الفصل الأول
منذ أربع سنوات وبالتحديد فى ليلة افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى وقف الحضور إجلالاً وتقديرًا لاسم الفنان الراحل نجيب الريحانى، الذى أهدى المهرجان الدورة لاسمه الخالد، ولم يكن فى ذلك شىء غريب بل على العكس كان حدث يدعو للفخر باسم وفن نجيب الريحانى الذى منح المسرح والسينما المصرية كثير من القيمة والتميز، فأن ينادى وزير الثقافة على اسم الريحانى فى مهرجان سينمائى لم يكن بالمفاجأة ولكن المفاجأة التى أدهشت الحضور كان صعود سيدة تبدو عليها ملامح أجنبية فى السبعين من عمرها لتسلم التكريم وتقديمها باعتبارها مفاجأة المهرجان لأنها ابنة الريحانى الذى عاش ومات حسب ما هو معلن دون أن يرزق بولد أو بنت.
اعتبر القائمون على المهرجان أن هذه المفاجأة تضاف إلى إيجابيات المهرجان لأنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل فقد كشفوا سرًا يخص نجم ظل عمرًا دون أن يعرفه أحد، وتنافست محطات التليفزيون والصحف فى ذلك الوقت على الفوز بحديث من الابنة المجهولة التى صعدت على المسرح وتمنت لو أن أباها كان يعيش معها هذه اللحظ، قصة بالفعل فى حينها بدت كقنبلة صحفيين ولو صحت لكان لمهرجان القاهرة السينمائى السبق الخبرى فى هذه الحكاية التى تبدو كأفلام السينما.
وتناولت الصحف الحكاية ببعض الارتياب فالبعض كتب مؤيدا بأن الحياة فيها ما هو أكثر غرابة من السينما وآخرين شككوا فى صدق القصة، وعلى كل حال فقد دفعت دراما قصة ابنة الريحانى المجهولة أحد صناع السينما وهو د.محمد كامل القليوبى لأن ينجز فيها تسجيليا طويلا مستغلا وجود ابنته المجهولة فى سرد تفاصيل عن عملاق الكوميديا والمسرح الراحل.
ولم أجد فى هذه القصة ما يستوقفنى إلا كم الدموع التى ذرفتها باسم والدها أو التى تسيل من عيونها وهى فى أى لقاء تليفزيونى أو حتى وهى تشارك فى الفيلم القليوبى، فالابنة التى بلغت السبعين من العمر ولم تعش مع والدها حسب روايتها إلا أقل القليل من الوقت وبالتالى ارتباطها به كان هامشيا، إضافة لكونها فرنسية عاشت طفولتها وشبابها فى بلاد بارة وبالتالى مشاعرها ليست شرقية.. كل هذا جعلنى أنظر للأمر ببعض الريبة وأشعر فى داخل نفسى بأن الحكاية فيها من الخيال أكثر من الحقيقة، ومن الأداء التمثيلى أكثر من الصدق ولكن كم من قصص فى الحياة نعيشها وتكاد لا تُصدق ولكنها فى النهاية تكون حقيقة ولم لا؟ والأهم ما الذى يضير فى أن يظهر للريحانى ابنة مجهولة لاشىء؟
الفصل الثانى
ومر بعض الوقت ومنذ عدة أشهر نشر المسرحى د.أحمد سخسوخ فى مجلة "أخبار النجوم" على مدى أربع أسابيع مجموعة من المقالات يفند فيها حكاية ابنة الريحانى المجهولة ويؤكد بعدة دلائل كذب قصة جينا الابنة المجهولة من خلال مذكرات نجيب الريحانى نفسه ومن خلال حكايات عن خلفية جينا نفسها التى حكى إنها ممثلة أدوار صغيرة فى بعض الأعمال الفنية، إضافة أى شهادات البعض بأن الريحانى كان عقيما لا ينجب، قرأت مجموعة المقالات وتذكرت هواجس السابقة حين أطلق المهرجان الحكاية فى بدايتها، ولكنى ظلت الحكاية لو صحت إطارها أن هناك امرأة وجدت فرصة رائعة لكى تصبح شهيرة فلم تتردد ولكن ظل السؤال كيف سمحت إدارة مهرجان القاهرة السينمائى بالدخول فى متاهات صدق أو كذب نسب خاصة أن المهرجان يتبع وزارة الثقافة التى تمثل الحكومة، وإن كانت أسئلتى السابقة وتساؤلاتى لا ترقى لاتهام أو مشكلة كبرى ولكنها ظلت فى إطار التعجب.
الفصل الثالث
واستدعت ذاكرتى كل ذلك حين قرأت هذا الأسبوع تقرير نشره الزميل نبيل سيف فى جريدة "الفجر" فى صفحة الحوادث بعنوان مجهول يسحب 400 ألف جنيه من تركة نجيب الريحانى دون مستندات، والتقرير يقول إن هناك صراعا حول تركة الريحانى الممثلة فى فيلا بالمعادى تقدر بـ70 مليون ولوحة بحجم كبير للفنان الراحل بحوالى 2 مليون ومسرح الريحانى وقصر الريحانى فى حدائق القبة الذى تستغله وزارة الثقافة كقصر ثقافة، إضافة إلى شاليه فى رأس البر وأن هذه الثروة تقدر بأكثر من 200 مليون جنيه إن لم يكن أكثر وأن آخر وريث فى عائلة الريحانى وهى زوجة بديع ابن شقيقة الريحانى قد توفيت منذ حوالى عام ومنذ ذلك الحين كما يوضح التقرير يدور صراع بين مجموعة من المحامين وهواة اصطياد ثروات الموتى بلا ورثة وبنك ناصر الذى يحصل على هذه الأموال، وأضاف التقرير بأن وزارة الثقاقة سارعت بتقديم طلب لاستصدار قرار من قبل رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية لتحويل تركة الريحانى التى لا يوجد لها وريث لحيازة الوزارة حتى يتسنى لها أن تقيم بها متحفا للريحانى لأن لو حدث أن بنك ناصر استولى عليها ستباع دون الاستفادة من قيمتها التاريخية وهى من متعلقات نجيب الريحانى الخالد، وهنا كان لابد أن كل صفارات الإنذار فى عقلى تعمل وتربط الفصول الثلاث ببعضها بداية من ظهور الابنة المجهولة مرورا بحكايات د.سخسوخ ثم أخيرا خبر فى صفحة الحوادث تتصدره صورة الريحانى، عشرات من الأسئلة سأتركها للقارئ كما يطرحها ويقاسمنى الحيرة، ولكن يظل السؤال الأكبر كيف يتسنى لوزارة الثقافة أن تطالب بوضع يدها على ميراث الريحانى مدعية أنه بلا وريث ووزيرها الذى على رأسها قد وقف منذ ثلاث أعوام على مسرح الأوبرا فى حفل افتتاح مهرجان دولى يسلم ابنة الريحانى تكريم والدها؟؟؟ هل كانت إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى حسنة النية وهى تقرر اعترافها ببنوة جينا الفرنسية لنجيب الريحانى ولم تدرك أن الفرحة بخبطة إعلامية للمهرجان من الممكن أن تحمل خبطة العمر لآخرين يبحثون فى ثروات مات وتنتظر الآكلين؟؟ مجرد أسئلة لا أملك إجابة قاطعة عليها ولكنى بالتأكيد أطلب من المسئولين سواء فى وزارة الثقافة أو الداخلية أن يردوا عليها من أجل الحفاظ على اسم وثروة إن لم يكن لها صاحب فالشعب المصرى أولى بها؟؟ وربما وقتها فقط سأكتب الفصل الأخير.