لساعات طويلة، تسمّر المستثمرون الكويتيون خلف شاشات التلفزة، بانتظار خبر من هنا، وعاجل من هناك لاستشراف مآلات الوضع في تركيا، التي تأرجحت ليلة كاملة بين «انقلاب» و«لا انقلاب».

وعلى وقع التأرجح، بدأ هؤلاء في دراسة جميع السيناريوات المحتملة، التي يتعيّن عليهم اتخاذها بهدف تجنيب استثماراتهم مطب مأزق وأزمة جديدة، بعد الأزمات التي طالت بلداناً متعددة خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وعلى الرغم من عدم وجود معيار موحد في مثل هذه الظروف يستطيع المستثمرون بناء قرارهم عليه، إلا أن الجميع فضل الترقب ومتابعة الأحداث، وعدم التسرع في اتخاذ أي قرارات غير مدروسة.

وهذا الأمر ينطبق بلاشك على المستثمرين الكويتيين، الذين تتوزع غالبية استثماراتهم في تركيا ما بين طويلة الآجل وعقارية، وكلاهما أصول لا تتطلب البيع السريع، بل الانتظار حتى هدوء التقلبات، لاسيما وأن أي نشاط متهور سيؤدي إلى تشتت يدفع للبيع بأسعار لا توازي القيمة الحقيقة.

«الراي» شاركت مصرفيي الكويت، خصوصا أولئك الذين لديهم استثمارات في تركيا، نقاشاتهم بخصوص توقعاتهم حول الأحداث التي شهدتها البلاد، واحتمالات تأثر استثماراتهم هناك.

الناهض

بخلاف التوقعات، يبدو مازن الناهض، الرئيس التنفيذي لمجموعة «بيت التمويل الكويتي» (بيتك)، والتي تمتلك نحو 63 في المئة من رأسمال «بيتك تركيا»، متفائلا كثيرا بما جرى، معتبراً أن هذه الأحداث أعطت مؤشرات قوية على المصداقية العالية التي تتمتع بها الحكومة التركية.

ويشير في هذا الخصوص إلى أن تطورات الأحداث السياسية هناك، أكدت دعم الشعب للحكومة بشكل لافت، ما هدّأ مخاوف المستثمرين في هذا البلد، إلى الحدود التي تغيرت معها نظرتهم إلى المستقبل القريب بشكل إيجابي أكثر من ليلة أول من أمس.

ويوضح الناهض أن لا أحد يستطيع إنكار علاقة المال بالوضع السياسي في أي مكان، فكلما كان هناك استقرار تستطيع الأسواق تجنب الآثار السلبية التي يمكن أن تتفاقم في ظل الأوضاع غير الطبيعية، والتي تتزايد معها الشكوك بخصوص من سيقود البلاد في المرحلة المقبلة، ونظرته إلى المستثمرين الأجانب.

ورأى الناهض أن ما جرى يعزز التفاؤل بشأن المستقبل، خصوصاً وأن غالبية التوقعات تشير إلى أن الشعب أعطى الدعم للنظام القائم، وهو ما سينعكس إيجابا على قرارات المستثمرين.

ويلفت الناهض إلى أنه لا يوجد تأثيرات لحظية على «بيت التمويل الكويتي» أو على أي مستثمر مشابه بسبب التطورات السياسية هناك، موضحاً أن ميزانيات البنوك والشركات غير المضاربية، هي بيانات فصلية، لا تتأثر بالتغييرات قصيرة الآجل بشكل مباشر.

إلا أنه يؤكد في الوقت نفسه أن أصول «بيتك - تركيا» مرتبطة بالاقتصاد التركي وبنشاطه سواء صعوديا أو هبوطا، ومن ثم سيكون التأثيرعلى المدى الطويل، وهو ما ستظهره الأيام المقبلة.

من جهته، تشير مصادر مصرفية إلى أن التطورات التي شهدتها تركيا أتاحت للمستثمرين وضع أولوياتهم بسرعة الأحداث نفسها، فنتيحة الانقسام الذي حصل في تركيا طمأنت المستثمرين خصوصا أصحاب الأموال «غير الحارة»، وعززت فكرة أن استثماراتهم لن تتعرض إلى أزمة، وهذا بدوره حسّن المعنويات التي كانت متشائمة مع بداية الأحداث.

وبالنسبة للمخاوف من أن تؤدي أحداث تركيا إلى خسارة كبيرة في قيم استثمارات المستثمر ين الكويتيين، بسبب الهبوط الحاد في أسعار الليرة، والذي قارب 5 في المئة، تجافي الحقيقة، إذ ترى المصادر أن تأثيرات مثل هذه التقلبات تكون مباشرة على أصحاب قرارات البيع الفورية، بعكس الاستثمارات الكبيرة طويلة الآجل، والتي تتأثر وقتيا بانخفاض قيم العملة.

ورأت أن جميع التوقعات في هذا الخصوص ترجح عودة العملة التركية إلى معدلاتها الطبيعية بمجرد الاطمئنان واستقرار الأوضاع بشكل كامل، وحتى يحدث ذلك لا يمكن محاسبيا تسجيل أي خسائر محققة في ميزانيات الاستثمارات هناك لجهة تراجع قيم أصولها، حيث سيكون ذلك ورقيا ولفترة محدودة جداً.

وتلفت المصادر إلى أن المضاربين سيقومون باستغلال أحداث تركيا للتربح، وهذه عادتهم، لكن في وضع تركيا سيكون الهامش منخفضاً جداً، ولن يجدوا فرصاً «دسمة» باستثناء التي يمكن أن يعثروا عليها في البورصة التركية، التي ستتعرض إلى بعض التقلبات.

ورقابياً، سيحافظ بنك الكويت المركزي على خطواته التقليدية التي يشتهر بها في مثل هذه الأحداث، وأبرزها الرقابة اللصيقة والمتابعة الحثيثة للأحداث، سواء مع البنوك أو من خلال أدواته الخاصة، والتي تمكن «المركزي» دائما من اتخاذ خطوات استباقية تسهم في مواجهة أي مخاطر استثنائية.

وقد جرى التواصل مع البنوك للإحاطة بأي تطورات، وبديهياً سيطلب «المركزي» منها اتخاذ إجراءات حذرة تجاه الأحداث، وربما يتضمن ذلك تنامي الحاجة إلى بناء مخصصات احترازية إضافية.

أما على صعيد مستقبل الاستثمارات الحكومية في تركيا، تقول مصادر مسؤولة لـ «الراي» إن قرارات الصناديق الحكومية تبدو في مثل هذه الظروف واضحة، وهي عدم التخلص من أي استثمارات تابعة في وقت الأحداث، وهذا ينسحب على استثمارات الهيئة العامة للاستثمار، وكذلك المؤسسة العامة للتأمينات التي تتميز استثماراتهما بأنها مؤسسية وطويلة الأجل، علاوة على أنها استراتيجية.

وتبين المصادر أنه لا يمكن اتخاذ قرار سريع في شأن هذه الاستثمارات بسبب متغير اقتصادي قد يستجد، مشيرة إلى أنه على الرغم من ذلك يظل متخذو القرار الاستثماري في الجهتين، مترقبين للأحداث.

وتؤكد المصادر أن القرار الاستثماري السيادي للكويت لن يتغير نهائياً في تركيا بسبب الأحداث الأخيرة، لافتة إلى أن «الهيئة» و«التامينات» لم توقف استثماراتها خلال الأزمات المالية في السنوات الأخيرة، بل انتهزت بعض الفرص الناتجة عن زيادة النشاط البيعي لبعض المستثمرين بعد تفجر أزمة 2008.