اعتبر سامي البشير المرشد، المحلّل السياسي المهتم بالعلاقات الإقليمية والدولية أن تأثير إيقاف السعودية دعمها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي إيجابي على لبنان وليس سلبياً، لأن السعودية أرادت أن تحدث بهذا القرار هزّةً للوضع في لبنان.
 
وذكر أنه بدا واضحاً في الفترة الأخيرة أن كلّ الأطراف السياسية اللبنانية بدأت تتعايش مع هيمنة حزب الله والمحور الإيراني على المشهد السياسي، وبدا واضحاً تسليم صنّاع القرار بأن تلك الهيمنة غير قابلة للتغيير ويجب التعايش معها.
 
وكانت السعودية قد أعلنت الجمعة 19 فبراير/ شباط 2016، قطع المساعدات الخاصة بتسليح الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي. وذلك بسبب "مواقف حزب الله".
 
المخططات الإيرانية والحلف العربي
المرشد قال في تصريحات لـ"هافينغتون بوست عربي" إن حزب الله وحلفاءه استطاعوا شلَّ المؤسسات الدستورية ومنعوا انتخاب رئيس للجمهورية، وشلّوا كلّاً من مجلس الوزراء ومجلس النواب ومنعوهما من القيام بدورهما الوطني لخدمة الشعب اللبناني.
 
تأثير القرار السعودي على لبنان
وكانت السعودية قد طالبت أمس الثلاثاء 23 فبراير/ شباط رعاياها بمغادرة لبنان وحذرتهم من السفر إليها وذلك "حرصاً على سلامتهم". وهو الأمر الذي اعتبر بمثابة خطوة تصعيدية جديدة من قبل السعودية تجاه لبنان.
 
ورأى المرشد أن بعضاً من مظاهر نجاح القرار السعودي ظهرت في اليوم الأول للقرار، إذ تمّ فرض رؤية القوى الوطنية اللبنانية في مجلس الوزراء حول الدعم السعودي والأمن القومي العربي، فيما صدر من بياناتٍ واستقالات والتهديد ببعض الإجراءات الأخرى إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
 
فقد أكد رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام، على وقوف لبنان الدائم بجانب الدول العربية مشدداً على التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس.
 
كما دعا رئيس الوزراء البنان الأسبق سعد الحريري إلى التوقيع على وثيقة عروبة لبنان من أجل التأكيد على التقارب اللبناني السعودي.
 
وأبدى المرشد تفاؤله قائلاً إن هذا كله سيشجع القوى الوطنية وأكثرية الشعب اللبناني لاتخاذ بعض المبادرات، التي ستساعد في انتخاب رئيس للجمهورية وربما الضغط على الحزب لإعادة النظر في تدخّله غير المبرّر في سوريا، مما سينعكس على إعادة التوازن في المنطقة وتقوية المحور العربي بقيادة السعودية، وانعكاس ذلك على الأوضاع في المنطقة بما في ذلك العراق واليمن.
 
حقيقة التقشُّف المالي السعودي
وكان حزب الله اللبناني قد أعلن أن قرار وقف المساعدات السعودية لم يفاجئ أحداً وكان كلُّ المسؤولين على دراية تامة به منذ فترة وأنه نتيجة للأزمة المالية الخانقة التي تعيشها السعودية نتيجة لانخفاض أسعار النفط وارتفاع نفقاتها في اليمن، على حدّ تعبيره.
 
"لا ليس للتقشف المالي في السعودية ولا الميزانية ولا أسعار النفط علاقة مباشرة بهذا القرار إطلاقاً"، بهذه الجمل ينفي المرشد أن يكون القرار السعودي ناتجاً بسبب سياسة التقشّف المالي الذي تنتهجه السعودية مؤخّراً.
 
وقال المرشد، الذي يعوّل الكثير على القرار السعودي "الأمر أوسع وأعمق من ذلك ويتعلّق بمحاولة إنقاذ لبنان من النفوذ الإيراني، الذي أصبح طاغياً فيه وإعادة التوازن الداخلي بين أحزابه وطوائفه، بما يتناسب مع مصالح الأمن القومي العربي وإعادة الاستقرار للمنطقة".
 
حزب الله والهيمنة بمساعدة إيرانية
وحول ما إذا كان هذا القرار اعترافاً من السعودية بأن إيران عن طريق حزب الله باتت تهيمن على لبنان قال المرشد "نعم السعودية استشعرت خطر النفوذ الإيراني في لبنان، لكنها لم ولن تستسلم لذلك وهي تعمل مع اللبنانيين لتقليل هذا الخطر".
 
رسالةٌ صريحة للحلفاء
يذكر أن موقف الحكومة المصرية من السعودية ليس في أفضل حالاته، وذلك بعدما رفضت مصر الاستجابة للمطالب السعودية بإمكانية التدخّل عسكرياً في سوريا.
 
فعلى الرغم من التصريحات السابقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن مصر ستكون على "مسافة السكّة" عندما يتعلّق الأمر بأيّ تهديد للأمن الخليجي، وعلى الرغم من مليارات الدولارات التي منحتها السعودية لمصر منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، إلا إن مصر لم تستجب للدعوات السعودية بالتدخل في سوريا.
 
"إنها رسالة صريحة وليست مبطنة من السعودية لحلفائها مثل مصر وموقفها المتذبذب"، بهذه العبارة أكّد المرشد على أن قرار السعودية تضمَّن رسائل عدة.
 
وذهب المرشد أبعد من ذلك عندما قال "هي رسالةٌ لكل الدول العربية وحلفاء السعودية، بأن الوضع العربي في خطر والأمور لم تعد تحتمل المجاملة، وعلى الجميع تحمّل مسؤولياته الوطنية والقومية بكل جدية، والابتعاد عن التخاذل أو التهاون في كل الأمور السياسية والأمنية المحلية والإقليمية".
 
مساعدات السعودية 70 مليار دولار
وتمتد العلاقة السعودية/اللبنانية منذ عام 1953، وحتى صدور القرار السعودي الأخير بوقف المساعدات ومراجعة العلاقات مع بيروت، فإن الدعم المالي السعودي كان مستمرّاً في مجالات متعددة، ووفقاً للإحصائيات والتقارير الصحافية الاقتصادية التي لم يكن ممكناً التأكُّد من صحّتها، فقد وصلت مبالغ الدعم السعودية إلى لبنان نحو 70 مليار دولار خلال الفترة من عام 1990 إلى 2015، وكانت تقدّم على هيئة استثمارات ومساعدات ومنح وهبات وقروض ميسّرة.
 
200 مليون دولار من إيران لحزب الله
ونشر معهد واشنطن للدراسات في يوليو/تموز 2015، دراسةً حول التدخّلات الإيرانية في كامل المنطقة العربية، وقالت الدراسة إن تدخل إيران في لبنان مالياً مرتبطٌ فقط بحزب الله، ووفقاً للدراسة فإن إيران تموّل حزب الله نحو 200 مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى الأسلحة والتدريب والدعم الاستخباراتي.