صراع جديد طفا على الساحة بين الدولة ممثلة في الحكومة والبنك المركزي من جهة وبين سطوة المال ممثلة في رجل الأعمال الأبرز المهندس نجيب ساويرس، فيما يبدو أن كل الطرق الدبلوماسية والسياسية المعهودة لرجال الأعمال -لا سيما لرجل بحجم نجيب ساويرس- قد نفذت.
ولجأ الرجل صاحب السطوة والمال خلال مقالٍ له إلى المكاشفة والمصارحة بوجود صراع بينه وبين محافظ البنك المركزي –أو هو ما حاول رجل الأعمال تصديره للرأي العام- وذلك بسبب وقوف المركزي ومحاولاته المضنية لتعطيل صفقة استحواذ ساويرس على البنك التجاري الدولي.
حيث كان يسعى ساويرس للاستحواذ على "سي أي كابيتال" من خلال شركته "أوراسكوم" وذلك بتمويل كامل من البنوك المحلية.

وقال ساويرس في مقاله إن محافظ البنك المركزي الحالي منذ كان رئيسا للبنك الأهلي وهو يسعى لتعطيل الصفقة، مؤكدا أن قراره الأخير بتحديد فترة رئاسة البنوك بـ9 سنوات فقط كان مقصودا به معاقبة البنك التجاري الدولي الذي يوافق على الصفقة.
فيما أكد مسئولون بالبنك المركزي أن قرار تقييد مدة رئاسة البنوك ليصبح الحد الأقصى لمدة تولي الرئيس التنفيذي للبنك المحلي أو فروع البنوك الأجنبية 9 أعوام، لا يستهدف شخصا بعينه، وأن المركزي لا يشخصن قراراته مطلقا.
وأوضحوا أن القرار لا يعني إخراج من ينطبق عليهم القرار من العمل المصرفي، حيث يمكنهم الانتقال للعمل في بنوك أخرى داخل مصر، خصوصا أن الحظر مقصور على العمل في بنك واحد أكثر من 9 سنوات، سواء منفصلين أو متصلين.

وأكد ساويرس أنه سيقاضي محافظ البنك المركزى بسبب قراراته بشأن تغيير رؤساء البنوك، مضيفا أن الأمن القومى طلب مراجعة صفقة شراء "سى أى كابيتال"، موضحًا أنه لديه دليل بأن محافظ البنك المركزى تدخل لإيقاف تمويل الصفقة من بنك مصر، ولكنه لا يستطيع إلا أن ينفى.

وكان عامر  قد قال في تصريحات تلفزيونية "نفسي أعرف المستحوذ (ساويرس) إيه خبرته في بنوك الاستثمار؟ إيه القيمة اللي هيضيفها في بنوك الاستثمار؟ هل الحكاية حكاية فلوس؟ لأ..لازم أسأله.. خبرتك إيه..؟"
وفي تطور ملحوظ للصراع قال رجل الأعمال إن محافظ البنك المركزي يجب أن يكون رجل اقتصاد لا مجرد "بنكي"، مضيفا أنه عليه أن يعلم حقيقة من يتحدث عنه ومؤهلاته وكونه من أكبر الاقتصاديين في مصر والعالم هو وعائلته التي تغذي نصف شركات البورصة المصرية، وفقا لساويرس.

وأضاف ساويرس: "لا يجب أن يتحدث محافظ البنك المركزي عن مؤهلاتي لأنني إذا تحدثت عن مؤهلاته مش هينبسط".
قال محمد سعيد، المحلل المالي، إن مقال نجيب ساويرس كان يحمل قدرا من الحقيقة التي أراد بها تحقيق مصالح وشخصنة للخلافات مع البنك المركزي والحكومة وذلك عن طريق إقحام نفسه بسياسات اقتصادية تخص الدولة وحدها.

وأضاف أن الأحداث الأخيرة أكدت رفض البنك المركزي لاستحواذ ساويرس على البنك التجاري الدولي، متابعا أن المركزي هو السلطة الأولى المنوط بها الحفاظ على أموال المودعين لدى البنوك وبالتالي له اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمانها، مضيفا أن إصدار المركزي لعدد من الضوابط لتمويل عمليات الاستحواذ فهو من صميم اختصاصه.
وتابع أن ساويرس حاول أن يوحي للرأي العام أن هذه الضوابط وضعت خصيصا لعرقلة صفقته بجانب قرار المركزي بتحديد مدة رؤساء البنوك التنفيذيين بـ9 سنوات فقط التي يعتقد ساويرس بأنه انتقام من رئيس، مضيفا أن القرارات التي يتخذها البنك في الواقع تعود لصعوبة الأوضاع والفجوة التمويلية الكبيرة وعجز السيولة الحاصلة.

وأردف أن ساويرس له أكثر من موقف قدم خلاله مصلحته الشخصية على الدولة، مضيفا أن الدولة لا يمكن لها أن تحارب رجال الأعمال والذين يعدون ركيزة أساسية لها في النهوض والتقدم.

وأكد أن الدولة تقف أمام التصرفات الشاذة كأن (1) يستحوذ أحد رجال الأعمال على شركة -في القطاعات التي تعاني من مشاكل متعددة كقطاع الخدمات المالية- بمبلغ كبير للغاية لترتفع أسهمها في البورصة ويتم التخلص منها بعد تحقيق أرباح طائلة، وهو سيناريو معروف لذا يسعى البنك المركزي لقطع الطرق على مثل هؤلاء أيا كانوا وليس المهندس نجيب ساويرس بشخصه.

وأبدى سعيد تعجبه من مساع ساويرس (2) من خلال شركة تعمل في قطاع الاتصالات للاستحواذ على شركة أخرى في قطاع الخدمات المالية دون سداد جنيه واحد من قيمتها وذلك عن طريق تمويل أحد البنوك لها بإجمالي قيمة الاستحواذ، وبذلك تكون إجراءات المركزي منطقية وضرورية للتأكد من جدية قرار الاستحواذ.

من جهته قال أحمد آدم، الخبير المصرفي، إن تدخل الحكومة لوقف صفقة الاستحواذ جاء متأخرا، حيث منح البنك التجاري الحكومة والبنك المركزي فترة زمنية بسيطة للفحص وإلا ستتم الصفقة.
وتابع، "من العيب أن تطفو هذه الخلافات على السطح في ظل ما نواجهه من أزمات ومشاكل على رأسها نقص الدولار وارتفاع أسعارها".

وأردف أن نجيب ساويرس يسعى منذ زمن طويل للاستحواذ على بنك، وهو الأمر الذي سبق التحذير مرارا منه وتم التأكيد على صعوبة امتلاك رجال الأعمال للبنوك في مصر، (3) نظرا لضعف النظم الرقابية لا سيما في ظل عدم وجود نظام تأميني على ودائع العملاء، مشيراً إلى أن التلاعب أو الاقتراب من أموال المودعين بالدول المتقدم قد يهوي بالمسئولين إلى السجن المؤبد غرامات مالية ضخمة وهو ما نفتقده في مصر.
وأوضح أن حقوق المساهمين في البنوك تصل إلى 5% فقط بينما 95% هي حجم الودائع وأموال العملاء، وخطورة الأمر تكمن في إمكانية استخدام رجل الأعمال لأموال المودعين عن طريق الاقتراض لتوظيفها حسب أهوائه وهو ما يزيد من نسبة المخاطر ويهدد هذه المدخرات.

وأشار إلى أن رجال الأعمال يقدمون ضمانات كبيرة للبنوك قبل الحصول على القروض، وإذا استحوذ رجال الأعمال على البنوك فسيحصلون على القروض دون ضوابط ضامنة لحقوق العملاء.
وأضاف أن قول ساويرس بمقاله "أرض الله واسعة" هو تهديد بسحب استثماراته، متابعاً أن ساويرس حقق مكاسب ضخمة واستفادة كبيرة من الدولة، لافتا إلى أن صفقة "أوراسكوم - لافارج" كان مستحقا عليها ضرائب نحو 14 مليار جنيه لم يتم سدادها.
وتابع أن هذه الضرائب كفيلة لترفع أعباء كثيرة عن كاهل المواطن البسيط ولتوفر على الدولة بدلاً من تحرير الدعم الذي يضر بمحدودي الدخل.