لا تستقووا بغير القانون وتحصنوا بسلطان القضاء والتمسك بالدين والمواريث

الآباء والأجداد غالبوا شظف العيش في الصحراء وعرض البحار.. والوحدة إرادة مشتركة

نستذكر بالامتنان والتقدير مواقف الأشقاء في الخليج والدول الشقيقة والصديقة

ملتزمون بالنهج الديموقراطي.. والحرية المسؤولة خيار لا رجعة فيه

الديموقراطية لغة الدستور والقانون تتيح الرقابة والمساءلة والنقد الموضوعي

التجارب أثبتت حاجتنا إلى استيعاب الدرس ونبذ الفرقة والتباعد والترفع عن التحزب

مسيرتنا ثمرة جهود ولم تخل من عثرات تجاوزها أبناء الكويت بالاجتماع على كلمة سواء

سيبقى الدور البطولي الأمثولة في مواجهة الغزو للراحلين الكبيرين جابر الأحمد وسعد العبدالله

شعور مهيب مليء بالعزة والكبرياء أن نستذكر بالفخر الشهداء والأسرى

المواثيق والثوابت ليست جديدة على كويت الدولة التي لم تقم اليوم

ثوابتنا الوطنية احترام الشرعية الدولية والتعاون البناء

سلكت الكويت طريق الخير في دعم القضايا العادلة بتعاونها مع الدول العربية والإسلامية

ندعو دائما إلى التخطيط الشامل سبيلاً علميا وعملياً لتحقيق التنمية المستدامة وانجاح مشروعاتها

أمامنا تحديات لا يتجاهلها واعٍ.. ونتوسط منطقة مثقلة بتفاعل الأحداث والمتغيرات المتسارعة




جدد صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح- حفظه الله- الالتزام بالنهج الديموقراطي الذي لا تراجع عنه كما جاء في كلمة القاها سموه إلى ابنائه المواطنين مساء أمس شدد فيها على ان الديموقراطية تعني الدستور والقانون وإتاحة الرقابة والمساءلة والنقد الموضوعي.
وأكد سمو الأمير حفظه الله في خطابه بمناسبة أعياد الكويت أن كويت الوطن للجميع ولم تكن في يوم لفريق دون آخر ولا جماعة دون أخرى، مستذكراً سموه مغالبة الآباء والاجداد شظف العيش في صحراء الكويت وفي البحار تجمعهم الإرادة المشتركة داعياً الى استيعاب الدروس ونبذ الفرقة والتعصب ومشيراً سموه إلى توسط الكويت منطقة أحداث ومتغيرات متسارعة.
وفيما تطرق سموه في خطابه إلى ذكرى الغزو والتحرير مترحماً على الشهداء ومعلياً تضحيات الأسرى وجميع أهل الكويت فقد شدد حفظه الله على تشاطر الشعور مع المواطنين بأن الراحلين الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبدالله كانا أمثولة التضحية والعمل من أجل التحرير ومواجهة العدوان الغادر.
وتقدم سموه بالشكر لكل من ساند الكويت في تلك المحنة مرحباً بضيوف البلاد ممن حضروا لمشاركة الكويت الاحتفال باعيادها وفيما يلي نص النطق السامي.

كلمة صاحب السمو
بسم الله الرحمن الرحيم

{رب اجعل هذا البلد آمناً وأرزق أهله من الثمرات}
صدق الله العظيم

الحمد لله الذي أكرمنا بنعمه التي لا تحصى وجعل لنا وطناً آمناً مستقراً، وأفاء علينا من فضله بالرخاء والخير الوفير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه الأكرمين.
أيها الإخوة والأخوات، يا أبناء ديرتي الأحباء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته….
أتوجه إليكم اليوم بأرفع آيات التهنئة والتبريكات بمرور خمسين عاما على تكريس ثوابتنا المبدئية في الاستقلال والسيادة، ومرور عشرين عاماً على الوقفة المشرفة لأبناء هذه الأرض الطيبة بصمودهم وبسالتهم وتضحياتهم المشهودة في مواجهة الاحتلال الغادر، والتفافهم حول قيادتهم الشرعية لتحرير الوطن العزيز، وبذلهم للغالي والنفيس من أجل الحفاظ على وطنهم عزيزاً مكرما.
وفي هاتين المناسبتين التاريخيتين فانكم تشاطرونني مشاعر الوفاء والحب والعرفان لفقيدينا الكبيرين الراحلين، صاحب السمو الامير الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وصاحب السمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمهما الله وطيب ثراهما الطاهر، اللذين سيبقى دورهما البطولي الامثولة في مواجهة الغزو البغيض وماقدماه من جهود وانجازات في خدمة كويتنا الغالية اضاءات ساطعة في ذاكرة كل الكويتيين، وقد واصلا مع المخلصين من ابناء هذا البلد الطيب الليل بالنهار من اجل استعادة الحق والحرية والكرامة، متفانيين في اعادة اعمار البلد بعد الغزو الهمجي المدمر خلال فترة قياسية كانت محل تقدير العالم اجمع.
كم هو شعور مهيب مليء بالعزة والكبرياء ان نستذكر بكل الفخر والتقدير مئات الشهداء والاسرى والمفقودين الذين ضحوا بدمائهم ونفوسهم الابية للدفاع عن تراب الوطن الغالي، فللشهادة مقامها الجليل ومكانتها العالية عند الله، نسأله تعالى ان يتغمدهم بواسع رحمته ورضوانه وينزلهم منازل الابرار مع الشهداء والصديقين، إنه سميع مجيب.
هذا وحري بنا في هذا المقام أن نستذكر بكل امتنان وتقدير مواقف أشقائنا في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والدول العربية الأخرى الشقيقة والدول الصديقة وقادتها الذين وقفوا الى جانب الكويت إبان فترة الاحتلال العصيبة، وساهموا مساهمات جليلة معنا في تحقيق النصر المؤزر، في ملحمة امتزجت فيها الدماء الزكية، دفاعاً عن مبادئ الحق والحرية والعدالة.
ويطيب لي في هذه المناسبة أن أتقدم باسم أهل الكويت جميعاً بالشكر والترحيب برموز المبدأ والموقف، ضيوفا أعزاء في هذه المناسبة الجليلة، مؤكدا بان شعبنا الوفي لن ينسى وعلى مدى الدهر هذه المواقف الشريفة الشجاعة.
كما لا يفوتني أن أسجل بالعرفان والتقدير الدور البارز لمنظمة الأمم المتحدة، والتفويض الذي منحه مجلس الأمن للدول المتحالفة مع الكويت باستخدام جميع الوسائل الممكنة لتحريرها، وعودة الشرعية اليها، وضمان حدودها، وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، الامر الذي اعتبر وبحق احد انصع وابرز انجازات الامم المتحدة.
الأخوة والأخوات الكرام..
ان كويت الدولة التي ننعم بأمنها وامانها لم تقم اليوم، وليست المواثيق والثوابت فيها جديدة، كما لم تكن وليدة الصدفة ولم تكن إملاء، وانما هي بتوافق شعبها وحكامها.
ان كويت الوطن لم تكن يوما لجماعة بذاتها او لفريق دون آخر، ولم تكن في سماتها ابداً قبلية او طائفية او فئوية، وكل ما تحقق من مكاسب وانجازات، انما هو بفضل تآلف وتكافل وتلاحم اهل الكويت جميعا مستكملين مسيرة الآباء والاجداد وهم يغالبون شظف العيش على صحرائها وفي عرض البحار والمحيطات، والديموقراطية فيها صوت الضمير لديهم امتثالا لقوله تعالى: {وشاورهم في الامر} ووحدة اهلها فيها هي الارادة المشتركة الجامعة لهم على مواجهة التحديات، وهي ملاذنا ومستقرنا ما بين المهد واللحد الى يوم الدين.
وإذ أجدد اليوم التأكيد بأن التزامنا بالنهج الديموقراطي وبالحرية المسؤولة، ثابت وراسخ ومتجذر، وهو خيارنا جميعاً الذي لا رجعة فيه، فإن الدستور يمثل العقد الذي ارتضيناه حكما عادلاً، يعمل الجميع تحت سقفه وفي إطاره، وهو الانجاز الحضاري الذي نفتخر به ونعتز وسأعمل دوماً من أجل صيانته وحمايته.
ولا شك بأن الديموقراطية تعني لغة الدستور والقانون، والحرية المسؤولة المحكومة بالأطر القانونية المحددة، التي تحقق المصلحة الوطنية العليا، وتتيح الرقابة والمساءلة والنقد الموضوعي لكل خلل أو تقصير ولم تكن يوماً أداة للفوضى والانفلات والتشكيك والتحريض.
فطوبى لكل من عاش من أهلها على ترابها ضارعاً مرضاة الله في وطنه، وطوبى للحكومات والمجالس التشريعية المتعاقبة وطوبى لكل مخلص كان له شرف المشاركة في مسيرة بناء الدولة العصرية، دولة القانون والمؤسسات.
ان هذه المسيرة الطيبة لم تتحقق عن طريق الاحلام والخطب والتمنيات، وانما هي ثمرات جهود دؤوبة مبرورة، وارادة حرة خلاقة، والتزام صادق بامانة المسؤولية في العمل والانجاز، وتواصل حي في الوفاء والعطاء جيلا بعد جيل.
مستذكرين بالشكر والعرفان فضل الاولين من رجالات الكويت ونسائها، الذين سطروا بأعمالهم وانجازاتهم الخالدة نماذج وضاءة من العطاء، والاخلاص للوطن، كل في موقعه، وحسب قدراته، فقد حمل هؤلاء للاجيال القادمة أمانة الكلمة، والاخلاص في العمل، والتفاني بحب الوطن، والاستقامة في الخلق.
ولم تكن هذه المسيرة خالية من العثرات التي تجاوزها ابناء الكويت باجتماعهم على كلمة سواء، متحصنين بروح المسؤولية وبرصانة الحوار وسعة الرؤية، متسلحين بالعلم والمعرفة، متعاونين دائماً بما يجعل الكويت هي الرابح الاكبر.
إن من الصفحات الوضاءة في مسيرتنا الوطنية، تلك الخطوة الريادية المباركة نحو تعميق المشاركة الشعبية بدخول المرأة الكويتية محراب البرلمان لتمارس حقها السياسي والدستوري في الانتخاب والترشيح، وهي خطوة تمت بإرادة كويتية خالصة وبوعي ديموقراطي لافت اثار إعجاب واحترام العالم كله.
ومن هذه الصفحات الناصعة، تلك المبادرات التي انفردت بها الكويت فأكسبتها المكانة المرموقة التي تستحق في محيطها والعالم وفي مقدمتها تسليط الضوء على أهمية محاربة الفقر والجوع والمرض، وقد أنشأت مع استقلالها أقدم مؤسسات تمويلية في العالم العربي والشرق الأوسط، وهي الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لتقديم العون والمساعدة الى الدول الشقيقة والصديقة والدول المحتاجة، حتى وصل هذا الامر الى أقصى ديار المعمورة.
هذا، وقد دأبت الكويت على انفتاحها الإيجابي المتوازن فيما يحكم سياستها الخارجية التزاماً بثوابتها الوطنية المبدئية واحتراما للشرعية الدولية تأسيساً لروابط وعلاقات اقليمية ودولية قائمة على التعاون البناء في إطار المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
ولقد سلكت الكويت طريق الخير في دعم القضايا العادلة بتعاونها مع الدول العربية والإسلامية وسائر الدول الصديقة في العالم، لاسيما شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي، وبمساندة المنظمات الدولية وتعزيز دورها في المحافظة على الامن والسلام الدوليين.
الأخوة والأخوات الكرام..
اننا في الكويت ندعو دائما الى التخطيط الشامل سبيلا علميا وعمليا لتحقيق التنمية المستدامة وانجاح مشروعاتها المستهدفة، وانني أؤكد على ان قضيتنا المركزية في التنمية تقوم على بناء الانسان باعتباره المكون الاساسي في مواجهة قضاياها، ولا يفوتني ان انوه بدور شبابنا الواعد في صناعة الغد المأمول، فهو حجز الزاوية في اي بناء وانجاز، وانني على يقين ثابت بقدرة ابنائنا من شباب الكويت على تلمس السبيل الصحيح، وهو حريص على تجاوز تحديات المستقبل، متوسماً ان تعيش الاجيال الكويتية قوية محمية من الصدمات والنوائب، شريكة في المسؤولية الوطنية، عاشقة لبلدها، متصلة بتاريخها وتراثها.

الإخوة والأخوات الكرام…
مع مرور نصف قرن على الاستقلال وعقدين على التحرير، اجد نفسي وقد تشرفت بحمل أمانة مقاليد الحكم لخمس سنوات خلت، أنني على العهد في الحديث اليكم من القلب، وفي غمرة الفرحة وأجواء البهجة والسعادة التي نعيشها هذه الأيام في ظل مناسباتنا الوطنية المجيدة، وما تجسده من معاني العزة والفخر وما تنطوي عليه من استحقاقات واجبة، علينا الا ننسى ان أمامنا تحديات جسيمة لا يمكن لواع مخلص أن يتجاهلها، وقدرنا ان تتربع أرضنا الطيبة على رأس الخليج العربي، متوسطة بذلك منطقة مثقلة بتفاعل الأحداث والتطورات والمتغيرات المتسارعة، وهو ما يقتضي منا التزام الحذر واليقظة، وحسن ترتيب الأولويات في ضوء قراءة نافذة ومتابعة واعية لتداعياتها واسقاطاتها أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأن نهيئ العدة لدرء الأخطار والتحديات التي تحملها إلى ساحتنا المحلية قبل فوات الأوان.
اننا في مرحلة عامرة بالملفات والالتزامات وعلينا كل في موقعه ان نسارع الى حسن التخطيط واستثمار الوقت والامكانات والتفاني في العمل وأداء الواجب بما يجنبنا التساهل والاسترخاء وانفلات الزمام واستباحة المحظورات بتبعاتها باهظة الأثمان ولنعلم أنه لا طاقة لنا في مواجهة هذه التحديات الا بتماسكنا جميعا وتوحيد صفوفنا.
ولقد أثبتت التجارب بما لا يدع مجالا للشك أننا بحاجة الى استيعاب الدروس والعبر في نبذ الفرقة والتباعد والترفع عن التحزب والتعصب وتحكيم العقل والحكمة والارتقاء الى حجم المسؤولية الوطنية في تغليب المصلحة العامة على سواها وفي ذلك سبيلنا لمرضاة الله في وطننا «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» صدق الله العظيم.
وأعود لأذكركم بنعم الله علينا وما أكثرها وعلينا نحن تقع مسؤولية المحافظة على ما اختصنا به رب العالمين من خيرات وأفضال فمن نعمه ان جعلنا في وطن آمن يبعث الطمأنينة في نفوسنا ويحمي مقدراتنا وخياراتنا في العيش الكريم.
ومن نعم الله المباركة أن جعلنا أسرة واحدة ونسيجا مترابطا نستشعر فيه الألفة والتلاحم والقوة الجامعة في بوتقة وطنية واحدة.
ومن نعمه كذلك تلك الخصوصية الكويتية للعلاقة المتفردة بين الحاكم والشعب، بما يحكمها من روابط الأخوة والتلاحم والتكامل، والتي كان لها الفضل بعد الله تعالى في تحرير دولة الكويت بعد ان تجسدت الوحدة في المؤتمر الشعبي الذي عقد في جدة إبان فترة الاحتلال الآثم.
ومن نعمه أيضا أننا نستظل بأجواء من الحرية قل نظيرها، وهي تعكس السمات الفكرية والحضارية في إبداء الرأي والتعبير والانفتاح على النفس وعلى الغير.
وأيضا من نعم الله أننا في قلعة الديموقراطية الحصينة بالإرادة الكويتية في احترام الذات الانسانية والحقوق الآدمية التي حرص مجتمعنا على التمسك بها منذ نشأته.
وأنها لمناسبة ان أدعوكم الى المحافظة على ما حبانا به الله، فبحمده تدوم النعم وتيمناً بقوله تعالى «ولئن شكرتم لأزيدنكم»، مجدداً الدعوة الى الجميع في الحرص على تسييد القانون والحذر من مغبة الاستقواء بغيره، داعيا في آن معا الى التحصن بسلطان قضائنا نزيها عادلا مستقلا، والالتزام بمنظومة دولة القانون والمؤسسات.
يا أبناء ديرتي الأحباء، نملك كل مقومات الانطلاق والتقدم والنماء، بكم ومعكم أتطلع الى مستقبل أرحب من الحاضر باذن الله حيث تتجدد الآمال وتتسع فسحات التفاؤل «ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم» صدق الله العظيم.
اننا نؤمن بالله جل جلاله ملتزمين بتعاليم ديننا الحنيف متمسكين بالمواريث والقيم الفاضلة المستقرة في أعماقنا ثوابتَ عاصمة لنا فيما نقول ونعمل لاستكمال بناء الدولة العصرية التي نتطلع اليها ونطمح.
ندعو الله العلي القدير ان يعيننا على أداء الأمانة وأن يكتب لنا السلامة في الرأي ويجمع كلمتنا على الحق ويسدد مقاصدنا وخطانا فيما يعود على كويتنا الحبيبة وأهلها المخلصين الأوفياء بالعزة واليمن والخير الوفير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته