| محمد ناصر العطوان* |
ما سأقدمه اليوم هو مقاربة للصيام من حزمة مقاربات عديدة قدمها من هم أعلى مني كعبا وأكثر مني علما في مثل هذه الأمور، لذلك فأنا هنا لا أتكلم عن مقصود الشارع من الصيام بقدر كلامي عن فهمي للصيام. ومن ذا الذي يدعي أنه من الممكن أن يقدم أفضل مما قدمه وقاله سيد الأولين والآخرين وإمام العالمين الإنسان الكامل والرحمة المهداة الرسول الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلّم حيث قال: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ».

وهذا يعني أن الصيام أكبر من مجرد امتناع عن الطعام والشراب، وإن كان في صورته الظاهرة هو امتناع عن ذلك، رغم أن صورته في الشرائع التي كانت من قبلنا كانت عبارة عن صيام عن الكلام، فالصيام صور ولكن له غايات.

غاندي مثلاً استخدم الصيام لمحاربة الاستعمار الإنكليزي في الهند، فعلى الرغم من أنه شخص واحد ولكنه استطاع أن يتغلب على رأسمال أمة بكاملها، لأنه اعتبر الصيام حركة مقاومة سلمية ووسيلة للضغط على الذين رموا أجسادهم الثقيلة على رقاب شعبه.

شهر رمضان هو الشهر الذي يطلب منك أن تغير سلوكك الاستهلاكي الذي مارسته طوال السنة، لكي تشعر أنك حر أمام كل شيء في الكون وفي الوقت نفسه عائد وساجد لرب كل الأشياء، فهي محاولة للخروج من (التشيء) ولكن إذا لم نتغير بل وقد يزيد سلوكنا الاستهلاكي تغولا في هذا الشهر فعندها تنطبق علينا هذه القاعدة الاستهلاكية التي تقول (إن التشابه في الأفكار يولد حتماً تماثلا في السلوك) وهذا يعني أننا كما نحن قبل رمضان وفي رمضان وبعد رمضان.

فامتلاء الأسواق والتنوع السلعي المخيف فيها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها وقدرتها العالية على الإغواء، كل هذه مؤشرات على أن ما نستهلكه في الشهر أكثر بكثير مما يفترض بنا أن نمتنع عنه، وهذا مؤشر لعقلية استهلاكية لا تستطيع أن تتحكم في سلوكها ولا يمكنها أن تستريح لمدة شهر واحد في السنة من لهاث الاستهلاك، ما يجعل صاحب هذه العقلية إنسانا ذا بعد واحد يعيش في رحلة بحث عن سلع غير متأكد من أنه يريدها، وبين إعلانات لم يحدد هو أهدافها في عالم من الاستهلاك ليس من صنعه حيث تتراكم في ثلاجته وبيته منتجات لا يعرف لماذا اشتراها.

فهل تعلم أن هناك نائبا كنديا صام شهر رمضان كاملاً ثم تبرع بما وفره من أموال لجمعية خيرية تطعم الجائعين.

وهل تعلم عزيزي القارئ الهمام أن الصوم من الممكن أن يصل باقتصاد دول إلى آفاق واسعة ومن الممكن أن يخفس بها الى أماكن سحيقة (تأمل فقط)! ماذا يمكننا أن نفعل كمليار وسبعمئة مليون مستهلك قرروا التوقف عن الاستهلاك في هذا الشهر؟

بالتأكيد سننجح في أن نكون جبهة ضغط أممية على اقتصاد دول بكاملها كانت السبب في ما وصل له اليوم العراقيون والسوريون... وبالتأكيد أيضاً الفلسطينيون.

وإذا اعتقدت للحظة أن هذا المقال هو دعوى للمقاطعة الاقتصادية (والتي يعتبرها البعض ضربا من الجنون) وفرض حصار اقتصادي شعبي على من يفرضون حصارا اقتصاديا عسكريا على الآخرين، فأريد أن أنبه سيادتك أن الأمر ليس كذلك... فقرارات المقاطعة تحتاج قانونا من المجلس أو فتوى من «الأوقاف» ولكن ليس مقالا من كاتب طائش وعائش على الهامش.

ودمتم.

يقول ميخائيل نعيمة:

من شاء أن يحرر فعليه أولاً أن يتحرر.

* كاتب كويتي

moh1alatwan @