لم تتجاوز الغربة لدى غالبية الوافدين في الكويت، فكرة أن يجمع الواحد منهم أكبر قدر من المال في أقل فترة زمنية ممكنة.

من هنا تبدأ رحلة البحث عن الربح السريع والمضمون من خلال تقصي أكثر الفرص تحقيقاً للأرباح السريعة والسهلة، لتتحول السلوكيات من الإطار الفردي إلى الجماعي، مكونة أسواقاً قد ترقى لقطاعات اقتصادية جديدة.

ويتخذ الوافدون طرقاً ووسائل عدة لتعظيم قيمة مدخراتهم، وتعويض قيمة الإنفاق الاستهلاكي لأسرهم في الوطن، وزيادتها بطبيعة الحال عبر عمليات تجارية سريعة بأرباح مضمونة، دون مضاربات قد يلاحقها شبح الخسارة بين الفينة والأخرى عبر «تهريب الهواتف».

اللافت أن الأمر تطور وأصبح أسلوب عمل لتكتلات، وكيانات منظمة، وأخرى شبه منظمة ترغب في تحقيق أرباح بوتيرة أعلى من معدلات تحويل العملات في السوق غير الرسمي.

تحويلات أفراد

يقول محمد (وافد مصري في العقد الثالث من العمر) «تحويلاتي الشهرية إلى مصر تبلغ 220 دينارا، وحين أتعامل مع السوق الرسمي لتحويل العملات تصل قيمتها إلى نحو 6.5 آلاف جنيه، إلا أن شراء هاتف وإرساله إلى مصر، ومن ثم بيعه يرفع قيمة الـ 220 دينارا بنحو 15 في المئة، بقيمة تزيد على 1000 جنيه مصري قليلاً».

وأكد محمد أن قيمة التحويلات قد تزداد بصورة أكبر حال شراء الهواتف التي ترسل إلى مصر وقت «العروض الترويجية» حيث ترتفع القيمة بمقدار الوفر المالي المحقق من العرض.

بدوره، أشار مصطفى ( وافد مصري أيضاً في العقد الثاني من العمر)، إلى أن إخراج الهواتف من الكويت ووصولها إلى مصر هو التحدي الذي يواجه الراغب في تحقيق الربح، الذي يظل أعلى من ربح تحويل العملات.

وأكد أن الأفراد الراغبين بإرسال الهواتف يعتمدون على (دوائر شخصية مغلقة) يتعاملون من خلالها، فيكون الإرسال عبر ترقب أسماء الزملاء العائدين إلى بلادهم في زيارتهم السنوية وفقا لأسعار كالآتي:

1 - إرسال الهاتف إلى مصر بحصة تصل إلى 30 في المئة من الربح عبر أحد المسافرين.

2 - إرسال الهاتف دون مقابل نظراً للعلاقة الوثيقة مع المسافر الذي يجهل الأمر في كثير من الأحيان.

3 - تهريبه وسط «أغراض» ترسل شهرياً مع «تجار الشنطة» الذين يتقاضون رسوماً تتراوح بين 300 إلى 500 فلس للكيلوغرام الواحد، ما يعد أقل كلفة من الحالة الأولى.

سعر الصرف

من ناحيته، يشير إبراهيم (وافد في العقد الثالث من العمر) إلى أن الأرباح المحققة ترتبط ارتباطا وثيقاً بسعر الصرف، وطريقة شراء الهواتف وفقاً لحالات عدة:

1 - حال ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدينار فتكون الأرباح مضمونة.

2 - حال انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدينار يصبح الأمر غير ذي جدوى.

3 - شراء الهواتف بأسعار خصم عالية أو بطريقة التكييش تحقق ربحاً بفرق السعر.

وأوضح إبراهيم أنه إذا كان الشخص سيرسل هاتفا واحدا بدلاً من تحويل الأموال بسعر 220 ديناراً عند سعر صرف ( دينار = 29.4 جنيه) وهو سعر الصرف الرسمي تصبح تكلفة الجهاز 6470 جنيها، ويكون الربح من التحويل بالسعر الرسمي نحو 1000 جنيه مصري.

وبين أن السوق السوداء لتحويل العملة قللت تلك الأرباح بشدة، بل ووصلت إلى انعدامها أيضا، إذ إن الربح يتلاشى ويصبح التحويل بالسعر غير الرسمي أكثر جدوى، فحال تحويل جهاز بنفس القيمة عند السعر غير الرسمي (دينار= 35 جنيه)، فإن تكلفة الجهاز تصبح 7.6 ألف جنيه، وهو سعر أعلى لا يحقق ربحا بل قد يعود بخسارة حال التخلي عن التحويل بالسوق غير الرسمي للعملة، إلا أن فرصة تحقيق الربح في تلك الحالة ما زالت قائمة، وتعتمد فقط على هامش التوفير في سعر الهاتف حال شراؤه في العروض الترويجية.

كيانات منظمة

ووفقا لمصادر، فإن الأمر لا يقتصر على الأفراد فقط، ولكنه تطور وأصبحت هناك كيانات منظمة تعمل في ذلك السوق نظراً لما يحققه من أرباح وصفت بـ «المليونية»، ما جعل لها سوقاً خاصاً، اقتنصت حصة من السيولة الموجهة لسوق العملات، وإن لم تكن مؤثرة في الوقت الراهن، إلا أنها آخذة في النمو، خصوصاً مع توجه بعض الكيانات أو التكتلات إليها كوسيلة أكثر ربحاً.

وأشارت المصادر إلى ظهور تكتلات بين الوافدين، بالإضافة إلى العاملين في قطاع الاتصالات (متاجر التجزئة)، للاستحواذ على أكبر حصة من سوق «تكييش الهواتف» (شراء الهواتف التي يحصل عليها المتعاقدون مع شركات الاتصالات بصورة سنوية)، إذ تقل أسعارها عند الشراء بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30 في المئة عن سعر السوق.

آلية العمل

تشير المصادر إلى أن تلك الكيانات والتكتلات تعتمد بصورة أساسية في عملها على «تجار الشنطة» (الأشخاص العاملون في نقل السلع براً بواسطة حاويات)، لنقل الهواتف التي تتجاوز أعدادها الآلاف شهرياً عبر شبكة علاقات منظمة لتسهيل عملية التهريب دون مخاطر، وصولا إلى سوق الهواتف في مصر. وبينت المصادر أن الأمر تخطى مجرد عمليات فردية لتصبح سوقاً أكثرتنظيماً لا يؤثر عليها تدني سعر صرف الجنيه المصري ارتكازاً على عامل أسعار الهواتف المنخفضة بدعم من «سوق التكييش» و«العروض الترويجية».

وذكرت أنه حال تحسن سعر صرف الجنيه ولو بصورة طفيفة يصبح الأمر أكثر جدوى وربحية، مبينة أن عملية التهريب في تلك الأسواق تبدأ من «تاجر الشنطة» الذي يتولى تهريب الهواتف عبر حاوياته، مقابل حصة تحدد وفقا للكمية، والتي لا تتجاوز 10 في المئة من صافي الربح، مروراً بمن يسهلون دخول تلك الهواتف إلى مصر، والذين يتقاضون حصة مقابل ذلك أيضا، ومن ثم تبدأ عملية البيع وجني الأرباح.

وأشار المصدر إلى أن «تكييش الهواتف» يختلف من نوع إلى آخر، موضحاً أن أكثر الأجهزة التي يتم تهريبها هي «آيفون» نظراً لحفاظه على مستوى السعر، وكثرة الطلب عليه ما يسهل بيعه، لافتة إلى أن أغلب الأجهزة التي تعمل بنظام التشغيل «اندرويد» غير مرغوبة، ولا تحقق عائداً ينافس «آيفون».