بقلم: د. ميمونة خليفة الصباح

إنه لشرف لي أن أشارك بالتعبير عما تكنه ضمائرنا وتحسه مشاعرنا من وفاء وتقدير ومحبة لفقيدتنا المغفور لها بإذن الله الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة، وذكر مآثرها وذكراها العطرة وما تركته ـ رحمها الله ـ من أثر طيب باق في قلوبنا جميعا كويتيين وخليجيين وعرب.. حيث تمتزج المشاعر والأحاسيس، مشاعر الأسى والألم لفقد الراحلة الكبيرة وأحاسيس الوفاء والعرفان لهذه الشخصية الكريمة التي مهما قلت فيها، فلا يمكن إيفاء حقها لما قدمته من عطاء لا محدود لم يتوقف عند وطنها ومجتمعها بل شمل خليجنا في دول مجلس التعاون وأمتها العربية فقدمت الكثير من الأعمال الصالحات في المجالات الإنسانية والاجتماعية متطوعة لا تريد حمدا ولا شكرا وهدفها وعد سبحانه وتعالى، الذي قال: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا)، وفي هذا التوجه الرباني ستظل الأعمال الصالحات قيمة إنسانية سامية، ودرجة من فضل الله على الإنسان، رجلا كان أو امرأة، لا يسعى إلى الارتقاء إلى جوهرها إلا من وهبه الله ـ تبارك وتعالى ـ صفاء في الفطرة، وصحة في العقيدة، وبصيرة في النظر إلى حقيقة الحياة، قال عز وجل: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) .

وإذا كانت هذه مكانة الأعمال الصالحات في درجات الكمال الإنساني، فإن أعمال الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة تأتي ضمن الأعمال الفاضلة، والقيم الرفيعة، لأن عطاءها عطاء إنساني، نابع من ذاتها، مرتبط بصفاء عقيدتها، وحسن خلقها، فهي حين تؤدي أعمالها لا تبتغي من ذلك إلا إرضاء الله اولا، ثم سعادة الآخرين بتخفيف المعاناة عنهم، ومد يد العون لهم، استجابة لقوله تعالى: (فمن تطوع خيرا فهو خير له)، وطلبا لمرضاته (فمن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم).

لقد جمعت الشيخة لولوة من عطائها الكثير من الأعمال الإنسانية السامية في مبادرات إنسانية واجتماعية جليلة فقدمت لوطنها وأمتها عطاء كبير الفائدة، عظيم الآثر.

إن كلمتي هذه تخرج من القلب، لعلها تستقر في الوجدان، لأن ما يخرج من اللسان لا يتعدى الآذان، وأن ما أسطره هو لمسة وفاء، ودليل عرفان بالفضل، للشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة، رئيسة جمعية رعاية الطفولة والأمومة.

لقد كان للشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة فضل السبق والريادة والعطاء المتصل في مجالات العمل التطوعي والتنمية الاجتماعية بما حقق لجمعية رعاية الطفل والأمومة هذه المكانة الرائدة والمتقدمة، وهذا الرسوخ والاستقرار في العمل التطوعي والخدمة الاجتماعية.. وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى.. ثم جهود ومثابرة الشيخة لولوة وإصرارها، وبمشاركة جادة وفاعلة من أخواتها عضوات الجمعية، ودعم ومساندة المسؤولين في مملكة البحرين الشقيقة تكللت تلك الجهود المثمرة في إنشاء أول صرح تطوعي للمرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، تمارس من خلاله المرأة البحرينية الشقيقة عطاءها ونشاطها الاجتماعي التطوعي، وتتعدى حدود وطنها لتنطلق في الميادين العربية والدولية، رافعة اسم مملكة البحرين وعلمها عاليا، ممثلة لأخواتها الخليجيات.

إن الجهود التي شاركت فيها الشيخة لولوة في ميادين العمل الاجتماعي بصفة عامة، وفي الجهود التطوعية بصفة خاصة، كانت دليلا صادقا على فاعليتها وعطائها، وعنوانا كريما لها في خليجنا العربي، جاءت كلها من النبع الصافي للقيم النبيلة، والمبادئ المثلى، والتي يحثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف، قال سبحانه وتعالى: &O4831;وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون&O4830;، وصدق فيها وعد الله الذي لا يتخلف أبدا، قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى).

وإلى جانب هذا الهدى الرباني في توجيه أعمالنا التطوعية، التماسا لما وراء ذلك من خير إنساني يعم البشرية كلها، فإن الباعث الوطني وراء هذه الجهود الخيرة، دليل أصالة وانتماء وحيوية، وستظل ذكرى قيام جمعية رعاية الطفولة والأمومة مقرونة بعطاء الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة ماثلة في الأذهان، راسخة في القلوب، محفورة في الأعماق.

إن المجتمع الصالح الذي تظهر فيه الفضيلة والاستقامة هو المجتمع الفاضل، حيث إن ديننا الإسلامي الحنيف ركز على الاعتناء بالمجتمع وجعله موضوعا مستقلا خارجا عن زاوية الأعمال، وشرع له التشريعات ما يقيمه كاملا صالحا، فقال الله سبحانه وتعالى في كتابة المنزل: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ـ سورة الأنعام: 153.

وكما جاء في سورة آل عمران الاية: 104، قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).

كما أن ديننا الإسلامي في طرحه الاجتماعي يركز على نمو الفرد وسيره نحو كماله لا يكون إلا من خلال المجتمع ومن هنا اهتم الإسلام بالبناء الاجتماعي واعتمد المجتمع على عوامل التطور والارتقاء بأفراد المجتمع ومن هذا المنطلق كانت كل أعمال الشيخة لولوة ورفيقات دربها نحو الاهتمام بالمجتمع وتطوره ولم تكتف بريادتها في تأسيس أول جمعية تطوعية، وإنما انطلقت في استكمال أعمالها النبيلة في هذا المجال فكان لها الكثير في العطاء الإنساني الذي امتد على مدى ما يزيد على ستين عاما مضت مما خلد ذكراها العطرة فيما تركته من مؤسسات خيرية كبيرة تحت مظلة جمعية رعاية الطفولة والأمومة، اذكر منها:

1 ـ مركز معلومات المرأة والطفل.

2 ـ برنامج مشاريع الصغيرة (المايكروسوفت).

3 ـ مصنع الرعاية للصناعات الورقية من سعف النخيل.

4 - معهد الأمل للتربية الخاصة، وهو الأول في مملكة البحرين الشقيقة.

5 - مركز الأمل للأطفال ذوي الإعاقة.

6 - دور حضانة نموذجية عدة.

7 - كفالة المحتاجين من طلبة العلم.

كل ذلك في طموح وعمل وجهد لا يعرف له حدود.

رافقتها في كثير من مجالات وأنشطة العمل التطوعي من ذلك لجنة المرأة للعمل الخليجي المشترك والشبكة العربية للمنظمات الأهلية وفي المؤتمرات الإقليمية والعالمية وعرفت عنها دماثة الخلق وتواضع الكبار، أحبت الناس وأحبها الناس جميعا، فتكلل عملها المتصل وعطاؤها الجليل أن تبوأت فقيدتنا الغالية مكانتها اللائقة في نفوسنا جميعا.. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وستظل ذكرى الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة ماثلة في الأذهان راسخة في القلوب، محفورة في الأعمال.

لقد عاهدت وصدقت وأعطت فوفت، واصلت سيرة العطاء ورحلة البذل لوطنك ومجتمعك وأمتك، واهبة للوطن والمجتمع والأمة ما حباك الله به من نعم لا تحصى من عزيمة صادقة ورأي سديد، وإرادة نافذة، وقلب كبير يتسع لآمال مجتمعه ووطنه، رحلت إلى بارئك راضية مرضية مستجيبة لدعوته تبارك وتعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) .

وآخر دعوانا أن يتقبل الله فقيدتنا الغالية بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته ويلهمنا جميعا الصبر والسلوان لفقدها.. ان الله سميع مجيب الدعوات.