خالد كامل فى صباح أحد أيام شهر يوليو شديد الحرارة، اجتمعوا صباحاً فى موعد يحدده شعاع الشمس الأول، كوب شاى سريع، إفطار على عربة فول إن وجدت، ويبدأ يوم آخر فى سلسلة أيام طويلة حارة شاقة قاسية، لا تخلو من رضا أحياناً، عمال "الطوب" فى منطقة حية بهذه الصناعة، تملئ أصواتهم أرجاء "عرب أبو ساعد" فى منطقة التبين بجنوب محافظة الجيزة حيث الحياة كما نعرفها نحن، والأحلام كما يعرفها أصحاب هذه المهنة. أبطال هذه الصور جزء من مشهد ضخم، أو ربما كارثة أخرى تواجه من يهمه الأمر، هى كارثة مصانع الطوب بعرب أبو ساعد التى أوسعت صفحات الجرائد عرضاً وجدلاً ومناقشة، بداية مما يصيبهم من أمراض لا حصر لها بسبب دخان مصانع السماد والحديد والطوب، ونهاية بضحايا النيران التى يسقط فيها العمال تباعاً من أجل إنتاج قالب طوب فخم عالى التكلفة، وحتى الكارثة الأخيرة التى واجهت أهالى هذه المهنة بعد إغلاق حوالى 220 مصنع طوب بالمنطقة بسبب ارتفاع سعر الدولار، وبالتالى ارتفاع سعر الخامات المستخدمة والنقل والغاز الطبيعى، وهو ما كان سبباً فى نظرة الرضا فى أعين أبطال هذه الصور. أثبتت ضحكاتهم المتفرقة رغم حرارة الجو وشقاء المهنة، أن المشقة يمكن احتمالها، أن الأمراض سهل التعامل معها، وحتى الموت حرقاً أمر يمكن إدراجه تحت قائمة قضاء الله وقدره، أما ما لا يمكن احتماله هو الحاجة، الجوع، ووقف الحال، الذى طال الكثير من زملائهم بعد إغلاق مئات المصانع، أم هؤلاء من أصحاب الحظ السعيد، فهم من بقوا يحمدون الله على نعمة "الشقا".