«حروب مفتوحة» خارج اسوار دول الخليج يبدو ان لا نهاية لها في الأفق. تشعل الأخضر واليابس وتدمر كل معالم الحداثة وتعيد مناطق كثيرة بشعوبها الى ما قبل الحداثة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص. وفيما لم يعد خافياً على أحد الدور الايراني في هـــذه الحــــروب، لم تكتف دول الخليج بالصـــمـــت بل قــــامــــت وتقوم بأدوار كبيرة لحماية نفسها ونصرة لشعوب الجوار، في ما يمكن وصفه بالحرب الباردة الخليجية - الايرانية.

فالصراعات على حدود دول الخليج، في العراق واليمن وأيضا في سورية، لم ترحم لا البشر ولا الحجر، وادت حتى الان الى سقوط اكثر من مليون قتيل إضافة الى ملايين الجرحى والمهجرين واللاجئين، وتدمير معالم انسانية وأثرية، وأفرزت ثقافة التعبير عن النفس مــــن خلال الســــلاح وسفــــك الدماء.

ويكمن الخطر في ان ينشأ جيل مسلح فاقد للتعليم متعطش للدماء يقيم على اعتاب دول الخليج. هذا الاحتمال لم يعد ضرباً من الخيال بل توقعات حقيقية مستقبلية لتغيرات في المجتمعات المجاورة اذا ما نجحت الميليشيات الدينية او الطائفية او العرقية المشاركة في الصراعات الدائرة، في بلوغ السلطة المطلقة في العراق وسورية واليمن.

ويعتقد بعض المراقبين السياسيين مثل استاذ العلوم السياســـية ابراهيم الهدبان، أن «سيطرة الميليشيات على السلطة او التحكم في تقـــــرير مصـــــير البلاد، كمــــا هــــو حاصل فـــــي العــــــــراق، من شأنه أن يــــؤدي الــــى فوضــــى عارمـــة».

ويتابع ان «مع استمرار الفوضى في سورية واليمن، فان هناك مخاوف من ان تنتقل ارتدادت هذه الفوضى الى دول خليجية عبر انتقال أفكار العصبية والتطرف في حال تراجعت حالة الرفاه اذا ما ضعفت التنمية الاقتصادية. وبذلك فان دول الخليج الى اليوم محصنة من انتقال عدوى الفوضى بفضل حالة الرفاه والاستقرار السياسي والاقتصادي».

ويرى الهدبان ان «ما يجري في العراق وسورية واليمن من تقتيل وترويع باسم الدين، يمثل صدمة للاجيال الحالية والمقبلة. كما يسهم في تدمير التنمية والتعليم. وأسهم في وجود موجات إلحاد لدى العديد من الشباب العربي بعد ما ضربت الأحداث الكثير من المعتقدات والمسلمات التي اصبحت موضع شك لديهم». واكد ان «هذا أمر خطير في تشكيل ثقافة أبناء دول المنطقة وخصوصا من يسكنون جوار الخليج والذين يعايشون الأزمات في شكل مباشر».

واضاف «ان مشاهد الدمار والموت تؤدي بالشباب الى التقوقع وتراجع شعور القومية العربية لديهم. ويمكن وصف ما يجري في دول الجوار بانه هزة عقائدية وأخلاقية وثقافية»، مشدداً على ان «هيبة الدولة تراجعت وأصبحت هناك دعوات إلى التماسك والوحدة الوطنية ومقاومة تدويل الصراعات والفوضى في حال سيطرة الميليشيات».

ويعتقد الهدبان بان «من مصلحة دول الخليج اليوم البقاء متحدة في مجلس التعاون لتحقيق التنمية المشتركة وافادة شعوبها». وقال إن «قضية بقاء دول الخليج متحدة هي مسألة حياة او موت، فبلدان مجلس التعاون تستفيد من تعاونها في مجالات كثيرة خصوصا الدفاعية والتي تجعل كل دولة تشعر بانها في حماية المجموعة وان لها عمقاً استراتيجياً كبيراً هو مجلس التعاون. وعلاقات الدول الخليجية اليوم هي امتن من اي وقت مضى رغم تأثير الصراعات الاقليمية ومحاولات ايران التدخل في المنطقة من خلال دعم ميليشياتها».

وأكد ان دول الخليج «مدركة تماماً لاهمية تعاونها في قضايا لها بعد دفاعي وأمني»، مشيراً إلى ان «حروب الجوار تستنزف دول مجلس التعاون مالياً، وان من مصلحتها دعم التعاون لدعم الوفرة المالية من اجل تحقيق تنمية اكبر لشعوبها».

وبين الهدبان ان «دول الخليج لم تتأثر بالحدث الأكبر في تاريخ التكتلات الحديثة والمتمثل في خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي». وأشار إلى ان «الموقف العماني المرحب بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا يعكس بالضرورة تذرع السلطنة بهذا الحدث لارسال موقف مبطن برغبتها في الانسحاب من مجلس التعاون. فموقف عمان واضح، ولو لم تستفد عمان او اي دولة خليجية من التعاون المشترك، فانها لن تنتظر ذريعة تفكك الاتحاد الأوروبي. فكل الدول الخليجية مستفيدة من دون استثناء من تكاملها وتعاونها»، مشدداً على أنه لا تجوز المقارنة بين عضوية دولة خليجية في مجلس التعاون وعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، «حيث يعتقد البريطانيون بانهم غير مستفيدين على عكس الخليجيين من صيغة الاتحاد الحالية».

وكان البريطانيون قد دقوا أول مسمار في نعش الاتحاد الأوروبي بتصويتهم للانفصال عنه. حدث مزلزل ليس لأوروبا المتحدة فقط ولكن أيضاً للكيانات الاقليمية التي تسعى الى التوحد، آخذة نموذج الوحدة الأوروبية مثالاً لها.

والخوف من تفكك أوروبا قد يكون خبراً محبطاً لمؤيدي التكتلات ألاقليمية. لكن هذا الخوف من فشل تجربة الوحدة الأوروبية يبدو انه لم يكن له صدى بين دول الخليج التي تحاول المرور الى ما يشبه مرحلة الاتحاد. ويعتقد بعض المراقبين، على غرار المحلل الاستراتيجي الأمني اللواء المتقاعد صابر سويدان، بان «مسار دول الخليج نحو التوحد لن يتأثر بتفكك أوروبا كون الوحدة الخليجية أصبحت مصيراً يحتاجه الخليجيون اليوم اكثر من اي وقت مضى في مواجهة خطر غير مسبوق على المنطقة يتمثل في زيادة رقعة التهديدات الأمنية وتوسع خطر حروب اقليمية تلتهم اجزاء كبيرة من محيط الخليج الجغرافي».

وقد يكون الخطر الأكبر الذي تكون له تداعيات كارثية على دول الخليج، وفق سويدان، «هو انتصار الميليشيات العرقية والطائفية المسلحة في كل من العراق واليمن وسورية»، معتبراً ان «اكبر المخاوف يكمن في تشكيلات جديدة لجماعات متطرفة ومسلحة تنمو قوتها يوماً بعد يوم وهي رابضة في اماكن ليست ببعيدة عن حدود دول الخليج، وخصوصا الكويت المحاذية للعراق، والسعودية المحاذية أو القريبة لأغلب مناطق الصراع الاقليمي، كسورية واليمن والعراق». ومشدداً على أن «اكبر تحد يتمثل بتصدير مشاكل سورية الى دول مجلس التعاون عن طريق الارهابيين»، فيما يرجح ان تكون الحرب اليمنية قد دخلت مراحلها الأخيرة.