ظهرت في البداية مجرد قناة إخبارية، دون أدنى تدخل في شئون الدول وسياستها الداخلية، ثم بزغ نجمها بشكل واضح مع دخول الألفية الجديدة، وتغيرت سياستها الإعلامية إلى النقيض تمامًا، وأصبحت أداة فاعلة في نشر الفوضى والدعوة للعنف.
التاريخ الملئ بالانتقادات والاتهامات، هو أبرز ما يميز قناة "الجزيرة"، التي تعمدت تركيز تقاريرها الإخبارية على مساوئ الدول العربية، اعتمادا على سياسة أنصاف الأخبار، بينما تغاضت عن مساوئ الدول الغربية، حتى بدت وكأنها تخدم أجندة خارجية واضحة المعالم.
"الجزيرة" كانت مجرد شبكة تلفزيونية قطرية مقرها بالدوحة، وصفت نفسها منذ نشأتها عام 1988 بأنها قناة للأنباء العربية والشئون الجارية، واعتمدت في بدايتها على أربعة استوديوهات في أنحاء العاصمة القطرية، كما اعتمدت على 15 مراسلًا في 11 بلدًا، قبل أن يذيع صيتها وتتعاظم شهرتها في سنوات قليلة.
بدأت قناة الجزيرة تصعد السلم الإعلامي بتمويل أو منح من أمير قطر "حمد بن خليفة آل ثاني" بمبلغ 150 مليون دولار، وفي الوقت الذي بدأ فيه نجم الجزيرة يبزغ، كانت قنوات هيئة الإذاعة البريطانية تواصل الانحدار حتى تم إغلاقها نهائيًا عام 1994 بسبب الرقابة التي فرضتها المملكة العربية السعودية عليها، فانضم للجزيرة العديد من العاملين في المحطة البريطانية.
انطلقت الجزيرة في سنواتها الأولى بدون إعلانات وحاولت تحقيق الاكتفاء الذاتي بتلك الطريقة، ولكن بحلول عام 2001 أعلنت فشلها في الاستمرار بسبب إحجام المعلنين السعوديين عن التعاقد معها، فعاد أمير قطر في تقديم الدعم السنوي لها.
بدأ الظهور الحقيقي والإعلامي لقناة الجزيرة بعد أن اكتسبت اهتمامًا واسعا عقب هجمات 11 سبتمبر 2006 والتي انفردت من خلالها بأنها القناة الوحيدة التي تغطي الحرب من أفغانستان على الهواء مباشرة من مكتبها هناك، وتبث حوارات تلفزيونية لزعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن" وغيره من عناصر التنظيم، وهو ما اعتبره كثيرون كلمة السر التي استطاعت من خلالها القناة أن تستأثر بإعجاب المتابعين، واهتمامهم.
ومما ساهم في زيادة ذيوعها وانتشارها، تغطيتها لثورات ما يعرف "بالربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وقد لمع بريق المحطة أيضًا في الغزو الأمريكي للعراق 2003 فكانت المحطة الأكثر انتشارًا في العالم العربي، كونها نشرت مراسليها فى كل أرجاء العراق، وكان لها مراسلون قيل إن لهم علاقات قوية بتنظيم القاعدة ومنهم "تيسير علوني" الذى اعتقل في أسبانيا في نفس العام بتهمة تقديم دعم لأعضاء في تنظيم القاعدة.
"الجدل والإثارة" مبدءان عاشت عليهما قناة الجزيرة منذ ظهورها، من أجل العمل على زيادة أعداد جمهور المشاهدين، فعرضت طوال تاريخها قضايا مثيرة للجدل منها العلاقة المتوترة بين سوريا ولبنان، وتعرضت للقضاء المصري الذي ادعت عليه بما ليس فيه، كما عرضت أسرار عن الحرب الأهلية اللبنانية عام 2000.
وانتقدت عام 1999 السياسة الجزائرية وحكومتها من خلال أحد برامجها المعروف باسم "الاتجاه المعاكس" الذي يقدم على الهواء مباشرة، فقطعت الحكومة الجزائرية إمدادات الكهرباء عن أجزاء كبيرة من العاصمة الجزائر وأجزاء كبيرة من البلد نفسها لمنع مشاهدة البرنامج.
كما واجهت مكاتبها العديد من محاولات التدمير كان أهمها في يوم 13 نوفمبر 2001، وأثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، حيث دمرت ضربة صاروخية أمريكية مكتب قناة الجزيرة في "كابول".
تواجه قناة الجزيرة القطرية حاليًا انتقادات شديدة لتغيير موقفها، لاسيما تجاه الدولة المصرية حتى بعد غلق مكتبها الإعلامي، فقد ناصرت ثورة 25 يناير واكتسبت قاعدة جماهيرية كبيرة، وفجأة وقفت بكل قوتها مع تيار الإسلام السياسي، تضع له التبريرات والحجج، ثم حددت موقفها وخصته لحزب الحرية والعدالة ودعمت دور الحزب حتى باتت تتحدث بلسانه.
وعقب سقوط نظام جماعة الإخوان الإرهابية كشفت الجزيرة عن وجهها الحقيقي بمناهضة الاستقرار المصري ومعارضة النظام الحالي، كان آخر موقفها مع الدولة المصرية تحفظها على الضربة الجوية التي شنها الجيش على معاقل تنظيم داعش الإرهابي بليبيا والتي جاء موقف الجزيرة عليه مناقضًا لجميع القنوات الفضائية الأخرى ومثيرًا للجدل.
وإبان المصالحة المصرية القطرية التي كان يرعاها ملك السعودية الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، أغلقت الجزيرة قناتها "مباشر مصر"، وبدا تغير ملحوظ في تغطيتها للأحداث السياسية بالقاهرة، إلا أنها سرعان ما عادت بعد رحيل خادم الحرمين، لما كانت عليه ذي قبل، وهو ما اعتبره البعض نقضا للعهد.