخرجون من مختلف الأجيال أيضاً معدلات الانتاج تؤكد انه لا يوجد انتاج مسرحي حقيقي الصورة تؤكد قلة دور العرض بما يتناسب مع عدد سكان القاهرة الكبري واسأل هل يوجد عرض مسرحي كبير وان وجد يغلق وهل هناك كشف حساب سنوي؟!!

وهل هناك عرض مسرحي يستحق المشاهدة والسؤال ماذا يمكن أن نفعل لكي نقدم حلولا للأزمات المتلاحقة وهذا يتطلب عمل مائدة مستديرة وحقيقية تكون مهمتها عودة الوعي والروح للمسرح المصري.. تكون مهمتها البحث عن المؤلفين المسرحيين وفض غربتهم وعذاباتهم البحث عن المخرجين المتميزين من مختلف الأجيال حيث من الصعب تحويل كل المنابر المسرحية إلي منابر للهواة فقط أو الشباب المبتدئ ومن الصعب أيضاً "تذويب الإبداع المسرحي بين الجميع".. في ظل غياب المشروع والخطة والمنهج تتداخل الأشياء لتصبح النتيجة عشوائية وبلا مردود أو عائد أو مرجعية وهنا لابد من السؤال المكرر لماذا نجح مسرح الستينيات من القرن الماضي؟.. النجاح كان ثمرة مشروع محدد الأهداف كان من نتيجته زخم كبير علي مستوي التأليف والاخراج وكافة العناصر المسرحية!!.. تستطيع في هذه الحقبة ذكر عدد كبير من المؤلفين المسرحيين علي مختلف اتجاهاتهم الفكرية وأيضاً من المخرجين المثقفين من أصحاب الفكر وكذلك مهندسو المناظر المسرحية ذات الأبعاد والمدارس المسرحية الموظفة دراميا وزخم من النجوم.. لقد كان هناك حراك وحركة مسرحية تفضي إلي ما يسمي "بالمسرح المصري".