من المتوقع أن يصدر خلال الأسبوع الأول من شهر مايو المقبل كتاب جديد بعنوان «كاش كلينتون» (Clinton Cash)، وهو الكتاب الذي أثار ضجة وجدالا في الأوساط السياسية الأميركية حتى قبل صدوره فعليا، حيث رأى البعض أنه قد يوجه ضربة قاضية إلى أحلام هيلاري كلينتون في الوصول إلى منصب رئاسة الولايات المتحدة.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن الكتاب يسعى بشكل أساسي إلى إثبات أن هيلاري كلينتون قد دأبت خلال فترة توليها منصب وزيرة الخارجية على تسخير السياسات الأميركية من أجل «رد الجميل» إلى متبرعين أجانب (من بينهم مسؤولون حكوميون عرب كويتيون وخليجيون) كانوا قد دفعوا أموالا ضخمة لمصلحة مؤسسة كلينتون الإنسانية التي أسسها ويديرها آل كلينتون.

الكتاب من تأليف الكاتب والمحلل السياسي الأميركي بيتر شفايتزر الذي يقول إن هناك دلائل واضحة وقوية تثبت أن سيلا من الأموال قد تتدفق في شكل تبرعات من حكومات وجهات أجنبية إلى «مؤسسة كلينتون» المثيرة للجدل، وأن هيلاري كلينتون أسدت «مكافآت» سياسية وتجارية لاحقا إلى الجهات التي تبرعت بتلك الأموال مستغلة في ذلك منصبها كوزيرة للخارجية خلال الفترة بين العامين 2009 و2013.

وذكرت دار HarperCollins الناشرة للكتاب، أن المؤلف شفايتزر «يصف بالتفصيل كيف أن آل كلينتون دأبوا على طمس الحدود الفاصلة بين السياسة والعمل الخيري والأعمال التجارية»، مضيفة أن الكتاب يستعرض أيضا تفاصيل «صفقات مريبة» قام بها بيل وهيلاري كلينتون».

وفي سياق تقديمه للكتاب كتب أحد كتاب خطب الرئيس الأسبق جورج دابليو بوش ما نصه: «سنرى في سياق هذا الكتاب نمطا واضحا من التعاملات والصفقات المالية التي انخرط فيها آل كلينتون، وهي التعاملات التي تزامنت مع قرارات سياسية أميركية تفضيلية استفاد منها أولئك الذي دفعوا تبرعات».

وسعيا إلى تسليط الضوء على مصادر الأموال التي جمعها آل كلينتون، يشير المؤلف إلى أنه «في العام 2000 كان بيل وهيلاري كيلنتون مدينين بملايين الدولارات. لكن منذ ذلك الحين، استطاعا أن يجمعا أكثر من 130 مليون دولار. فمن أين جاءت تلك الأموال؟ معظم الناس يعتقدون أن آل كلينتون قد جمعوا ثروتهم تلك من خلال صفقات ضخمة لنشر كتب ومن خلال الحصول على أتعاب ضخمة مقابل إلقاء خطب».

ويتتبع شفايتزر في كتابه مصادر الأموال التي جمعها آل كلينتون، كاشفا عن العلاقة بين ثروتهم الشخصية و«أصدقائهم الشخصيين المقربين ومؤسسة كلينتون ودول أجنبية بالاضافة إلى عدد من كبار الشخصيات الحكومية العربية والكويتية والخليجية حول العالم».

ويسعى الكتاب إلى كشف النقاب عما يصفها بـ «تعاملات آل كلينتون المريبة والمقلقة» مع حكومات وشركات ورجال أعمال في عدد من الدول بما في ذلك كازخستان وهاييتي، وهي التعاملات التي تمت - حسب تعبير المؤلف - «على الجانب الجمح من الاقتصاد العالمي».

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنها حصلت على نسخة مسبقة من الكتاب، ونشرت الصحيفة قائمة تضم بعض التبرعات المالية الأجنبية إلى جانب القرارات السياسية التي أصدرتها هيلاري كلينتون كنوع من المكافأة لدافعي تلك التبرعات، وهي القرارات التي كان من بينها توقيع اتفاقيات تجارة حرة وتمرير مصالح صناعية وسياسية أخرى.

كما ينشر المؤلف في كتابه وثائق يقول إنها تثبت ليس فقط أن خزينة مؤسسة كلينتون قد امتلأت بتلك التبرعات التي دفعت كلينتون مقابلها من سياسات الدولة، بل أن ملايين من تلك الأموال الضخمة قد ذهبت إلى جيوب آل كلينتون الشخصية.

وصحيح أن الكتاب لن يصدر رسميا في الأسواق قبل تاريخ 5 يونيو، إلا أن القطب الجمهوري بول راند أكد أن محتوياته ستشكل «أخبارا ضخمة ستصدم الجماهير وستجعل الناخبين يثيرون تساؤلات حول ترشح هيلاري كلينتون للانتخابات الرئاسية المقبلة».

ويورد مؤلف الكتاب أمثلة لتأكيد مزاعمه، وهي الأمثلة التي من بينها أن هيلاري كلينتون أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع كولومبيا وهي الاتفاقية التي استفادت منها جهات كولومبية رسمية وغير رسمية كانت قد تبرعت بأموال ضخمة لمصلحة مؤسسة كلينتون.

ومن بين تلك الأمثلة أيضا مشروعات تنموية تم الاتفاق عليها في أعقاب الزلزال الذي ضرب هاييتي في العام 2010، بالإضافة إلى أنه كان قد تم دفع مبلغ يزيد على المليون دولار إلى بيل كلينتون من جانب مصرف كندي ومساهم رئيسي في شركة نفطية كندية بالتزامن مع جدال دار آنذاك في وزارة الخارجية الأميركية حول تمويل وتنفيذ مشروع هناك.

وبينما مازال هناك وقت طويل قبل أن تعلن هيلاري كلينتون رسميا عن اعتزامها الترشح للانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن مساعديها أثبتوا براعتهم في تفنيد الكتب الانتقادية التي صدرت ضدها واصفين تلك الكتب بأنها «دعاية تشهيرية من جانب الجمهوريين والمحافظين»، بما في ذلك كتاب «Blood Feud»، (ثأر الدم) الذي كتبه إدوارد كلاين حول التوترات الدائرة بين آل كلينتون وآل أوباما، وكتاب «Clinton Inc» (شركة آل كيلنتون المساهمة) لمؤلفه دانييل هالبر.

لكن الواقع هو أن كتاب «كاش كلينتون» ينطوي على عناصر مقلقة بالنسبة إلى هيلاري كلينتون أكثر من تلك الكتب السابقة المشار إليها آنفا، وذلك لسببين أولهما هو أنه يتميز بالتوثيق الفائق الدقة والتركيز، وثانيهما هو أن كبريات الصحف الأميركية قد أبرمت اتفاقيات مع المؤلف كي تقوم بالتقصي المتعمق حول المزاعم الواردة في الكتاب.

وبينما بدأ معسكر الجمهوريين في شحذ الهمم من أجل توظيف الكتاب سياسيا ضد هيلاري كلينتون، فإن معسكر الديموقراطيين شرع هو الآخر في إعداد العدة للتصدي للهجمة المتوقعة وتفنيد المزاعم التي يوردها الكتاب باعتبارها حقائق مثبتة بالوثائق.

في هذا السياق وصف برايان فالون، الناطق الرسمي باسم كلينتون، الكتاب بأنه ليس سوى جزء من استراتيجية الجمهوريين الهجومية المنسقة التي يشنونها ضد هيلاري كلينتون، مشيرا إلى أن المزاعم الواردة في الكتاب ليست سوى «تحوير وتحريف لحقائق معروفة منذ زمن وتحويلها إلى نظريات مؤامرة سخيفة»، مشيرا إلى أنه يعتقد أن هذا الكتاب الجديد المزمع نشره ليس العمل الأول ولن يكون الأخير في إطار الافتراءات الحزبية ضد سجل وتاريخ آل كلينتون.

ومن بين ما أورده شفايتزر في سياق كتابه أنه خلال الفترة بين العامين 2001 و2012 بلغ صافي دخل آل كلينتون 136.5 مليون دولار على الأقل، وهو الرقم ذاته التي كانت صحيفة «ذا بوست» قد أوردته في وقت سابق.

ويمضي المؤلف قائلا في الكتاب: «خلال سنوات خدمة هيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية، قام آل كلينتون بإجراء أو تسهيل مئات من الصفقات الكبرى مع حكومات وأفراد أجانب. وقد أدت بعض تلك الصفقات إلى إدخال ملايين من الدولارات إلى جيوبهم».

وكانت مؤسسة كلينتون الإنسانية قد أخضعت للتدقيق والفحص بعد أن قبلت تبرعات أجنبية خلال فترة وجود السيدة كلينتون في منصب وزيرة الخارجية. وقبل بضعة أيام قامت المؤسسة بمراجعة سياساتها الداخلية بهدف السماح بقبول تبرعات مالية من دول أجنبية من بينها ألمانيا وكندا وهولندا وبريطانيا، وفي الوقت ذاته تحظر قبول أي تبرعات من دول منطقة الشرق الأوسط ودول خليجية.

ولعلها لن تكون صدفة أن إطلاق كتاب «كاش كلينتون» سيتزامن مع اليوم الذي سيستضيف فيه آل كلينتون منتدى «المبادرة العالمية» في المغرب بحضور جهات مانحة.

وبينما سبق أن صدرت كتب انتقدت وهاجمت تاريخ هيلاري كلينتون وحظيت برواج كبير، ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان كتاب «كاش كلينتون» سيحقق نفس الرواج والشعبية بين القراء.

فمؤلف الكتاب يكتب بنبرة الصحافي المحايد ويحرص بشدة على توثيق مصادره التي من بينها سجلات ضريبية ووثائق حكومية، بينما لا يترك مجالا للشك في وجهة نظرة السلبية إزاء آل كلينتون.

وبشكل كبير يركز المؤلف على حقيقة تضخم حجم الأجور التي تلقاها بيل كلينتون في مقابل إلقاء خطب خلال فترة عمل زوجته هيلاري كوزيرة للخارجية.

ويقول المؤلف معلقا على ذلك: «من بين الخطب الـ13 التي تلقى مقابل الواحدة منها 500 ألف دولار أو أكثر، كانت خطبتان اثنتان فقط خلال الفترة التي لم تكن فيها هيلاري وزيرة للخارجية».

ويمضي المؤلف كاتبا أنه «خلال العام 2011 جمع السيد بيل كلينتون 13.3 مليون دولار كأتعاب في مقابل 54 خطبة كان معظمها في خارج الولايات المتحدة وخلال فترة عمل زوجته هيلاري كوزيرة للخارجية».

ويكشف الكتاب عن أنتوني رودهام، شقيق هيلاري، والذي ترأس مجلس إدارة شركة تعدين حصلت في العام 2012 من حكومة هاييتي على واحد من بين ترخيصين وحيدين للتنقيب عن الذهب – وهو الأمر الذي كان»امتيازا مرموقا كان هو الأول من نوعه منذ 20 سنة«.

ويؤكد المؤلف على أن ذلك الأمر تم بفضل استغلال هيلاري لمنصبها كوزيرة للخارجية.

وكانت هيلاري كلينتون قد رفضت الإجابة عن أسئلة تتعلق بالكتاب وجهت إليها خلال زيارة قامت بها إلى ولاية هامبشير قبل بضعة أيام، واصفة تلك الأسئلة بأنها»جزء من هجمات تشتيتية«ذات أغراض سياسية. لكن الواقع هو أن الكتاب قد يشكل لدى صدوره صداعا سياسيا إضافيا لحملة هيلاري كلينتون الرئاسية التي لا تزال في مهدها، لا سيما أنها تعرضت قبل أسابيع قليلة لحملة إعلامية شرسة بعد أن تم الكشف عن أنها كانت تستخدم حساب ايميل شخصي وسيرفر خاص بها لتبادل المراسلات الرسمية خلال فترة عملها كوزيرة للخارجية.

و في مطلع شهر ابريل الجاري، كشفت وكالة»ماكلاتشي نيوز«الإخبارية عن أنه منذ العام 2001 تبرعت حكومات دول شرق أوسطية، من بينها دول عربية بمبالغ وصل إجماليها إلى 40 مليون دولار، لصالح مؤسسة كلينتون.

ويرى معلقون ومحللون سياسيون أن هذا الكتاب سيحتل مكانا بين الكتب الأكثر مبيعا، وأنه سيمنح الجمهوريين والمحافظين مادة خصبة إضافية لتصوير مؤسسة كلينتون باعتبارها كيانا مليئا بالفضائح التي تكفي لاستبعاد هيلاري كلينتون من الترشح للرئاسة الأميركية، حتى على الرغم من أن السيدة كلينتون ما زالت متشبثة بتقدمها في وقت سابق في استطلاعات الرأي وتسعى إلى استعادة دائرة الضوء من خصومها الجمهوريين.

لكن على الرغم من كل شيء، فإنه سيتعين على الجميع أن ينتظروا ليروا ما إذا كان الكتاب سيضع نهاية لأحلام وطموحات هيلاري كلينتون الرئاسية.