الشجار والعراك بين النواب قد يكون من المشاهد المكررة فى كثير من برلمانات العالم، أما أن يكون هذا الشجار بين وزير فى الحكومة ونائب فى البرلمان، فهو أمر يحتاج إلى كثير من التوقف لتأمُّل المشهد، بخاصة حينما يلجأ الوزير نفسه إلى استخدام يده فى الشجار أو اختيار عدد من الكلمات البذيئة للتطاول على النائب البرلمانى المتعارض مع سياسته.


أشهر هذه الوقائع واقعة الخناقة الشهيرة بين وزير الداخلية زكى بدر وأحد نواب «الوفد»، للرد على الاتهامات الخاصة بالتعذيب فى السجون. بدأت الواقعة حينما حاول النائب الوفدى طلعت رسلان الهجوم على وزير الداخلية فى الجلسة التى عقدت فى 20 فبراير 1989 برئاسة الدكتور رفعت المحجوب، مما دفع الوزير زكى بدر إلى التعرض فى الحديث لشخص وسياسات فواد سراج الدين باشا رئيس حزب الوفد آنذاك، وهو الأمر الذى رفضه نواب الوفد، ودفع النائب على سلامة إلى الصياح لإسكات «بدر» الذى استفزه قائلاً: «اقعد يا علِى، اقعد يا على»، فردّ عليه النائب علِى سلامة قائلاً: «على بس كده؟»، قال له الوزير: «اقعد يا على بيه، بلاش، اقعد يا على باشا»، وطالبه الدكتور رفعت المحجوب بالتزام الصمت، إلا أن الجلسة شهدت حالة من الهرج والمرج، بخاصة حينما تَقدَّم النائب علِى سلامة نائب الوفد للمنصة التى كان يقف عليها الوزير، وسحبه من يده، فما كان من «بدر» إلا أن صفعه وشتمه بألفاظ نابيه، وتَرتَّب على ذلك حذف وقائع المشاجرة من مضبطة الجلسات.

ويرصد الدكتور كمال الجنزورى، رئيس الوزراء الأسبق، فى كتابه الشهير «طريقى.. سنوات الحلم والصدام»، علاقته بالبرلمان قائلاً: «كنت شاهد عيان على علاقة الحكومة بالبرلمان، وحاولت أن أتصدى لبعض الأخطاء التى تقع فيها الحكومة خلال تعاملها مع البرلمان حينما توليت مسئولية رئاسة الوزراء، فمثلاً طلبت من وزير الداخلية اللواء حسن الألفى وقتها عدم الاستجابة لتوصيات بعض أعضاء المجلس سواء للالتحاق بكلية الشرطة أو للعمل بالنيابة».

الحال نفسه فى قضية العلاج على نفقة الدولة داخلياً وخارجياً، بخاصة بعد أن أصبحت مباحة لأى نائب دون النظر إلى طلب العلاج، لكن يبدو أن منهج الدكتور كمال الجنزورى لم يَرُق إلى بقية رؤساء الحكومات المتعاقبة، إذ كثر الحديث دون الفعل، وهو ما أدى إلى حدوث غليان تحت قبة البرلمان.

فهناك واقعة شهيرة بين النائب علاء عبدالمنعم والدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية فى حكومة الدكتور أحمد نظيف، حينما ردّ على بيان النائب حول إعادة هيكلة الشركات القابضة، وقال له: «بلاش تتنطّط كده»، فما كان من النائب إلا أن صاح فى وجهه: «احترم نفسك، احترم نفسك». وتَدخَّل الدكتور فتحى سرور رئيس المجلس لاحتواء الأزمة وطلب حذفها من المضبطة، وقال: «يحترم نفسه؟ عيب كده، أنا هاعطيك الكلمة، بسّ الوزير يخلص رده»، وردّ عليه عبدالمنعم قائلا: «مايقولّيش (يتنطط) ويحترم نفسه، ميصحّش كده».


وتشهد وقائع جلسات برلمان 2005-2010 انتقاد النائب علاء عبدالمنعم للسياسات الاقتصادية لوزراء حكومة الدكتور أحمد نظيف، كما شهد هذا الفصل التشريعى أقوى المعارك بين النائب الدكتور جمال زهران «مستقل»، والوزير الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار، خلال الاستجواب حول خصخصة «عمر أفندى» وبيعه بأبخس الأثمان.

وحاول الوزير محيى الدين استيعاب الموقف قائلاً: «أشكر أخى وصديقى وحبيبى وكمان قريبى من القليوبية»، إلا أن زهران قابل كلامه الودود بعصبية قائلاً: «فى المصلحة العامة لا توجد صداقات أو قرابة»، واتهمه بأنه عرَّاب بيع القطاع العامّ وأنه كان ينفّذ سياسات صندوق النقد الدولى لخصخصة الشركات العامة. ورفض الوزير الكلام، وتَدخَّل الدكتور سرور لاحتواء الأزمة.

وفى برلمان 2012 حدث صدام بين الحكومة والبرلمان بسبب هجوم الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين آنذاك، على أحد أعضاء جماعة «الإخوان» المنحلة بحكم قضائى. تفاصيل الواقعة تعود إلى ردّ الوزير «عبدالخالق» على النائب محمد عبدالله على بتهكُّم شديد فى إحدى القضايا الخاصة بالوزارة قائلاً: «أزعجنى كلام سيادة العضو، وألمح فيه اتهاماً للحكومة، وأرجو أن يُحذف من المضبطة أو أن يُتخذ وقفة ضد هذا العضو»، وهاج نواب الإخوان.

قبل بداية برلمان 2016، شهدت أروقة مجلس النواب خناقة بين عدد من النواب فى مقدمتهم مصطفى بكرى وتوفيق عكاشة وآخرون، بسبب قبول المستشار مجدى العجاتى وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية، استقالة اللواء خالد الصدر وتعيين المستشار أحمد سعد الدين بديلاً له، لخبرته القانونية التى يحتاج إليها البرلمان.