لم يكن عاما عاديا لهذا البلد‏,‏ رغم ان شعبه ذاق الكثير من الأهوال والمرارات علي مر فترات طويلة‏, ولم يعد يتذكر أياما سعيدة .

‏‏فحتي أعياده القومية ومواسمه الدينية تنتشر فيها أشلاء الجثث هنا وهناك بفعل الإرهاب الذي ينخر فيه كما السوس في الجسم الوهن‏.‏فكل أيام هذا البلد حبلي تقريبا بالأحداث الكثيرة‏,‏ أحداث معظمها صعبة علي ذاكرة العراقيين علي مدي عام‏2010,‏ فهو عام يتمني الشعب العراقي بكل أطيافه السياسية وطوائفه الدينية نسيان نكباته السياسية والأمنية‏,‏ باستثناء إخراج هذا البلد من تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة‏.‏ بيد انه يكتب لهذا الشعب انه نجح قبل ان يلفظ العام أنفاسه الأخيرة في التوصل الي صيغة ترسم شكل الحكومة المقبلة بعد تقسيم الاختصاصات والكتل النيابية الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مارس الماضي‏.‏ وإذا كنا تحدثنا عن نجاح العراقيين في إعلان التشكيلة الحكومية بعد مجهود مضن استلزم تدخلات إقليمية ودولية عموما وأمريكية وإيرانية علي وجه التحديد‏,‏ فالعراقيون تمكنوا أيضا من خفض مستوي العنف بصورة ملحوظة قبل إجراء الحدث الأبرز منذ غزو العراق وهو الانتخابات‏.‏ و يكتب للأكراد تبنيهم موقفا حياديا إبان أزمة تشكيل الحكومة‏,‏ مما أتاح لهم طرح المبادرات والأفكار بهدف الإسراع في تجاوز الأزمة الدستورية خاصة بعد مرور أكثر من ثمانية اشهر علي إعلان نتيجة الانتخابات بدون إعلان الحكومة‏..‏ فالأكراد أيضا هم الذين استضافوا مفاوضي تشكيل الحكومة التي طال أمدها‏,‏ حتي ظهر الأمل بتكليف نوري المالكي بتشكيلها‏.‏ بيد أن هؤلاء الأكراد ويمثلهم هنا مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان صعب عليهم الخروج صفر اليدين قبل ان يختتم العام دقائقه وساعاته الأخيرة‏.‏ ومثلما كان البرزاني صاحب مبادرات حل الازمة السياسية واستضافة المفاوضات الماراثونية لحث كل الكتل الفائزة في الانتخابات علي تنحية مشاكلها جانبا والنظر الي مصلحة الوطن أولا‏,‏ كان ايضا الزعيم الذي اطل مرة أخري ليكون بطل مفاجأة جديدة فجرها امام العراقيين‏.‏ فالبرزاني أراد تذكير القادة العراقيين بأهمية الأكراد و إنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية‏,‏ وليكون إعلانه القنبلة‏:'‏ ان مطالبتنا بحق تقرير المصير ينسجم مع طبيعة ومقتضيات المرحلة‏'.‏ وتزامنت قنبلة البرزاني في وقت ظن فيه القادة العراقيون ان أصعب مشكلاتهم قد تم احتواؤها و ذهبوا يملؤهم الامتنان الي صاحب الدور الملموس في إنهاء الأزمة السياسية والدستورية‏,‏ فكانت المفاجأة أثناء الاجتماع الثالث عشر للحزب الديمقراطي الكردستاني‏.‏ ربما لم يأت رئيس إقليم كردستان بجديد حين طرح هذه الفكرة‏,‏ و إنما مبعث الخطورة هو توقيت ومكان الاقتراح‏,‏ خاصة وان البرزاني استغل حضور رئيس الدولة و رئيس الوزراء المكلف و رئيس مجلس النواب ليلقي قنبلته الموقوتة‏.‏ ربما يكون تصريح البرزاني ليس بالجدية حتي يتم تنفيذه‏,‏ خاصة وان السياسيين الأكراد يرغبون في الحفاظ علي مكتسباته ومناصبهم في الدولة وما حققوه طوال الأعوام الفائتة‏.‏ ولكنه في الوقت نفسه هو تصريح يتسم بالذكاء السياسي‏,‏ لان البرزاني يقصد به تذكير العراقيين قبل تشكيل حكومتهم بأن الجميع شركاء و متساوون في الحقوق و الواجبات‏.‏ وإن لم يكن المستقبل كذلك‏,‏ فالخيارات مفتوحة أمام الأكراد غير البقاء ضمن العراق‏,‏ إذا استمر تجاهل مطالبهم و التمسك بسياسات يعتبرونها مجحفة بحقهم‏.‏وبعيدا عن الأزمة السياسية وقنبلة البرزاني‏..‏ فقد تحقق للعراقيين في الأيام الأخيرة من العام أمنية غالية‏,‏ باعتماد قراري مجلس الامن‏1975 و‏1985‏ بشأن إخراج العراق من تدابير الفصل السابع الخاصة بالعقوبات ذات الصلة بأسلحة الدمار الشامل‏,‏ وإنهاء العمل ببرنامج النفط مقابل الغذاء‏,‏ ليخرج العراق من تحت طائلة الفصل السابع و إنهاء العزلة الدولية التي عايشها العراق لفترة طويلة‏,‏ وإيذان بعودة هذا البلد ليلعب دوره الإقليمي والدولي الذي يليق بتاريخه العريق‏.‏ختاما‏..‏ فالمشهد العراقي بكل تعقيداته يمكنه النجاح في ظل كل الظروف التي يمر بها‏,‏ والحكومة الجديدة ينتظرها عمل متواصل لسنوات مقبلة تحدد خلالها الخطوط العريضة لمستقبل البلاد داخليا وخارجيا‏.‏