تاريخ حافل من الإنجازات والبطولات، مناصب عديدة تولاها، ومواقف إنسانية قادها، من نجاح إلى آخر ‏صعد الملك سلمان بن عبد العزيز من أمير مدينة الرياض السعودية، إلى خادم الحرمين الشريفين، ‏ليستكمل مسيرة الانجازات التي بدأها منذ ولادته، بذلك المنهج الرصين.‏

يحل سلمان، ضيفًا في القاهرة، غدًا الخميس، في زيارة مرتقبة تجمعه مع نظيره المصري الرئيس ‏عبد الفتاح السيسي، تستغرق نحو 3 أيام، في إطار العلاقات الطيبة التي تجمع مصر والسعودية.‏

النشأة
عام 1935، شهدت مدينة الرياض ولادة الملك سلمان، الابن الـ25 لمؤسس المملكة العربية السعودية، ‏الملك عبد العزيز آل سعود، حيث نشأ مع إخوانه في القصر الملكي، وكان حبه للعمل والنشاط، يدفعه ‏لمرافقة والده في اللقاءات الرسمية مع ملوك وحكام العالم‎.‎

ولم يكتف بمشاركة والده فقط، ولكنه شارك في العديد من المهام الخارجية منذ مطلع شبابه، كما تم تكليفه ‏بتمثيل الدولة في عدد من المؤتمرات والاجتماعات على مدى خمسة عقود متتالية. ‏

‎وأشرفت مدرسة الأمراء بالرياض، على تعليم الملك سلمان، حيث درس فيها العلوم الدينية والعلوم ‏الحديثة، وختم القرآن الكريم كاملًا وهو في سن العاشرة، على يد إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ ‏عبدالله خياط.‏

أبدى خادم الحرمين منذ الصغر اهتمامًا جمًا بالعلم، وحصل على العديد من الشهادات الفخرية والجوائز ‏الأكاديمية، من الجامعة الإسلامية، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، الجامعة الملية الإسلامية في دلهي؛ ‏وغيرها.‏

إمارة الرياض
بدأ دخول المعترك السياسي، بتوليه منصب أمير الرياض، إحدى أكبر مناطق المملكة العربية ‏السعودية في المساحة والسكان وعاصمة الدولة، في مرحلة مهمة من تاريخ هذه المدينة، حيث تم ‏تعيينه بداية أميرًا بالنيابة، وفي سن الـ19 من عمره.‏

لكن بعد عام واحد عُين حاكمًا لمنطقة الرياض وأميرًا عليها بمرتبة وزير، عام 1955، ظل بها لأكثر ‏من 5 سنوات، وتحولت في عهده من بلدة متوسطة الحجم يسكنها نحو 200 ألف نسمة، إلى إحدى أسرع ‏العواصم نموًا في العالم العربي، حيث تحتضن حاليًا أكثر من 5 ملايين نسمة‎.‎

كما حقق سلمان خلال توليه إمارة الرياض، نجاحًا كبيرًا، وواجهة العديد من التحديات والصعوبات، ‏وجعل من العاصمة السعودية إحدى أغنى المدن في المنطقة، ومركزًا إقليميًا للسفر والتجارة، حيث شهدت ‏إنجاز العديد من مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل الطرق الواسعة والحديثة، والمدارس، والمستشفيات، ‏والجامعات، إلى جانب المتاحف والإستادات الرياضية وإعداد مشروع مترو الرياض‎.‎

‎ كما تضم الرياض الآن، عددًا من المعالم المعمارية البارزة، وهي تمتد على مساحة عمرانية تجعلها ‏إحدى أكبر مدن العالم مساحة‎.‎

‎ ‎وزارة الدفاع
ومن الرياض إلى وزارة الدفاع، انتقل سلمان، حيث عينه صاحب السمو الملكي، وزيرًا للدفاع في المملكة ‏العربية السعودية، والتي تشمل القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي. ‏

وشهدت وزارة الدفاع في عهده تطويرًا شاملًا لقطاعات الوزارة كاملة في التدريب والتسليح، كما أشرف ‏بنجاح على أكبر مناورة عسكرية في تاريخ القوات المسلحة السعودية.‏

‎ تعيينه وليا للعهد، ثم ملكا
وبعد وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد، أصدر الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز أمرًا ملكيًا ‏باختياره وليًا للعهد، ونظرا لمرض الملك السعودي، وإجرائه أكثر من عملية جراحية خلال العامين ‏الماضيين، أصبح سلمان هو من يمثل الدولة في مختلف القمم والمؤتمرات الخارجية، حتى أصبح ملكًا ‏للسعودية بوفاة عبد العزيز.‏‎

عشقه لمصر
«كان أحد المقاتلين في صفوف الجيش المصري».. هكذا يمكن اعتبار العاهل السعودي، الملك سلمان بن ‏عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين، الذي جمعه بمصر على وجه الخصوص، تاريخ طويل من ‏التعاون والمساندة، بعيدًا عن العلاقات التي تجمع البلدين.‏

وهي العلاقة التي لخصها الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال زيارته للرياض، مطلع العام الماضي، ‏لتهنئته بتولي أمور المملكة، وقال وقتها في حوار له مع قناة «العربية» السعودية: «بالنسبة للملك سلمان ‏فارجعوا للتاريخ، ومصر تعرضت لحرب 56 وكان الملك سلمان من المقاتلين الأشداء».‏

قصة تطوعه في الجيش المصري
كان أول حديث عن مشاركة العاهل السعودي في الجيش المصري، عام 2011، عندما كشف مصطفى ‏الفقي، سكرتير الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك للمعلومات، عن لقاء جمعه بالملك سلمان في مهرجان «الجندراية».‏

وأكد وقتها «سلمان» للفقي، على العلاقة القوية بين البلدين، وحبه البالغ لمصر، الذي وصل إلى تطوعه ‏بالجيش المصري، خلال حرب 56، ولم يخرج من الجزيرة ليقاتل إلا للدفاع عن أرض مصر.‏

خلال عام 1956، بدأت السعودية في تعبئة الجيوش للمشاركة في العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا ‏وإسرائيل وفرنسا على مصر، وقام وقتها مؤسس الدولة السعودية، الملك عبد العزيز آل سعود، بإعلان ‏تضامنه وتعاونه مع مصر في حربها.‏

وأرسل أبنائه الثلاثة، سلمان بن عبد العزيز، أمير الرياض وقتها، والأمير فهد، وزير المعارف بالمملكة، ‏والأمير عبدالله الفيصل، وزير الداخلية آنذاك، للقتال مع قوات الجيش المصري، ضد العدوان الثلاثي.‏

وشارك سلمان في فرقة المجاهدين السعوديين، التي تكونت للدفاع عن الوطن العربي، وتقدم الكثيرون من ‏الشعب السعودي للتطوع، وتحرك الجيش السعودي إلى الأردن في البداية، ليكون قريبًا من ميدان الحرب، ‏وفتحت مكاتب التطوع في جميع أنحاء المملكة.‏

وأشرف الملك بنفسه على عمليات التطوع وتسليم الأسلحة، وتمركزت هذه الفرق التي شارك بها سلمان ‏في محافظة السويس، والتي نجحت في وقف تقدم الجيوش المعادية، وفرض السيادة العربية المصرية على ‏المجرى الملاحي لقناة السويس‎.‎

‏وبعد انتهاء العمليات العسكرية تولى «سلمان» رئاسة لجنة التبرع لمنكوبي السويس، التي جمعت ‏التبرعات من السعوديين؛ لمساعدة المنكوبين ممن هُدمت بيوتهم من أهالي السويس، والإسماعيلية، ‏وبورسعيد.‏

وللعاهل السعودي، صور نادرة أثناء مشاركته الجيش المصري في هذه الحرب، وكان عمره وقتها نحو ‏‏21 عامًا، حيث يقف في الصورة جانب أخواه، واصطفوا بشكل نظامي مرتدين زى الحرس الوطني ‏السعودي، أمام ضابط مصري، يوضح لهم بعض التدريبات العسكرية، كما ضمت الصور لقطة نادرة ‏للملك سلمان، برفقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر‎.‎

ولم يكن السيسي، هو الرئيس المصري الوحيد، الذي تحدث عن مساندة السعودية لمصر في حربها، ولكن ‏قال عنها الراحل عبد الناصر، في خطاب شهير له بجامع الأزهر: «يوم اتصل بي الملك السعودي تليفونيًا ‏وأكد أن جيش المملكة السعودية تحت تصرف مصر، وأموال المملكة تحت تصرف مصر، وإن السعودية ‏مستعدة تعمل أي شئ وإحنا نطلب منهم هذا».‏

دوره في حرب أكتوبر
‎وكان للملك سلمان، دور حاضر أثناء حرب أكتوبر عام 1973، حيث دعا الدول العربية للمساهمة في ‏دعم المجهود الحربي؛ لمساندة الجنود على الجبهة في معركة الكرامة، وأيضًا تقديم المساعدات العسكرية ‏للجانب المصري، وسارع الأمير بتشكيل اللجنة الشعبية لجمع التبرعات للمجهود الحربي بمصر وسوريا، ‏وعمل على جمع التبرعات من منطقة الرياض التي تولى إمارتها. ‏

دوره في كارثة الزلزال
ولم تتوقف مساعدات سلمان عند حد الحروب فقط، حيث كان لأمير الرياض دور كبير، وقت وقوع زلزال ‏‏1992، الذي هز أرجاء القاهرة، حيث أمر بإرسال الدعم والمساعدات لمصر، وأنشأ الهيئة العليا لجمع ‏التبرعات لمنكوبي الزلزال، ودعا دول الخليج العربي لنجدة المنكوبين من الزلزال.‏

وتوطدت العلاقات العسكرية بين مصر والسعودية في عهد تولي «سلمان»، وزارة الدفاع، حيث أقيمت ‏أضخم مناورة عسكرية مشتركة بين الجيشين المصري والسعودي لمدة 12 يومًا من 8 إلى 20 مايو ‏‏2013، والتي عُرفت باسم «تبوك 3».

وهدفت إلى رفع معدلات كفاءة العناصر المشاركة من الجانبين، وشاركت فيها وحدات من المشاة ‏والمدفعية والمدرعات والدفاع الجوي والوحدات الخاصة، من القوات المسلحة للبلدين، وتعتبر «تبوك 3» ‏الأضخم من حيث حجم القوات المشاركة، منذ أن جرت أولى المناورات في 2008. ‏