جمال مبارك كان يتعامل فى البورصة المصرية عبر 19 شركة أوف شور تتستر وراء الأجانب
حسين سالم وعز ونجلا مبارك شاركوا فى صندوق ملاذ ضريبى تأسس فى جزر العذراء البريطانية
«الجنايات» اتهمت رشيد بالاستيلاء على 700 مليون جنيه وتهريبها عبر شركة «أوف شور» إلى الخارج
الإخوان كوَّنوا شبكة من البنوك والشركات العالمية عملت بنظام «الأوف شور».. ويوسف ندا كان «مهندس الصفقات»
فضيحة مدوية تضرب جنبات العالم بعد تسريب عدد كبير من الوثائق التى حملت اسم «وثائق بنما»، وتكشف التعاملات المالية غير القانونية لعدد من رموز العالم ومشاهيره وقيامهم بإخفاء ثرواتهم عن الأعين هاربة من كل مطالبات قانونية ومالية وإنسانية أيضا، لتعيد من جديد فتح ملف شركات الـ«الأوف شور»، التى كثر الحديث عن فسادها فى مصر، فقد اكتسب هذا النظام سمعة سيئة بسبب رموز نظام مبارك، خاصة علاء وجمال وحسين سالم، نظرًا لضلوعهم فى استخدام هذا النظام من أجل تهريب أموالهم.. «التحرير» تكشف فى السطور التالية العالم السرى لـ«الأوف شور» فى مصر.
فضيحة «وثائق بنما»
"وثائق بنما" المُسَرَّبَة من شركة "موساك فونسيكا" للخدمات القانونية، التى تتخذ من بنما مقرا لها، كشفت عن امتلاك "علاء مبارك" النجل الأكبر للرئيس السابق حسنى مبارك لشركة «بان وورلد للاستثمارات»، التابعة لشركة «بريتيش فيرجين أيلاند» العملاقة التى تدار أعمالها عبر شركة الخدمات المالية «كريدى سويس».
وسلطت الوثائق المسربة الضوء على مطالبة شركة «بريتيش فيرجين أيلاند» الوكيلة لشركة «بان وورلد» لمالكها "علاء مبارك"، شركة "موساك فونسيكا" بتجميد كل أصول وحسابات ومعاملات شركة علاء مبارك فى عام 2011 بعد الإطاحة بـ«مبارك»، وذلك بموجب قرار أصدره الاتحاد الأوروبى بتجميد حسابات وأصول عائلة الرئيس الأسبق خارج مصر.
وأظهرت شركة "موساك فونسيكا" تهاونا فى الكشف عن معلومات عن تعاملات شركة "بان وورلد" لمالكها "علاء مبارك"، وفقا للوثائق المسربة، وتقاعس عن تجميد أصول وحسابات الشركة، مما أدى إلى تغريم الأخيرة فى عام 2013 بمبلغ قدر
بـ37500 دولار (332 ألف جنيه مصرى)، لإهمالها التعاطى مع شركة لـ«عميل فائق الخطورة» وفقا للوصف المذكور بالوثائق المسربة.
ما «الأوف شور»؟
قبل الكشف عن أسرار هذا العالم فى مصر لا بد فى البداية من معرفة ما هو "الأوف شور" فهو مصطلح يبدو غامضا، إلا أن الحقيقة تؤكد أنها شركة ذات كيان قانوني يتم تسجيلها في بلد أجنبي غير بلد مؤسسيها، بل وقد تمارس نشاطها وعملها في بلد ثالث وربما تدير هذا النشاط شركة أخرى في بلد رابع، فهي عملية معقدة وصعبة جدا وتأسيس مثل هذه الشركات لا يحتاج سوى عقد تأسيس ونظام داخلي ولا تحتاج إلى مقر، فقط يشترط وجود عنوان بريدي للمكاتبات لكن الأغرب هو أن الشركة قد تكون لها عناوين أخرى، وهو ما يزيد من قدرتها على التخفي وعدم تتبع الآخرين لنشاطاتها، كما أن مؤسس الشركة يحظى بنوع كبير من السرية ويصعب الكشف عنه.
أنواع «الأوف شور»
يتم تأسيس شركات الأوف شور عبر الإنترنت بأمر مباشر من بعض البنوك، وفى ظل قوانين مكافحة غسيل الأموال يتم الكشف عن هياكل وأصول وأصحاب هذه الشركات، وهناك شركات «أوف شور» قابضة تقوم بشراء الممتلكات، وشركات خاصة حول العالم توضع بها الأموال المهربة كوديعة بنكية تتزايد فيها الفوائد والأرباح الرأسمالية، ويمكن استثمار هذه الأموال المخفية فى البورصات وأسواق المال فى صناديق استثمار لا يتوافر مثلها للأفراد العاديين، ويصعب الكشف عن المساهمين فى تلك الشركات.
19 شركة أوف شور لـ«علاء وجمال»
امتلكت Panworld Investments حصة في شركة بوليون القبرصية المملوكة أيضا لعلاء وجمال مبارك، وهي الشركة التي نسبتها 35% من صندوق EFG-Hermes Private Equite المسجل في جزر العذراء البريطانية والذي يدير ثلاثة صناديق، منها اثنان مسجلان في جزر الكايمان.
ووفقًا لقائمة مساهمي شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك) في يناير 2011، امتلكت شركة تدعى October Property Development نسبة 16% من شركة سوديك.
وتشير المستندات والوثائق الصادرة من البنك المركزى القبرصى والإسبانى إلى أن الشركات التى يسهم فيها علاء وجمال مبارك تقع فى قبرص إلى جانب شركات أخرى لهما فى بريطانيا ومصر وجزيرتى فيرجن آيلاند وكايمن آيلاند، كما أشارت التحقيقات الأولية أيضا إلى أن جمال مبارك كان يتعامل فى البورصة المصرية عبر 19 شركة «أوف شور» تتستر وراء الأجانب.
ويواجه نجلا الرئيس السابق فى قضية البورصة تهمة التلاعب تتعلق بصفقة بيع البنك الوطنى المصرى، من خلال صندوق حورس 2 الذى تم تأسيسه بنظام «الأوف شور» بقبرص عام 2004، ويسهم فيه جمال مبارك بشكل غير مباشر عبر شركة «بليون» التى يديرها علاء مبارك، وقيام صندوق حورس بشراء ما يزيد على 10% من أسهم البنك عام 2006 من الباطن بأسماء آخرين، بالمخالفة لقواعد البنك المركزى، واستغل معلومة جوهرية عن وجود عرض شراء مرتقب لأسهم البنك، ليحقق أرباحًا تخطت نصف المليار جنيه وفقًا لتقرير اللجنة الفنية لهيئة الرقابة المالية.
حسين سالم
من المستفيدين من الشركات المؤسسة في الملاذات الضريبية رجل الأعمال حسين سالم، المعروف بقربه من الرئيس الأسبق حسني مبارك، فقد امتلك «سالم» حصة في شركة غاز شرق المتوسط -التي كانت مسئولة عن تصدير الغاز لإسرائيل والأردن وإسبانيا- عن طريق شركة أخرى مسجلة في جزر العذراء البريطانية Mediterranean Gas Pipeline المملوكة لشركة أخرى مسجلة في بنما Clelia Assets Corp، والشركة الأخيرة كانت تمتلك حصصا في 18 شركة مصرية عن طريق صندوق استثمار مسجل في جزر الكايمان تحت اسم Egypt Fund بحصة تقدر بـ3 ملايين دولار، ويشارك عائلة سالم في هذا الصندوق الاستثماري السري أحمد عز بشخصه وجمال وعلاء مبارك من خلال صندوق آخر مسجل في ملاذ ضريبي آخر وهو جزر العذراء البريطانية، وتدعى Panworld Investments.
وتكشف مجموعة جديدة من الوثائق أن رجل الأعمال المصري الهارب حسين سالم أتقن إلى حد كبير جدا فن التخفي، ففي حين كانت أملاكه العقارية والسياحية والبترولية تتركز فى مصر بشكل أساسى، فإن مراكز الإدارة لإمبراطوريته المالية تقع فى جزر النعيم الضريبى البريطانية والسويسرية.
وتظهر الوثائق التي سبق نشرها أن حسابات حسين سالم تمر فى سلسلة من الإجراءات التمويلية التى تتمتع بستار من السرية البالغة، وتحميها أنظمة شركات «الأوف شور» أو المناطق الحرة، التي تجعل من حقها عدم الكشف والإفصاح عن ملاكها وممتلكاتها، غير أن سجلات أوروبية كشف جانبا من شركات سالم المخفية.
موقع زيفكس
تشير الوثائق إلى أن سالم اعتمد على مكاتب الإدارة الخارجية لشركات «الأوف شور» فى إدارة أصوله واستثماراته، ومعروف لدى الاقتصاديين أن هذه المكاتب تتقاضى نسبة عالية من الأرباح فى مقابل إخفاء جميع بيانات الشركات وملاكها وتقول الأوراق، التى يوفرها موقع "Zifex" المتخصص فى البيانات المالية للشركات المسجلة فى سويسرا، إن مكتب محاماة شهيرا فى جنيف يدعى "Croisier& Gillioz" يديره مجموعة من المحامين، برئاسة أستاذ قانون فى جامعات سويسرا اسمه أندريه جوليز، وكان يمثله فى شركة غاز البحر المتوسط، تولى هو ومحام يعمل معه يدعى «باسكال إيرارد»، وشخص يدعى أندريه ناتاليزى، فرنسى الجنسية، إدارة شركات حسين سالم فى سويسرا، وتحديدا عملاقه الاقتصادى، شركة ماسكا إس إيه، وشركاتها التابعة.
ويعتمد سالم على شركته الأخيرة فى امتلاك وإدارة عديد من استثماراته، وبذلك طبقا للقوانين السويسرية فإنه مالك مستفيد، يملك ولا يحكم أو يدير، وفوق كل ذلك، تمكن من أن يجعل اسمه بعيدا عن أعين الجهات الرقابية حتى فى أسوأ الظروف.
رشيد محمد رشيد
كما قام جهاز الكسب غير المشروع مؤخرا بإحالة وزير الصناعة والتجارة الأسبق رجل الأعمال رشيد محمد رشيد لمحكمة الجنايات بتهمة استغلال النفوذ والحصول على 700 مليون جنيه عن طريق الكسب غير المشروع، وتهريبها عبر شركة "أوف شور" إلى الخارج، فضلاً عن أن تقارير صحفية قد كشفت فى أعقاب الثورة عن إدارة رجل الأعمال الهارب حسين سالم لاستثماراته عبر سلسلة شركات أوف شور بجزر ببريطانيا وسويسرا.
«أوف شور» الإخوان
الصحفي الأمريكي فرح دوجلاس، الذي عمل في السابق مديرا لمكتب صحيفة "واشنطن بوست" في غرب إفريقيا، وهو يشغل حاليا منصب مدير مركز "إي بي إي"، كشف تحت عنوان (اكتشاف جزء صغير من إمبراطورية شركات الأوف شور لجماعة الإخوان المسلمين الدولية)، تقريرا يعتبر من أوائل التقارير التي كشفت عن مصادر تمويل الإخوان المسلمين.
وأشار «دوجلاس» في تقريره إلى أن الإخوان المسلمين نجحوا بالتوازي مع بداية ظاهرة البنوك الإسلامية الحديثة، التي عرفها العالم في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، في بناء هيكل متين من شركات «الأوف شور»، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من قدرتها على إخفاء ونقل الأمول حول العالم، فهي شركات يتم تأسيسها في دولة أخري غير الدولة التي تمارس فيها نشاطها، وتتمتع هذه الشركات بغموض كبير، يجعلها بعيدة عن الرقابة، وهو ما جعلها تنجح حتى الآن في لفت أنظار أجهزة المخابرات والمنظمات القانونية التي تطارد هياكل تمويل الإرهاب، في كل أنحاء العالم.
ومن أبرز قادة تمويل الإخوان المسلمين، الذين رصدهم تقرير دوجلاس، إبراهيم كامل، مؤسس بنك دار المال الإسلامي "دي إم إي"، وشركات الأوف شور التابعة له في "ناسو" بجزر البهاما، وهناك أيضا يوسف ندا، وغالب همت ويوسف القرضاوي، في بنك التقوي في ناسو، وأيضا إدريس نصر الدين مع بنك أكيدا الدولي في ناسو.
شبكة مالية
تكشف الوثائق التي اعتمد عليها دوجلاس في تقريره، أن الشبكة المالية للإخوان المسلمين من الشركات القابضة والتابعة، والمصارف الصورية، وغيرها من المؤسسات المالية، تنتشر في بنما وليبيريا، جزر فيرجن البريطانية، وجزر كايمان، وسويسرا وقبرص ونيجيريا، والبرازيل والأرجنتين وباراجواي، وأغلب هذه المؤسسات مسجلة بأسماء أشخاص مثل ندا ونصر الدين والقرضاوي وهمت، الذين يقدمون أنفسهم بشكل عام كقادة في الجماعة.
وكان مسئول كبير في الحكومة الأمريكية، قد أشار إلى أن مجموع أصول الجماعة دوليا، يتراوح ما بين 5 و10 مليارات دولار، بينما يرى دوجلاس أنه يظل من الصعب تقدير قيمة هذه الأصول بدقة، لأن بعض الأعضاء مثل ندا ونصر الدين، يملكون ثروات ضخمة، كما يملكان عشرات الشركات، سواء حقيقية أو "أوف شور"، ونفس الأمر بالنسبة لـ"غالب همت"، وقادة آخرين من الإخوان المسلمين، مشيرا إلي صعوبة التمييز بين الثروات الشخصية والعمليات الشرعية من ناحية، وبين ثروة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى، لكنه قال إن هذا الأمر "ليس مستحيلا".
بنوك الأوف شور الإخوانية
أما الجزء الأكثر وضوحا في شبكة تمويل الإخوان، فهي بنوك الأوف شور في جزر البهاما، التي خضعت لتحقيقات سريعة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن بنكي التقوى وأكيدا الدولي، متورطان في تمويل عدد من الجماعات الأصولية، من بينها حركة حماس، وجبهة الخلاص الإسلامية، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وجماعة النهضة التونسية، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة.
وفي وقت مبكر، كشفت المخابرات المركزية الأمريكية أن بنك التقوى وغيره من المؤسسات المالية للإخوان، تم استخدامها ليس فقط من أجل تمويل القاعدة، ولكن أيضا لمساعدة المنظمات الإرهابية على استخدام الإنترنت والهواتف المشفرة، وأسهمت في شحن الأسلحة، وأعلنت وزارة الخزانة نقلا عن مصادر في أجهزة الاستخبارات، أنه "مع حلول أكتوبر 2000، كان بنك التقوى يوفر خط ائتمان سريا لأحد المساعدين المقربين من أسامة بن لادن، وأنه مع نهاية شهر سبتمبر 2001، حصل أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، على مساعدات مالية من يوسف ندا".