بقلم – هاني ضوَّه :
كان الصحابة الكرام من أورع الناس وأخوفهم من الله وأحفظهم لحقوق الناس، حتى بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن وَليَّ بعضهم أمر المسلمين ازدادوا حرصًا على حقوق العباد ومتابعة أحوالهم.
ومن هؤلاء صحابي جليل أصبح أميرًا للمؤمنين، مع ذلك لم يركن لملك ولم يتهاون في حقوق الناس، بل كان يخرج ليتفقد أحوال الرعية، ولم يكن يتوانى يومًا عن الاعتراف بالخطأ والتقصير إن وقع منه دون قصد.
إنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، الذي خرج يومًا يتفقد الرعية، وكان بصحبته الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وأثناء سيرهما وجد خباء ويخرج منه صوت أطفال يبكون، فطرق الباب قال للمرأة يا أمة الله لماذا يبكي أطفالك، فقالت المرأة إنهم توقد النار لتوهم أطفالها الأيتام أنها تعد الطعام حتى ينامون.
ثم قالت المرأة: "الله الله في عمر"، ولم تكن تعرف أن الذي أمامها هو أمير المؤمنين عمر، فقال لها: ومن يُدري عمر بحالكم؟، فقالت له: أيلي أمرنا ويغفلَ عنا؟!.
فذهبَ سيدنا عمر بن الخطاب مسرعًا إلى بيت المال، وأنزلَ كيسًا من الدقيق، ووعاء بهِ سمن، وآخر بهِ عسل، وقال لصاحبه: إحمل عليَّ. فقال له: أأحملُ عنكَ أم عليكَ؟، فقال عمر بل إحمل عليّ.
فأرادَ صاحبه أن يحملَ عنهُ فرفض عمر وغضب وقالَ لهُ: ثكلتك أُمكَ إحمل عليّ، أأنتَ تحملُ عني أوزاري يوم القيامة؟!
وحمل سيدنا عمر بن الخطاب الطعام ورجع مسرعًا إلى اليتامى وأهم، وذهب ليعد لهم الطعام بنفسه، فعجن لهم الدقيق وأوقد النار، حتى أن عبدالرحمن بن عوف الذي كان بصحبته يصف الوضع فيقول: كنت أرى دخان النار يخرج من بين لحية عمر أمير المؤمنين.
وبعد أن أعد الطعام للأيتام قالت له المرأة: إنك لأحق بالخلافة من عمر. فقال لها عمر: يا أمة الله إذا كان الغد فإتِ إلى مجلس عمر فسأكونُ هناكَ وأكلمَه في شأنكِ، وانصرفا هو وصاحبه، وجلسَ خلف صخرة ينظر إلى الصبية، فقال له عبد الرحمن بن عوف: هيا بنا يا أمير المؤمنين فالليلة شديدة البرد، فقال سيدنا عمر: والله لن أبرحَ مكاني حتى يضحكوا كما أتيتهم وهم يبكون.
ولما كان الغد ذهبت المرأة إلى مجلس عمر في دار الخلافة، فوجدت شخصًا يجلسُ بين الإمام عليّ بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما، وكلاهما يقول له يا أمير المؤمنين، والرجل هو الرجل الذي كان عندهم بالأمس، والتي قالت له: "الله الله في عمر".
فلما رأته أصابتها رعدة، فقال لها عمر: لا عليكِ من بأس يا أمة الله، بكم تبيعين مظلمتكِ لي؟. فقالت المرأة: عفواً يا أمير المؤمنين. فقال لها: واللهِ لن تفارقي هذا المكان حتى تبيعيني مظلمتكِ، فوافقت المرأة، واشترى منها المظلمة بـستمائمة درهم من خالص ماله وليس من بيت مال المسلمين.
وطلب أمير المؤمنين عمر من الإمام علياً بن أبي طالب أن يُحضرَ ورقةً وقلماً ويكتب، نحن علياً وابن مسعود نشهدُ على أن هذه المرأة قد باعت مظلمتها لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب. ثم قال لهما سيدنا عمر موصيًا: "إذا أنا متُ فضعوها في كفني حتى ألقى الله تعالى فتكونُ حُجتي".
للتواصل مع الكاتب ومتابعته (المقالات الضوية) :
https://www.facebook.com/Dawaea