كنا في أواخر شهر شعبان الفائت عندما سألني مريضي الستيني المصاب بالسكري: «هل أستطيع صوم رمضان؟». وبينما بدا عليه القلق في انتظار ردي، أجبته: «عمي... في ضوء حالك الصحية، ينبغي عليك ألا تصوم».
عند ذلك، حاول المريض أن يتمالك نفسه كي لا تدمع عيناه ثم سألني مستنكراً: «هل تريدني أن أفطر رمضان بعد كل هذه السنوات المتواصلة من الصيام؟».
في البداية، لم ألجأ إلى شرح طبيعة الأمور الطبية، بل بدأت أشرح له أن الله قد منح عذراً ورخصة للمرضى كي لا يصوموا رمضان وأن الله يُحبُّ أن «تؤتى رخصه». ثم رحت أوضح له أن مدة الصيام في رمضان خلال هذا العام ستكون طويلة نسبياً وصولاً إلى نحو 15 ساعة، علاوة على حر الصيف، وهي عوامل تتعارض مع صيام مريض في مثل وضعه.
ومن هذا المنطلق أنصح كل مريض سكري بأن صيام رمضان قد يكون مشكلة بالنسبة لك، لذا فإنه من المهم أن تستشير طبيبك المختص قبل الشروع في الصيام أو الاستمرار فيه، وذلك كي يقرر ما إذا كان ذلك مسموحاً لك أم لا. فمرضى السكري الذين يعانون مضاعفات معينة ينبغي عليهم ألا يصوموا، إذ إن ذلك قد يضعهم في دائرة مزيد من المضاعفات والتعقيدات الأخطر - بما في ذلك الجفاف الشديد، والسكتة الدماغية، وانخفاض مستوى سكر الدم.
وفي حال إصرار مريض السكري على صيام رمضان، فينبغي عليه أن يبدأ التحضير لذلك قبل بدء الشهر الفضيل بأسابيع إن لم يكن شهور. لكن مشكلة مجتمعنا تكمن في أن المرضى يميلون في العادة إلى ترك الأمور حتى اللحظات الأخيرة، ثم يأتون قبل بدء رمضان بيوم أو يومين كي يسألوا عن امكانية صومهم.
ويتعين على كل مريض سكري أن يعلم أن هنالك تغييرات وتضبيطات دوائية معينة لابد من اجرائها قبل فترة كافية على بدء رمضان، بما في ذلك أخذ جرعات بوتيرة محددة كنوع من التحضير المسبق.
فنحن – كأطباء – نتعرض إلى ضغوطات من جانب مرضى السكري تحديداً في ما يتعلق بالصيام، وفي كثير من الأحيان يتضايقون منا عندما نأمرهم بألا يصوموا حفاظاً على صحتهم وعلى حياتهم أحياناً. وتتمثل مسؤوليتنا المهنية والأخلاقية إزاء كل مريض سكري في أن نشرح له العواقب التي يمكن أن تصيبه جراء الصيام.
وأتذكر شخصياً موقفا طريفاً حصل ذات مرة حيث فحصت مريضة كويتية عجوزاً كانت مصابة بمشاكل صحية عدة، ثم أبلغتها استناداً إلى حالتها الصحية بأنه يتعين عليها ألا تصوم. لكن بعد مرور نحو نصف ساعة على انصراف تلك المريضة من عندي، فوجئت بمكالمة هاتفية من والدتي التي حاولت إقناعي بأن أسمح لتلك المريضة بالصيام! واتضح لي لاحقاً أن المريضة العجوز لجأت إلى والدتي لتتخذها كـ«واسطة» من أجل الضغط عليّ كي أغيّر رأيي!
وبطبيعة الحال، كنت أبتسم متعجباً وأنا أؤكد لوالدتي عبر الهاتف أنني سأبقى مصمما على رأيي وأن صديقتها ليس مسموحاً لها بالصيام مطلقاً.
وختاماً، سواء كنتم من صائمي رمضان أو من المفطرين فيه بعذر... عساكم جميعاً من عواده.