يتجه الرئيس مبارك والرئيس الليبي معمر القذافى الثلاثاء صوب السودان في زيارة عاجلة، لإجراء مباحثات مع نظيرهما السوداني عمر حسن البشير، كما أكدت وسائل الإعلام، تتعلق بمجمل الأوضاع في السودان والقضايا ذات الاهتمام المشترك، ومن المتوقع أن ينضم للقمة الثلاثية "سلفاكير" رئيس حكومة جنوب السودان.
واعتبرت كثير من المراقبين أن الزيارة تأتي كأنها تقديم مبكر للعزاء، والتي تأتي قبل عشرين يوما فقط من إجراء استفتاء تقرير المصير، بعد تجاهل الزعيمين الليبي والمصري للأوضاع في السودان واستهانتهم بخطورة الموقف حتى أصبح السودان قاب قوسين أو أدنى من الانفصال والتفكك.
وكانت الحكومة السودانية قد وقعت في عام 2005 اتفاقا للسلام الشامل بينها وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان، بعد حروب أهلية طاحنة دامت لسنوات، على أن يتم الاستفتاء على تقرير مصير شعب الجنوب يوم التاسع من يناير عام 2011.
وتشير أغلب التوقعات إلى اتجاه نية حكومة السودان للانفصال، وإعلان دولة جديدة، مما سيتسبب في أضرار عدة لحكومة الشمال.
ومن المتوقع أن يواجه شمال السودان تحديات صعبة إذا اختار الجنوب الانفصال، أهمها، وجود آبار البترول في الجنوب، مما دفع الحكومة في الشمال للبحث عن بدائل لتتجنب مخاطر الاعتماد على موارد البترول كعنصر أساسي في موازنة العام القادم، ومن أهم هذه البدائل معدن الذهب الذي بدأ البحث والتنقيب عنه يتم عشوائيا في مناطق عديدة شمالي البلاد قبل أن تتدخل الدولة لتقنينه للاعتماد عليه كبديل للنفط.
كما ستواجه الحكومة في الشمال أزمة في احتياطات النقد الأجنبي حال انفصال الجنوب بانخفاض الصادرات البترولية، مما سيحول السودان لدولة فقيرة جدًّا، وفي هذا الوقت ستشكل السودان عبئا اقتصاديا على مصر.
كما تثور مخاوف على أوضاع المسلمين في جنوب السودان بعد الانفصال، والذين يشكلون حوالي 25% من السكان، حيث لا يميل أغلبهم لفكرة الانفصال خوفا من حالة كبت للحريات الدينية قد تسيطر على الجنوب عقب الانفصال وخلط الدين بالسياسية.
ومن أهم الأخطار التي سيواجهها الشمال عقب الانفصال، هو تزايد خطر متمردي دارفور النسبي وتعاظمه بعدما يصبح السودان أصغر حجما، كما تثور المخاوف من استغلال متمردي دافور لانشغال السودان بقضية الانفصال الأيام القادمة وتكيف هجماتها، وهو ما بدأت بوادره في الظهور، بعدما أكدت قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في السودان أكثر من مرة أن معدل الاشتباكات زاد بين وحدات الجيش السوداني ومسلحين من حركة تحرير السودان المتمردة في إقليم دافور خلال شهر ديسمبر الحالي.
ويتعاظم هذا الخطر حال عودة الصراع بين الجنوب والشمال، والذي لن تستطيع معه السودان الصمود أمام جبتهين، أحدهما في الغرب والأخرى في الجنوب.
حيث أن ما يوحد القبائل الجنوبية هو تحالفها لمواجهة الشمال، وهذا التحالف يؤجل المواجهة والحروب بين قبائل الجنوب، فإن انفض التحالف بانفصال الجنوب فمن المرجح أن يصبح الجنوب مسرحا لحروب قبلية لاتكفل الاستقرار على وادي النيل.
وبالطبع، ليس من مصلحة مصر أن تصبح أسيرة لتهور رؤساء القبائل المتناحرة، وتهديدهم لأمننا المائي، والذي يمكن أن يستخدم كسلاح في مواجهتنا من قبل بعض الدول التي بدأ تواجدها المريب على ضفاف النيل في الظهور.
وفي كل الأحوال، سيشجع انفصال الجنوب بعض الأماكن الأخرى للمطالبة بالانفصال مثل دارفور بلا شك.
يذكر أن السودان كان يعد إبان فترة الاحتلال الإنجليزي إقليما مصريا، ولولا المساعي الإنجليزية للفصل بين السودان ومصر خوفا من قيام دولة موحدة على ضفاف نهر النيل، لكانت الأوضاع قد اختلفت اليوم كثيرا.
وكان المصريون طوال العهد الملكي يعتبرون السودان جزءا لا يتجزأ من مصر، ويتابعون أخباره باهتمام كما يتابعون أخبار سيناء ومحافظات الصعيد، ولم تنفصل فعليا إلا عندما أقر عبد الناصر بحق السودانيين في تقرير المصير، 1956.