قبل أن «تقع الفاس في الراس»، وحتى لا تتكرر مأساة حريق الفروانية الذي أودى أول من أمس بحياة 9 آسيويين وأصاب أكثر من 12 شخصاً، دقت الإدارة العامة للإطفاء على لسان نائب المدير العام لشؤون الوقاية اللواء خالد المكراد ناقوس الخطر، محذرة من أن البيوت الملاصقة للبيت المحترق تنذر بكوارث إن لم تتخذ إجراءات حاسمة في شأنها.

فبينما رجح مصدر إطفائي مطلع لـ «الراي» أن «سبب حريق الفروانية نتج عن تماس كهربائي في وحدة تكييف إثر حمل فاق الطاقة الكهربائية وتمديدات عشوائية، كشفت النيران ستار الصفيح الذي انهار مع تصاعد ألسنة اللهب، ليتضح ان البيت الذي احترق لم يتخذ لسكن العوائل والعزاب فحسب، بل كان يستغل كورشة لتصليح وتخزين وحدات التكييف».

وأكد المصدر أن «طريقة تقسيم المنزل كانت صورة طبق الأصل من عشوائيات الدول الفقيرة، حيث كان الرابط الرئيسي بين الطابقين العلوي والأرضي درجا لا يتجاوز عرضه نصف متر، بينما يوجد درج خشبي آخر صنعه المؤجرون بعد فتح فوهة من حائط احدى غرف الطابق العلوي احترق وتلاشى بعد دقائق من اشتعال النيران». وأوضح أن «المنزل كان أشبه بغرفة مغلقة بعد استغلال الحوش والسطح لترصيص غرف صفيح تجاوز عددها الـ 25 غرفة ولا يتجاوز حجمها مترا ونصف المتر تم استغلالها كورش لتصليح وحدات التكييف ومخازن لها».

وعن تفاصيل حريق الخميس الدامي، أفاد المصدر الإطفائي «بأنه بدأ من داخل الورشة، حيث سبق الدخان النار، ليخنق الأسرة التي كانت تسكن في الطابق العلوي ويتسبب في وفاتهم، لعدم وجود نوافذ او فتحات تهوئة، مضيفا ان أفراد الأسرة باكستاني ووالدته وزوجته وثلاثة من اطفاله».

وتابع المصدر أن «النيران امتدت بعد ذلك إلى بقية غرف الصفيح ووصلت الى الطابق السفلي وحاصرت عائلة اخرى مكونة من عشرة اشخاص، أودت بحياة ثلاثة منهم، وهم والدة رب الاسرة وزوجته وطفلته الصغيرة، بينما يرقد رب الاسرة في العناية المركزة في حال حرجة»، مشيراً إلى أن«الباقين اصيبوا بحروق واصابات خطيرة». ولفت إلى ان هناك«أشخاصاً اخرين كانوا يسكنون في المنزل داخل غرف الصفيح الموجودة فوق السطح قفزوا من الأعلى وأصيب بعضهم بكسور وحروق ايضا».

من جهته، كشف نائب المدير العام للإدارة العامة للإطفاء لشؤون الوقاية اللواء خالد المكراد لـ «الراي» ان «الادارة العامة للإطفاء لا تملك حق محاسبة المخالفين لاشتراطات البناء في السكن الخاص، وان الكارثة الانسانية التي راح ضحيتها 9 قتلى أماطت اللثام عن حجم المخالفات الجسيمة في المنزل المحترق والتي انعدمت فيها اشتراطات الأمن والسلامة».

وأوضح المكراد أن «13 شخصاً من رجال الاطفاء أصيبوا اثناء مكافحتهم للنيران من بينهم 5 نقلوا الى المستشفى لتلقي العلاج فيما عولج الآخرون في مكان الحادث من قبل فنيي الطوارئ الطبية»، مبيناً أن «مراقبة تحقيق حوادث الحريق في الادارة العامة للاطفاء باشرت التحقيق في اسباب الحريق بالتعاون مع وزارة الداخلية ممثلة بإدارة الأدلة الجنائية مساء أول من امس للوقوف على سبب ما حصل».

وذكر المكراد أن «التجاوزات الخطيرة لا تتمثل فقط في البيت الذي تعرض للحريق فقط، وانما كافة البيوت الملاصقة له»، محذرا من «كوارث جديدة قد تحدث اذا لم يتم التعامل معها وفق الإجراءات التي تتناسب مع اشتراطات الأمن والسلامة العالمية».

من جهة أخرى، أوضح تقرير صادر من ادارة الطوارئ الطبية في وزارة الصحة أن عدد المصابين الذين أسعفوا الى مستشفيات الفروانية والصباح ومبارك وصل الى 17 شخصاً لا يزال خمسة منهم في العناية المركزة.

اقتحام الجحيم



مشهد مأسوي رواه مصدر اطفائي لـ «الراي» عن طفلة ماتت في فراشها اختناقا وهي نائمة ووالدها ملقى إلى جانبها بعد ان تعرض لحالة اختناق واغماء وهو يحاول انقاذ فلذة كبده الصغيرة، متجاهلا كل المخاطر فسقط إلى جوارها، قبل ان يتم إنقاذه وإسعافه إلى العناية المركزة في حال خطرة.

ووصف المصدر دخول الغرفة بأنه اشبه باقتحام الجحيم.

من... المسؤول؟



الحريق الذي تسبب في مأساة انسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى كشف خطورة عشوائيات الكويت التي تجردت من معاني الإحساس بالمسؤولية من قبل الملاك الذين حولوا سكنهم الخاص الى استثماري طمعاً في القليل من المال، ومن قبل الوافدين الذين حولوا المنازل الى قنابل موقوتة والقوا بأنفسهم وعائلاتهم في التهلكة داخل أماكن لا تمت لاشتراطات الامن والسلامة، وتضمنت مخالفات جسيمة تمثلت بتمديدات كهربائية عشوائية وخطيرة وتقسيمات سدت جميع المداخل والمخارج واماكن التهوية لتضيع التساؤلات في دائرة مغلقة.

يا ترى من المسؤول هل هو المالك وجشعه أم المستأجر الذي يبحث عن سبل العيش حتى لو تعلق الأمر بحياته وحياة اسرته، او الجهات الحكومية المختصة التي تركت «الحبل على الغارب» وجلست على الشاطئ تتفرج؟!